مقرر الصناعة بالحوار الوطني: صفقة رأس الحكمة انعشت القطاع المصرفي.. والأسعار ستنخفض    موازنة النواب: الأوقاف تحتاج لإدارة اقتصادية.. ثروتها 5 تريليونات وإيراداتها 2 مليار    إسرائيل تسير على خط العزلة.. والاعتراف بدولة فلسطين يلقى قبول العالم    شوفلك حاجة تانية، هل حرض شيكابالا مصطفى شوبير للرحيل عن الأهلي؟    "لا أضمن حسام حسن" نجم الزمالك السابق يتحدث عن أزمة محمد صلاح في المنتخب    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    خمس دول في الناتو: سنرسل لأوكرانيا الدفعة الأولى من القذائف خلال أيام    حزب الله يبث لقطات من استهدافه تجهيزات تجسسية في موقع العباد الإسرائيلي    اليوم.. الحكم علي المتهم بقتل طليقته في الشارع بالفيوم    الكيلاني تهنئ الشيخ سلطان القاسمي بجائزة النيل: نشكره على كل ما قدمه للثقافة المصرية    حسن نصر الله يعلق على مجزرة رفح    الجزائر ستقدم مسودة قرار لمجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على رفح    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    ادخل اعرف نتيجتك..نتائج الشهادة الإعدادية في محافظة البحيرة (الترم الثاني) 2024    ارتفاع أسعار اللحوم في مصر بسبب السودان.. ما العلاقة؟ (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    «مستعد للتدخل».. شيكابالا يتعهد بحل أزمة الشحات والشيبي    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    حسين عيسى: التصور المبدئي لإصلاح الهيئات الاقتصادية سيتم الانتهاء منه في هذا التوقيت    «خبطني بشنطته».. «طالب» يعتدي على زميله بسلاح أبيض والشرطة تضبط المتهم    إصابة 6 أشخاص في حادثي سير بالمنيا    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    إلهام شاهين: "أتمنى نوثق حياتنا الفنية لأن لما نموت محدش هيلم ورانا"    عاجل.. شيكابالا يعلن موعد اعتزاله رسميا    إرشادات للتعامل مع مرضى الصرع خلال تأدية مناسك الحج    نشرة التوك شو| تحريك سعر الخبز المدعم.. وشراكة مصرية عالمية لعلاج الأورام    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    استعدادات مجتمعية وروحانية: قدوم إجازة عيد الأضحى 2024    تعرف على درجات الحرارة المتوقعة على أنحاء البلاد اليوم    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    باختصار.. أهم أخبار العرب والعالم حتى منتصف الليل.. البيت الأبيض: لم نر أى خطة إسرائيلية لتوفير الحماية للمدنيين فى رفح.. النمسا: مبادرة سكاى شيلد تهدف لإنشاء مظلة دفاع جوى أقوى فى أوروبا    شعبة المخابز تكشف حقيقة رفع الدعم عن رغيف الخبز    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    «الأعلى للآثار» يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بعد ترميمه.. صور    حظك اليوم| الاربعاء 29 مايو لمواليد برج الثور    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    طريقة احتساب الدعم الإضافي لحساب المواطن    رئيس اتحاد شباب المصريين: أبناؤنا بالخارج خط الدفاع الأول عن الوطن    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    هل يجوز الجمع بين صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان؟    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    من أفضل 10 فرق.. جامعة الجلالة تصل لتصفيات «الابتكار وريادة الأعمال» إفريقيا (تفاصيل)    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحنة
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 01 - 10 - 2013

هل هناك محنة تفوق إحساس الإنسان بالفقد؟ لا أظن.. فما بالك إذا كان هذا الفقد لأعز ما لديك في الحياة.. إلي أمك.. التي أخرجتك إلي الدنيا طفلاً.. رضيعًا.. ثم راعتك.. وربتك حتي صرت شابًا.. تسايرتما في الحياة فصرتما أصدقاء.. وأحباء.. وأعزاء.. لا يفرق بينكما سوي الموت.. نعم إذا كان الموت حقًا.. فإن الحب هو أحق الحق تجاه أمي.. وأمهاتكم جميعًا.
