بدء ترشيد الدعم علي المواد البترولية، وصرف اسطوانة بوتاجاز واحدة لكل بطاقة تموينية بالسعر المدعم، مع توفير ما يزيد بسعر يصل إلي سعر التكلفة، كان له رد فعل سريع من بعض الشركات، يتلخص في ان هذا الترشيد سيكون خرابا عليها!! مما دعا المسئولين في قطاع الاعمال لعقد اجتماع لاحتواء هذه الاثار، ولم يخبرنا احد بالاثار التي ستترتب علي باقي القطاعات!. كذلك تحديد اسطوانة بوتاجاز واحدة لكل اسرة قد لا تكفي!! وطلب بعض النواب توفير 03 مليار جنيه من الدعم لتوجيهها إلي التعليم والبحث العلمي والصحة!! في ظل المرتبات المتواضعة للغالبية العظمي من الشعب مع الارتفاع المتواصل في تكاليف المعيشة!! يأتي هذا في اطار اعلان الحكومة المتكرر بالتزامها بقضية الدعم لتحقيق العدالة الاجتماعية وربما يكون الاعلان رقم الف لحكومة الدكتور نظيف.. كما اننا لا نستطيع ان نحصي عدد المرات التي تمت فيها مناقشة السبل الامثل لوصول الدعم لمستحقيه، ولكن المرة الاولي التي اعلنت فيها الحكومة طرح القضية لنقاش مجتمعي موسع التزاما بتوجيه الرئيس مبارك الذي اعلنه في خطابه امام مجلسي الشعب والشوري منذ حوالي ثلاثة اعوام. لكن الحكومة لم تلتزم بهذا التوجيه وخرجت علينا بالافكار أو بالاصح القرارات عاليه، مثلما فعلت في قضية حل مشاكل القاهرة عندما اعلنت عن طرحها لنقاش شعبي موسع، ثم خرجت بقرار جاهز لانشاء عاصمة جديدة لمصر رفضها الرئيس مبارك مؤكدا علي ان الاولوية الان هي لتحقيق العدالة الاجتماعية، وقضية الدعم هي في صميم العدالة الاجتماعية، وعلي هذا الاساس فان تعديل نظام الدعم كان يحتاج إلي نقاش مجتمعي موسع يؤخذ فيه رأي الخبراء ورأي المستفيدين من الدعم وتستطيع الحكومة ان تقوم بذلك ان ارادت من خلال استفتاء بين عينات من المستفيدين من الدعم. هناك العديد من السلبيات التي يعاني منها نظام الدعم وتؤدي إلي وصوله إلي غير مستحقيه وأبرزها دعم رغيف الخبز الذي تجاوز 11 مليار جنيه بكثير يذهب معظمها إلي جيوب تجار الدقيق ويضيع الباقي في رداءة الرغيف. وبعده مباشرة يأتي دعم الوقود الذي يدور حوله الكثير من الجدل باعتباره يذهب إلي الاغنياء وسواء في بعض الصناعات أو في السيارات التي يعتبر البعض ان ملاكها أغنياء وهذه قضية تحتاج إلي نقاش واسع لتحديد المستحق للدعم من هذه الفئات، لان هناك العديد من محدودي الدخل يقتطعون من قوتهم لامتلاك سيارة صغيرة تحميهم من التردي الذي وصلت اليه المواصلات العامة. وهذه النقطة بالذات تنبهنا إلي ان الدعم ليس قضية مستقلة بذاتها ولا يمكن ان يتم توجيهه الصحيح بمجرد حصر الفئات المستحقة له وتوزيعه عليها وانما يرتبط باصلاحات عديدة في قطاعات مختلفة، فمثلا رفع سعر الوقود لابد ان يرتبط باصلاح اوضاع وسائل النقل العام، وعندما يجد المواطن وسيلة مريحة لنقله إلي عمله ستتخلي فئات عريضة من الطبقة المتوسطة عن استعمالها السيارات الخاصة كما نري في الدول المتقدمة