«حماة الوطن» يبحث سبل التعاون بين الحزب ومشيخة الأزهر    أسعار الفراخ اليوم 20 مايو 2024 للمستهلك بجميع الأسواق    صندوق النقد الدولي: البنوك القطرية تتمتع برأس مال جيد وسيولة وربحية    السر يملكه القائد.. اللواء هشام حلبي يكشف أسباب تحطم طائرة رئيسي (فيديو)    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    صلاح عبدالله يحتفل بفوز الزمالك بالكونفيدرالية: استحملنا كثير أوي.. جمهورنا أوفياء للأبد اسما وفعلا    النجمة ديمي مور تخطف الأنظار في فعاليات اليوم السادس لمهرجان كان السينمائي    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    وزارة الصحة تطلق 8 قوافل طبية مجانية بالمحافظات    لطلاب الامتحانات.. احذوا تناول مشروبات الطاقة لهذه الأسباب (فيديو)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تفاصيل جديدة عن حادث الفنان عباس أبو الحسن    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات مركز الإختبارات الالكترونية    خارجية أمريكا: المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها سلطة قضائية على إسرائيل    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    وكيل صحة الشرقية يتفقد أعمال التطوير بمستشفى سنهوت التخصصي    السرب المصري الظافر    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    د. معتز القيعي يقدم نصائح حول الأنظمة الغذائية المنتشره بين الشباب    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    لاعبو المشروع القومي لرفع الأثقال يشاركون في بطولة العالم تحت 17 سنة    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناغو يخشى خاتمة الخازندار
نشر في المشهد يوم 24 - 10 - 2012

تأسيسية الدستور .. صراع الأغلبية الدينية مع الأقلية المدنية .. صراع قوى الظلام مع مشاعل النور .. صراع الفرز والتمييز مع الحق و المواطنة .. صراع الأمس بجهله و فساده مع المستقبل بأحلامه وآماله .. صدر الحكم الذي طالما انتظرناه بعد تأجيل أكثر من مرة ..
وتعرضنا لما جاء بالحكم لا يدخل ضمن التعليق على الأحكام وإنما مجرد تحليل للواقع السياسي المرتبط ارتباطا وثيقا بنتائج الحكم .. فمنطوقه كان " ووقف نظر جميع الطعون وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 والخاص بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور جديد و منها قرارات الأعضاء غير المعينين بمجلسي الشعب والشورى المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التي تعد دستورا جديدا للبلاد تخضع للرقابة على دستورية القوانين والقرارات البرلمانية.
والمتأمل فى الحكم يجد أن الإحالة للدستورية تستغرق شهورا للحكم ، ثم تعاد القضية مرة أخرى إلى محكمة القضاء الإداري للنظر في الموضوع، و هو الأمر الذي يعنى استئساد الأغلبية الإسلامية في تأسيسية الدستور ، وانتهاز الفرصة للضغط على الرئيس مرسى ليطلق الدعوة إلى الاستفتاء على دستور معيب غير متوافق عليه و حينها لا يمكن ولا يجوز الطعن على الدعوة للاستفتاء باعتباره من أعمال السيادة..
فالحكم يمنح صقور الإخوان دعما للاستمرار دون توافق مع بقية القوى السياسية .. و يمنح القاضي هروبا من الحل خاصة وأنه لم يكن من الموفق إطلاقا تنصيب قاض مسيحي للفصل في دعوى تأسيسية الدستور التي يدافع عنها تيار الإسلام السياسي كله باعتبارها قضية الهوية المصرية .