يا لها من أم.. إنها الأم المصرية.. البسيطة.. المثابرة.. المعطاءة.. العطوف.. الحنون.. المضحية.. روح البهجة.. ورحيق الحياة المصفي، هل أحدثكم عن أمي؟ أتصور أن حديثي عنها لا يمكن أن يكون مجروحًا، لأنني وأنا أتحدث عنها أقترب بالحديث عن أمك أنتَ، وأنتِ، وأنتما، وأنتم.. إن ملامح أمي بقدر ما هي خاصة فهي عامة.. أتذكر وصف صديقتي 'نجاة' اللبنانية لها عندما كانت تناديها 'بوش القمر'.. أمي هي الأم المصرية التي جاءت في زمن الريادة.. وزمن انتفاضات المرأة المصرية بين ثورتين: ثورة 19، وثورة 23 يوليو.. روحها تشكلت بالحريات في '19'.. أما عقلها ووجدانها فتمسك بعدالة يوليو وحنوها علي الفقراء.. وقد تصالحت مع الدنيا بأولادها السبعة.. بعد أن هجرت التعليم وتوقفت عند الشهادة المتوسطة.. نعم تصالحت وتصارحت مع الدنيا علي أن أولادها هم الحياة.. وأن تكون لهم أمًا وأمًا بالبنط العريض، لكنه القدر يا عزيزي.. فقدت اثنين من أولادها وهما لايزالون 'رضع'.. فعكفت علي الخمسة الباقين تضاعف الحنان والرعاية.. وفي معركة العزة والكرامة 6 أكتوبر 1973 فقدت ابنها البكري الضابط الشاب.. انكسر القلب علي شهيدها لكن الرضا بقضاء الله كان البلسم الذي به تابعت السير في الحياة.. نعم إن إيمانها العميق وتقواها، وعشقها لهذا الوطن وترابه.. كانوا بمثابة قوي الدفع للمتاجرة والعطاء.. ورغم ذلك في محنة 'الانفتاح' تفقد أصغر أولادها الذي ضاع ضحية الفساد الاجتماعي العام والإهمال البين في تكوين البشر ورعاية صحتهم.
استرجعت هذا الشريط الغائر في نفسي.. طفر فجأة.. كأنني غريق أمسك بالرمق الأخير من الحياة.. تجسد أمام عيني خلال ثوان معدودات، وأنا أستقل السيارة التي تذهب بي لإلقاء النظرة الأخيرة علي أمي.. المسافة طويلة وملتوية.. والقلب يدق الطبول الافريقية الصاخبة.. والعين تتفجر فيها شلالات من المياه، لا أعرف من أين تأتي أو إلي أين تذهب.. كل ما استشعر به الملح والحرارة التي تزداد وتخنق، وفجأة سمعت صوت داخل السيارة وكأنها تصرخ بالصوت 'الحياني' هل تشاركني المأساة وتنوب عني في التعبير؟! أبصرت سيارة ضخمة بل عملاقة تسد الأفق أمام تلك السيارة الضئيلة التي تقلني وعندما دققت النظر في الصندوق العملاق الذي يشكل جسد السيارة، قرأت أسفل الصندوق عبارة تقول 'خلص الكلام'.. أفزعتني الرسالة الصامتة.. أو هتاف الصامتين كما يقولون.. حقًا إن الموت يعني فيما يعني الصمت انتهاء الكلام وتلاشيه.. فهل 'خلص الكلام بالنسبة لك.. أم أنه ابتدأ؟!