وبهذا نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد قللنا الزحام الخانق في الشوارع، واخرجنا فئة من الاحتياج إلي الوقود. وعندما يجد المواطن تعليما كافيا لابنائه في المدارس ويتحرر من عبء الدروس الخصوصية يستطيع توجيه ميزانيتها الي بند آخر من بنود مصروفاته. نفس الكلام يمكن ان نقوله علي دعم رغيف الخبز فلا يمكن الحفاظ علي هذا الدعم بدون النهوض بقطاع صناعة الاعلاف، وبدون ان يكون سعر كيلو العلف اقل من سعر الدقيق المدعم بهذه الطريقة نضمن ألا يستخدم الرغيف في تغذية الحيوانات والدواجن. وفي قطاع الصحة لا يمكن الحديث عن ترشيد الاستهلاك ولترشيد الدعم بدون نشر مظلة تأمينية واحدة لكل المصريين في هيئة واحدة تستخدم امكانيات الوزارة مع امكانيات مستشفيات التأمين ولابد من دراسة اثار التوازي بين انظمة العلاج المختلفة في تدهور الخدمة الصحية، فلدينا الان العلاج كامل المجانية، والعلاج الاقتصادي والتأمين الصحي ناهيك عن مستشفيات القطاع الخاص، واذا استثنينا هذا الاخير فان الانظمة الاخري بوجودها معه تهدر الكثير من العلاج والكثير من وقت الاطباء حيث يمكن للمريض الاستفادة من الانظمة الثلاثة والتردد عليها في حين يحرم مريض آخر من فرصته، اما العلاج علي نفقة الدولة بالرغم من حسناته، فان سوءاته وانحرافاته قد غطت علي حسناته التي ينبغي ان تبقي وتستمر لكل من يستحق. هي قضية شائكة تستحق الكثير من النقاش كان يجب ان يبدأ من صعوبات الواقع الحالي وينطلق إلي افاق الحل مع دراسة كل الخيارات بما فيها الخيار النقدي الذي يجب ان يقتل بحثا قبل اختياره لمعرفةالممكن واستخداماته. فما اعلن حتي الان من خيارات بينها البطاقة »الممغنطة« يثير الاسئلة عن الاستخدامات الممكنة لمبلغ الدعم هل هي للسلع الغذائية فقط؟ هل تشمل العلاج؟ وما المبلغ الذي يحقق هذا التوازن؟ وما الفئات التي ستستخدم الكارت »الممغنط«؟ وما مدي توافر امكانية استخدامه في اقاليم مصر المختلفة؟ هذه كلها اسئلة يجب ان يشارك المجتمع بكل قواه في مناقشتها، وان تستمع الحكومة إلي هذه المناقشات قبل ان تتخذ القرار. الرئيس مبارك بصراحة تامة وبنظرة ثاقبة للامور اكد ان هذه القضية لا يمكن ان تكون صالحة علي الورق، ولكن لابد في كل الاحوال من مراعاة مستويات معيشة السواد الاعظم من الشعب مؤكدا ايضا خلال حواره مع اعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي بعد التجديد النصفي لمجلس الشوري علي ضرورة ان يجري تنفيذ هذه الاصلاحات بالتدرج والحكمة، وبما لا يؤثر علي البسطاء، فالدولة حريصة علي دعم التعليم والبحث العلمي والعلاج وحل مشكلات المزارعين فهل وصلت هذه الرسائل إلي الحكومة الذكية؟ الدعم مشكلة لن تحميه البطاقات الذكية والتي تفيد في معالجة المشاكل المتشابكة دفعة واحدة، ولكن الذي يفيد هي السياسات الذكية المصاحبة للدعم وهذه هي الطريقة الوحيدة لاغلاق مسارب الدعم وملياراته المهدرة.