فالحكم سياسي بالدرجة الأولى .. و لا اعلم لماذا أعاد الحكم إلى ذهني صورة مقتل القاضي الخازندار التي أورد تفاصيلها كتاب الملفات السرية للإخوان المسلمين .. للباحث عبد الرحيم على .. فعلى ما يبدو أن فريد تناغو رئيس هيئة المحكمة التي نظرت قضية حل تأسيسية الدستور يخشى أن يلقى ذات مصير القاضي الخازندار .. أول من طالته سلسلة اغتيالات جماعة الإخوان المسلمين فى أربعينات القرن الفائت .. ورغم الفارق في الظرف والزمن ، إلا أن تصريحات بعض المتشددين تضفى على المشهد ظلالا لا يمكننا الهرب منها وإلا سنصبح كمن يدفن رأسه في الرمال
اغتيال القاضي الخازندار
و في قضية اغتيال القاضي الخازندار نلجأ إلى شهادات الإخوان أنفسهم وما سطروه بأقلامهم .. لان كثيرين منهم يشككون بل ويتنصلون من العنف الذي طالما مارسوه جهارا من قبل .. ويدفعنا التاريخ رضينا أم أبينا للخوف من تكراره .. فطبقا لكتاب عبد الرحيم على فان كوادر وكتاب عاشوا تلك الحقبة وكانوا فاعلين رئيسيين فيها. كتبوا شهاداتهم عن الأحداث دون ضغط أو تدخل من أحد ، فأدانوا الجميع بما في ذلك المرشد المؤسس حسن البنا نفسه .وفي هذه القضية تناول عبد الرحيم ما سطره عدد من قادة التنظيم الخاص لجماعة الإخوان (الجناح العسكري للجماعة) بعد أربعين عاما من الحادث، وهم على الترتيب الدكتور عبد العزيز كامل في كتابه - فى نهر الحياة – الطبعة الأولى – المكتب المصرى الحديث، وأحمد عادل كمال - النقط فوق الحروف الإخوان المسلمون والنظام الخاص - الطبعة الأولى- الزهراء للأعلام العربي.
بالإضافة إلى شهادة أحمد مرتضى المراغي آخر وزير داخلية قبل الثورة وكان يشغل آنذاك منصب مدير الأمن العام، التي حوتها مذكراته المعنونة - غرائب من عهد فاروق وبداية الثورة المصرية - الطبعة الأولى – مكتبة دار الشروق.
يقول الرجل تحت عنوان دم الخازندار:
"فى صبيحة هذا اليوم (يقصد يوم مقتل القاضي الخازندار الثاني والعشرين من مارس 1948)، بينما كان المستشار أحمد الخازندار (بك) فى طريقه من منزله في حلوان إلى عمله، عاجله اثنان من شباب الإخوان بإطلاق النار عليه فأردياه قتيلا .. وأمكن القبض على الاثنين: محمود زينهم وحسن عبد الحافظ.
وكان للحادث دوى عميق، تصارعت فيه تيارات فكرية متعددة، فقد أعاد إلى الأذهان مواقف الخازندار من قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين في ناحية الإسكندرية، وحكم على الشابين بالأشغال الشاقة المؤبدة في 22 نوفمبر عام 1947، ولكن أطلق سراحهما فيما بعد لعدم كفاية الأدلة .. ولم يكن الخازندار محبوباً، أو حتى موصوفاُ بالحيدة بين الإخوان، فبينما يرون عملهم وطنياً ودينيا، كانوا يرون موقف الخازندار موقفا قضائيا متعسفاً.
ولا أود أن أسرد الوقائع كلها هنا، ولكن أود أن أسجل جلسة خاصة شهدتها في المركز العام للإخوان المسلمين، برئاسة الأستاذ البنا، وحضور النظام الخاص فى هذا الموضوع.
وأسجل هنا ما تعيه ذاكرتي من أحداث هذه الليلة البعيدة.
وسنرى كيف تتغير المشاهد في الذهن وتعاد صياغتها، ويرويها صاحبها معدلة، وهو يؤمن أنها الحقيقة التي شاهدها، وهذه هي حكمة الشاهدين والأربعة شهود في الإسلام.