كنت يا أمي حكاءه من الطراز الفريد.. إنها ملكة وهبها الله لك.. فأتقنتها أحسنت الأداء فيها.. ولا ينافسك فيها سوي شهرزاد في صراعها مع شهريار 'الديكتاتور' حتي تنزع حريتها.. فهل كنت تلعبين الدور نفسه، دون أن يدري بك المحيطون.. دون جلبة أو زعيق.. وفي نعومة بالغة.. نعومة الحكماء.
إن الحكي بالنسبة لك كان الحرية، الانطلاق، التواجد، والفاعلية، وكان الخيال المجنح المشوار الموازي للحياة.. كيّ يعينك علي الكدح وعلي العناء ربما كان الحياة التي تتمني أن تعيشيها في رفاهية ودون قيود، أو محاذير.. كنت بالحكي تصنعين الحلم الجميل لأولادك رغم العقبات والصعاب التي يضعونها تحت أقدام الأمهات.. في الوقت الذي نردد فيه أقوالاً مأثورة، في مقدمتها 'الجنة تحت أقدام الأمهات!!'.
وبينما السيارة التي تقلني تعلو وتهبط، تترنح علي الطريق، وكأنها 'سرياية' تصارع أمواج الشارع العاتية.. في ذاك الطريق الدائري والسريع الذي يربط أطراف الإسكندرية، ومنطقة العجمي تحديدًا، والتي أنطلق منها صوب كورنيش الإسكندرية وقلبها.. ومستشفي 'مصطفي كامل' العسكري.. حيث ترقد أمي.
هل حقيقة سأري زمي غير قادرة علي الكلام، ولا علي الحركة.. كيف.. وهي 'دينامو' متحرك، فرغم الجراحة الكبري التي خاضتها، وكمية الأمراض التي تعايشت معها منذ استشهاد ابنها في '73'.. من اعتلال في القلب، وارتفاع في الضغط والسكر.. فإن رغبة الحياة لديها تفوق ما عداها من أمراض بل تتحدي المعوقات.. إن لديها إصرارًا علي أن تغرد بيننا أنا وشقيقتي وشقيقي لتبثنا لحن الحياة.. نحن الثلاثة صرنا لا نري الحياة دون أن نسمع كلمة 'صباح الخير' حتي لو جاءت عبر أسلاك التليفون.. لكنها تجسد لنا روح الرضا والبشاشة والوصية الخالدة أن نحب بعضنا بعضًا.. وأن نكون يدًا واحدة.. من الذي سيقول هذا الكلام الملحن.. أن نتعاون علي البر والتقوي، لا علي الإثم والعدوان.. ومن منا ستقبله من سواك.. وكيف كنت تقولين بروح مرحة لا تخلو من جدية و'قرص آذان'.
من شرفة الحجرة في المستشفي كنت أقص عليك ما أشاهده من حركات شغب عارمة يكتسي بها وجه الكورنيش.. وكان قولك المأثور.. ربنا يهدي.. يهدي من يا أمي والشاب الذي سكن بجوارك في غرفة الانعاش.. روي لي كيف جاءته رصاصة طائشة اخترقت أمعاءه.. رغم أنه لا يعرف شيئًا في السياسة وليست له علاقة بأي حزب ولا جبهة الإنقاذ؟! كيف لهذا الحزب الإخواني الذي يتاجر بالدين أن يشيع الرعب بين الناس بالجماعة ولأجل الجماعة ليس إلا.. وما ذنب هذا الشاب الذي فقد مستقبله كما يتصور ويؤمن.. بعد أن تبدد حلمه في الالتحاق بكلية الشرطة.. فرغم كونه حصل علي مجموع كبير يمكنه من الالتحاق.. إلا أن الشرط الأساسي لا يتوفر بعد أن أصابته تلك الرصاصة في أمعائه.
فصار 'شُرك' أي غير لائق جسمانيًا!! ما ذنبه؟ وما الذي ممكن أن يفعله حيال تلك الجماعة، وحيال الوطن.. بعد أن أطاحت بالحلم رصاصة طائشة؟!
