بينما كان جمال عبد الناصر وحكومة الثورة يخوضون معركة حامية من خلال المفاوضات مع الإنجليز بشأن الجلاء.. كانت هناك مفاوضات أخري سرية بين الإخوان والإنجليز.. وقد كشفت عنها الوثائق البريطانية فحددت أن الاجتماعات بين الطرفين بدأت يوم 7 فبراير سنة 1953 بمنزل د.محمد سالم بالمعادي، وهو مستشار قانوني كان يعمل وقتها بشركة النقل والهندسة.. وفي الوقت ذات كان علي علاقة زمالة وصداقة ببعض قيادات الإخوان.. وله بعض النشاط السياسي عن طريق صلاته بعدد من أعضاء الأحزاب.. كما لوحظ عليه التقرب من الإخوان.. ولأنه أيضا كان علي صلة ببعض الشخصيات الإنجليزية الكبيرة التي تعمل في مصر، وكذا بأركان سفارتهم.. فقد كان مهيأ للعمل كهمزة وصل بين الإخوان والإنجليز.. وجاء بالوثائق حرص الإخوان علي محاربة الشيوعية، وحاجة الإسلام إلي أصدقاء.. وأنه لا يوجد بين المسيحيين من يصلح لذلك سوي بريطانيا.. وأن المرشد الهضيبي كان مسروراً لمد جسور الاتصال مع السفارة البريطانية.. كما أبدي الإخوان ارتياحهم لتوقيع اتفاقية السودان، واستعدادهم للارتباط مع بريطانيا بمعاهدة دفاع مشترك.. وليس مع الأمريكان لارتباط مصالحهم مع إسرائيل.. وقد نشر اللواء فؤاد علام في كتابه 'الإخوان.. وأنا' محضر محادثات بين المستر ايفانز المستشار الشرفي بالسفارة ومرشد الإخوان الهضيبي في 24 فبراير 1953.. والذي وصف فيه ايفانز المرشد بأنه في منتصف الخمسينيات من عمره، طيب المظهر ولكنه لا يتمتع بشخصية جذابة، فهو ودود، ولكن شخصيته ليست قوية، ولا يبدو عليه التعصب، ويعيش في شقة بالروضة، يتحدث الإنجليزية، ولكنه لا يتقنها.. وقد همس إلي بأن الشعب البريطاني أقرب الشعوب إلي الإسلام.. ثم انتقل الحديث إلي مسألة الجلاء والدفاع المشترك، كما يورد ايفانز 'كاتب التقرير' تخوف الهضيبي من رفض قطاعات كبيرة من الرأي العام الإسلامي الانضمام إلي منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط.. وضرورة عمل ترتيبات معينة ليظل الشرق الأوسط علي الحياد رسمياً.. وعمل حساب لمواجهة الطوارئ، وقد يتطلب الأمر تقوية الجيوش العربية، وتقديم تسهيلات القواعد، وإبرام اتفاقيات سرية -إذا لزم الأمر- لتنظيم استخدام تلك القواعد.. إلي آخر ما جاء في المحضر ويمكن الرجوع إليه في مصادره.. ومن المثير أن الإخوان كانوا في اجتماعاتهم السرية مع الإنجليز يلعنون أمريكا، ويعلنون عدم ثقتهم فيها جراء رعايتها لإسرائيل.. وبينما كان المفاوضات بينهم وبين الانجليز علي أشدها.. كانت هناك - في ذات الوقت- مفاوضات سرية بينهم وبين الأمريكان، وجاءت الوثائق الأمريكية التي نشرها اللواء فؤاد علام أيضاً، لتفضح الإخوان، وتكشف كذبهم ومراوغاتهم واستعدادهم للتعامل مع الشيطان طالما كان مستعدا لمعاونتهم علي الوصول إلي السلطة. وابتداء من 27 مايو سنة 1953 بدأت التقارير الأمريكية تسجل سعي الإخوان للتعاون مع الأمريكان كان أولها حول المعلومات الهامة التي قدمها لهم 'محمود مخلوف' القيادي الإخواني