رواية عبد العزيز كامل:
كنت في ربيع عام 1948 مدرسا في معهد المعلمين في أسيوط، وبعد مصرع الخازندار، جاءتني رسالة عن اجتماع عاجل مع الأستاذ المرشد في القاهرة .. واستأذنت عميد المعهد الأستاذ عبد العزيز سلامة في السفر، ولم أكن أغيب عن عملي أو أعتذر، ونظر إلىِّ نظرة طويلة، ووافق على السفر في هدوء دون أن يسأل، وإنما طلب منى أن أحدد أيام الغياب، ولم أستطع فقال: سأحتفظ بخطاب الاستئذان عندي حتى عودتك، وأرجو أن تكون قريبة، وأن تطمئن على الأهل، وكن حريصاً والله معك.
ويستمر الرجل في روايته فيذكر في ص 46 "كان بإحساسه الداخلي (يقصد مدير المدرسة) يشعر أن الأمر متعلق بالإخوان بعد مصرع الخازندار، والكل يتحدث ويعلق، القضاة، المحامون، رجال التعليم، ومهما يكن من أمر الآراء التي تشعبت، فإنها كانت تلتقي عند إدانة الإخوان، واستنكار الحادث، فقد كان عدواناً سافراً على القضاء...
وكانت عودتي إلى القاهرة مفاجأة للأهل ... أمي وإخوتي .. ولزمت الصمت، وذهبت إلى المركز العام.
كان الاجتماع في حجرة المكتبة بالدور الثاني، هذه المكتبة التي تبرع بجزء كبير منها سمو الأمير محمد على توفيق ولى العهد وقتئذ، على أثر كلمات طيبة من سليمان متولي (بك) مراقب عام المدارس الأميرية، فأرسلها مكتبة كاملة بخزانات الكتب ... وكانت هذه الحجرة بالذات أقرب الحجرات إلى فكري وقلبي .. وكم قضيت فيها الساعات قارئاً – باحثاً، أو متحدثا مع أعضاء قسم الأسر.
ولكن هذه الجلسة كانت ذات طبيعة خاصة، ولعلها من أعمق جلسات الإخوان أثراً في نفسي، ولا زلت أذكر الأستاذ (يقصد الأستاذ حسن البنا) وجلسته، وعليه يبدو التوتر.. أراه في حركة عينيه السريعة، والتفاته العصبي، ووجهه الكظيم، وإلى جواره قادة النظام الخاص عبد الرحمن السندي رئيس النظام، وكان لا يقل توتراً وتحفزاً عن الأستاذ، ثم أحمد حسنين، ومحمود الصباغ، وسيد فايز، وأحمد زكي، وإبراهيم الطيب، ويوسف طلعت، وحلمي عبد المجيد ، وحسني عبد الباقي، وسيد سابق، وصالح عشماوي، وأحمد حجازي، ومصطفى مشهور، ومحمود عساف.
كان محور الحديث مصرع المستشار أحمد الخازندار..
قال الأستاذ: أن كل ما صدر منه من قول تعليقاً على أحكام الخازندار فى قضايا الإخوان "لو ربنا يخلصنا منه" أو "لو نخلص منه" أو "لو واحد يخلصنا منه" (لاحظ مطلب البنا يوجهه لقائد النظام الخاص عبد الرحمن السندي)، معنى لا يخرج عن الأمنية، ولا يصل إلى الأمر، فالأمر محدد، وإلى شخص محدد، وهو لم يصدر أمراً، ولم يكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن هذه الأمنية أمراً، واتخذ إجراءاته التنفيذية، وفوجئ الأستاذ بالتنفيذ.
ويضيف كامل: حدثني الصديق الأستاذ مختار عبد العليم المحامى، أن الأستاذ فى صلاة العشاء مساء الحادث سها في عدد الركعات وصلى الفرض ثلاث ركعات، وأكمل ركعة السهو. وما أذكر طول صلاتي مع الأستاذ أنه سها مرة... وعلم الأستاذ مختار بهذا ممن كان مع الأستاذ في صلاته.