إن ضحايا الشغب الإخواني أو فلنقل الرعب الإخواني كثر، وحظر التجول قد فرض.. بعد فض معسكر 'رابعة' و'النهضة'.. والشوارع تندلع فيها حرائق تستهدف مواطنين أبرياء.. هكذا كنت ترينه في التليفزيون المعلق في حجرتك الصغيرة في المستشفي.. لكنك أبدًا لم تشعري بخوف من تلك الأحداث ولا بهذا الشغب عندما وصل إلي أسوار المستشفي، وكاد بعض من هؤلاء المتأسلمين أو المتهوجسين أن يقتحموا إحدي بوابات المستشفي لولا يقظة الضباط وعلي رأسهم مدير المستشفي ذاته.. رغم ذلك لم تفارض شفاهك سوي الدوعي الهدايا.. والهدايا للجميع ليختاروا الطريق الأسلم والأصوب حتي تعود المياه لمجاريها كما كنت تحبين.
هل حقًا خلص الكلام 'يا أمي.. كيف وأنا لدي كلام كثير أود أن أقوله لك.. فكلانا كان يخبئ أحلامه في جوفه.. هكذا أجبرتنا الظروف فكم من المرات كنت تودين الاطلاق والذهاب إلي شاطئ.. هل تذكرين.. لقد ذهبت إلي الشاطئ قبل ذهابك للمستشفي بيوم واحد يا ليتك لم تذهبي.. هل كان ذهابك هو نوع من توديع الحياة دون أن أدري وأشعر، فقد سألتني شقيقتي 'نحن نجلس ثلاثتنا علي الشاطئ.. وأقدامنا تلامس مياه البحر.. فيما تفكرين؟ قلت لها لا شيء.. لكن الحقيقة أنني تذكرت ذهاب أبي.. وكيف فارقنا في يوم عنيف ومفزع.. يوم موقعة الجمل في 2 فبراير 2011.. وها أنت يا أمي تفارقينا في 1 سبتمبر 2012 ومصر كلها تعاني حريقًا كبيرًا يحاول الإمساك بذيل ثيابها الفضفاضة من سيناء إلي ضفتي النيل.. فهل هو قدر عليّ أن أفقد كما بعد ثورتين.. وحرائق شتي لا يعلم سوي الله مدي تتوقف، ويعود الوئام واللحمة للشعب المصري الذي كان يتباهي وسط الأمم بعزوفه عن العنف، وجنوحه إلي السلم والسلام الاجتماعي.
نعم إن محنتي مضاعفة أن أفقدكما وأفتقد معكما ما يفتقده جُل الشعب المصري الآن في حوار يلم الشمل.. حوار ننتبه فيه جميعًا إلي قيمة الحب والعطاء، والحرية، والعدل، وعدم الإقصاء أو الاستقواء. كما تجلي في حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة. ألم أقل لك يا أمي كم أفتقدك كما يفتقد ملايين المصريين.. أمهم السكري.. والجدة الأولي 'إيزيس' التي عكفت علي لملمة أشلاء الزوج المحب 'أوزريس' لتبعث روح حورس مدافعًا عن العدل والخير والحب وهو يتحصن قوي الشر.
أمي لن أقول وداعًا.. ولكن سأقول إلي لقاء، يتجمع فيه المصريون جميعهم.. في صحن الدار علي قيمتك وقيمة كل الأمهات المصريات اللائي آمن بالوطن والعطاء والحرية والعدل.. فنحن لم نعد نحتاج إلي ألف ليلة وليلة بقدر ما نحتاج إلي قلب ألف أم وأم من نوعيتك وفصيلتك، حتي تسطع الحكمة من جديد في حياتنا بعد أن تضاءلت وربما اختفت علي أظافر ومخالب تلك الفئات الضالة التي تستقوي بالخارج.. وتشيع فينا ذعرًا وانقسامًا.. وفاتهم يا أمي أن إيمانك الحقيقي هو الباقي.. هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.