ونسيب المرشد الهضيبي وابن شقيقته، والتي حدد فيها رغبة الإخوان في تدخل أمريكا لإجراء تسوية مع إسرائيل وأن 'مخلوف' قد تحدث في ذلك مع أصدقاء له بين الجالية اليهودية المصرية وبعض أصدقائه اليهود في لندن.. وأن السيدة يولاندهارمر 'مساعدة موسي شاريت' يمكن أن تساعد في حل سلمي مع إسرائيل.. ثم تحدث عن دعم الإخوان لرغبة محمد نجيب في توقيع معاهدة سرية مع أمريكا رغم تأكدهم من رفض جمال عبد الناصر الكامل لهذه الأمور. وفي 21 يونيو 1953 رفع السفير 'جفرسون كافري' تقريراً لحكومته ضمنه معلومات قدمها لهم 'الهضيبي' في اجتماع سري وكان بصحبته 'سعيد رمضان' زوج ابنة حسن البنا.. وكان مما ورد في التقرير أن اجتماعات الإخوان وأنشطتهم مستمرة بغض النظر عن قرارات الثورة ومحاولات حل الإخوان.. وأن استمرار العسكريين في الحكم أمر غير مرغوبفيه.. وأن كافة مشروعات ووعود الثورة فاشلة.. وبتاريخ 12 يوليو 1953 رفع السفير 'كافري' تقريرا يضم معلومات قدمها الإخوان، وقد تم تصنيفها في ثلاث نقاط أوردها كاملة اللواء فؤاد علام في كتابه السابق الإشارة إليه منها أن الثورة قررت تنظيم حرب فدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة بمساندة الجيش.. وأن هناك مخازن أسلحة أتوماتيكية مستقلة عن الحكومة يمكن الاستيلاء عليها.. وأن الشعب في حالة خوف.. ولا توجد قوة منظمة في الجيش يمكنها القيام بانقلاب عسكري. وفي 27 يوليو 1953 عقد اجتماع استمر 3 ساعات مع الجانب الأمريكي شارك فيه حسن الهضيبي مرشد الإخوان ومحمود مخلوف المشار إليه سابقاً.. وقال الهضيبي فيه إن الإخوان يرغبون في إزاحة بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة من مناصبهم 'مشيراً إلي عبد الناصر دون ذكر اسمه'.. وأنهم بصدد دعوة المعارضة للتنسيق للتعامل بالقوة مع الظروف لإسقاط الحكم العسكري.. وأن الرأي العام لم يعد مؤيداً للثورة ولا يثق فيها أو في الحكم الحالي.. وقال الهضيبي إن الشيوعية في مصر تلقي رواجاً متزايداً في الجامعات وأن الإخوان أخذوا في مجابهة ذلك التيار.. وخلال الاجتماع تم التلميح لضابط برتبة كبيرة خارج مجلس قيادة الثورة يمكنه قيادة انقلاب عسكري.. وعند ما يؤكد الإخوان أنهم أقوياء جداً بين الصفوف المتوسطة للقوات المسلحة.. وأن لهم كوادر متمكنة في سلاح المدفعية.. فربما كان 'الضابط الكبير خارج مجلس القيادة والمرشح لقيادة الانقلاب'، هو رشاد مهنا.. الذي تمت محاكمته علي خلفية التحضير لانقلاب عسكري. ولعله أصبح واضحاً أن الإخوان يلعبون علي كل الحبال.. ولا مانع لديهم من التعامل مع الشيطان.. وقد امتدت علاقاتهم السرية مع الإنجليز.. ثم مع الأمريكان.. وأيضاً مع الصهاينة.. ثم علاقتهم مع السيدة بولاند هارمر سكرتيرة موسي شاريت.. وقد توسع 'علي عبده عشماوي' القيادي الإخواني الذي نشر مذكراته في 'المصور' في إيضاح تلك العلاقات وأكد وجود علاقة بين الإخوان والصهاينة منذ نشأة الإخوان.. ومازلنا مع الهضيبي المرشد الثاني للإخوان.