وسمعت منه أيضاً أن الدكتور عزيز فهمي المحامى قابله في المركز العام فوجد الأستاذ جالساَ في حجرة منعزلة، وحيداً واضعاً رأسه بين يديه في تفكير عميق، وألم لم يستطع إخفائه، وهو ناقم أشد النقمة على الحادث.
وما أذكر أن الأستاذ عقد مثل هذا الاجتماع طوال حياته في الإخوان بهذه الصورة..
وكان واضحاً أن الخلاف شديد بين المرشد وعبد الرحمن، فأمام كبار المسئولين، سيبدو إن كان الأستاذ قد أمر، أو أن عبد الرحمن تصرف من تلقاء نفسه، وفى ماذا؟ في قتل المستشار، وتسجيل عدوان دموي على القضاء فى مصر.
المرشد والسندي يتلاومان
ووجهت حديثي إلى الأستاذ قائلاً:
أريد من فضيلتكم إجابة محددة بنعم أو لا على أسئلة مباشرة لو سمحتم.
فأذن بذلك فقلت:
- هل أصدرت فضيلتكم أمراً صريحاً لعبد الرحمن بهذا الحادث؟
- قال: لا
- قلت: هل تحمل دم الخازندار على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟
- قال: لا
- قلت: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسئولية هذا أمام الله.
- قال: نعم
فوجهت القول إلى عبد الرحمن السندي، واستأذنت الأستاذ فى ذلك فأذن.
- ممن تلقيت الأمر بهذا؟
- فقال: من الأستاذ (يقصد المرشد حسن البنا(
- فقلت: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟
- قال لا.
- قلت: وهذا الشباب الذي دفعتم به إلى قتل الخازندار من يحمل مسئوليته؟
والأستاذ ينكر وأنت تنكر، والأستاذ يتبرأ وأنت تتبرأ.
.................
ويواصل كامل" قال عبد الرحمن: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار، فرغبته في الخلاص أمر منه.
- قلت: مثل هذه الأمور ليست بالمفهوم أو بالرغبة وأسئلتي محددة، وإجاباتكم محددة، وكل منكما يتبرأ من دم الخازندار، ومن المسئولية عن هذا الشباب الذي أمر بقتل الخازندار.
- ولا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يلق الله بدم حرام، هذا حديث رسول الله.
- ثم قلت له: والآن هل تُترك المسائل على ما هي عليه، أم تحتاج منك إلى صورة جديدة من صور القيادة، وتحديد المسئوليات؟
- قال: (يقصد المرشد العام حسن البنا) لابد من صورة جديدة وتحديد مسئوليات.
واستقر رأيه على تكوين لجنة تضم كبار المسئولين عن النظام، بحيث لا ينفرد عبد الرحمن برأي ولا تصرف، وتأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة المحددة من الأستاذ، وأن يوزن هذا بميزان ديني يقتضى أن تكون من بين أعضائها – بالإضافة إلى أنها تتلقى أوامرها من الأستاذ – رجل دين على علم وإيمان، ومن هنا جاء دور الشيخ سيد سابق ميزانا لحركة الآلة العنيفة.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجلس فيها عبد الرحمن مجلس المحاسبة والمؤاخذة أمام الأستاذ وقيادات النظام، بل لعلها المرة الأولى التي يجلس فيها الأستاذ أيضاً مجلس المواجهة الصريحة أمام نفسه وأمام قادة النظام، إلى الدرجة التي يقول فيها لعبد الرحمن (يقصد حسن البنا(
- أنا لم أقل لك، ولا أحمل المسئولية.
- وعبدالرحمن يرد:
- لا .. أنت قلت لي وتتحمل المسئولية
- ويتبرأ كل منهما من دم الخازندار، ويخشى أمر أن يحمله على رأسه يوم القيامة.
- وانتهت الجلسة..
- وعدت إلى المنزل ..
.............
ولا تعليق منا، فالكلام لا يحتاج الى تعليق.
ونورد بعضا مما كتبه أحمد مرتضى المراغي، مدير الأمن العام آنذاك في مذكراته المعنونة - غرائب من عهد فاروق وبداية الثورة المصرية (مذكرات آخر وزير داخلية قبل الثورة(.
قتل رئيس محكمة الجنايات:
تحت هذا العنوان يسرد المراغي الأسباب التي أدت بالإخوان إلى اتخاذ قرارهم باغتيال القاضي الخازندار فيقول:
"انعقدت محكمة جنايات مصر برئاسة المستشار الخازندار، وكان قاضياً يتميز بالعلم الغزير وبنزاهة لا يرقى إليها الشك، لمحاكمة جماعة من الإخوان اتهموا بحيازة متفجرات وأسلحة. وكانت القضية قد عرضت على دائرة أخرى تلقت تهديدات عديدة بالقتل إذا حكمت على المتهمين (لاحظ التهديدات للقضاء). وأخذت القضية تؤجّل حتى انتهت إلى الدائرة التي يرأسها الخازندار. وطلب محاموا المتهمين التأجيل. ولكن الخازندار رفض التأجيل وأصر على النظر في القضية (رغم تهديده بالقتل سواء برسائل أو مكالمات هاتفية) لصلابته المعهودة عنه. وحكم في القضية بحبس المتهمين مدة طويلة بالأشغال الشاقة. وهنا صدر عليه هو حكم الإعدام من محكمة الإخوان ونفذ كما يأتي:
خرج المستشار الخازندار من منزله صباح يوم مشمس من أيام الشتاء في حلوان بعد أن ودع زوجته وقبل طفليه وأخذ يمشى على مهل من منزله في الجهة الشرقية من المدينة متجهاً إلى محطة السكك الحديدية ليستقل القطار. ولم يبتعد عن منزله أكثر من خمسين متراً حتى انقض عليه شابان أحدهما في التاسعة عشر والثاني في الثامنة عشر (لاحظ حداثة سن الشابين) وأطلقا عليه ست رصاصات سقط على إثرها قتيلا. وفر الشابان صوب الجبل المحيط بحلوان. ورآهما أحد المارة فأسرع بإبلاغ البوليس الذي أنطلق وراءهما. وسمعت زوجة المستشار صوت الطلقات، وأحس قلبها بأن شيئاً أصاب زوجها. وكان نذير إحساسها ما وجه إلى زوجها من تهديدات.
ويواصل المراغي في ص 72 "فخرجت (في إشارة للزوجة) حافية القدمين، ونظرت إلى بعيد لترى جثماناً على الأرض وأشخاصاً ينحنون عليه. فجرت إليه لتجده غارقاً في دمائه. وأخذت تحضنه وتناديه وتبكى وتندبه وتصرخ صراخ اليأس. ولحق رجال الشرطة بالشابين وقبضوا عليهما وبدأ التحقيق معهما في قسم حلوان.
..........................
لا اعلم لماذا استحضرت تلك المشاهد المصورة بعبارات من سردوها عند سماع منطوق الحكم ربما لأني في اللاشعور حملت القاضي المسئولية كاملة ..ورغم قناعتي أنهم لن يفعلوها أبدا .. ليس لتغيير في توجهاتهم ..وإنما لان أصول اللعبة لم تعد تسمح بها .. فالتاريخ يثبت انه ما من احد يتغير لكن كثيرين غيروا استراتيجياتهم فى السلوك فقط دون التفكير .. فالاستحواذ وإقصاء الآخر هو نوع جديد من الاغتيال يمارس مثلما يمارس البعض وأد الأحياء .. هكذا يغتالون رموز القوى السياسية أحياء حتى لم لو يلقون مصير الخازندار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.