يبدو أننا نعود سريعا الي الوضع الذي كان سائدا قبل ثورة يناير. حيث كانت السلطة تعمل بشعار يؤكد علي ان تقول أنت أو غيرك ما تريد، ثم تفعل السلطة ما تريد!! بعد الثورة كان المفروض أن يتغير الوضع. لكن هذا لم يحدث، لأن الحقيقة تقول ان الثورة لم تحكم، وان الحكم لم تتغير قواعده، وان تغيرت اسماء اللاعبين، والمدرب، ومراقب المباراة!! قال كل فقهاء الدستور ان علينا ان نضع الدستور أولا، ثم نجري الانتخابات، ونختار البرلمان والرئيس والحكومة. لكن السلطة رأت أن تمشي بالمقلوب.. وكان ما كان من أوضاع سنظل ندفع ثمنها لسنوات!! وطالبت كل القوي السياسية بنظام واضح وبسيط للانتخابات البرلمانية، ثم بعد ذلك بان تكون المقاعد الفردية للمستقلين فقط. وكان القرار هو هذا النظام المعقد، وسلب مقاعد المستقلين لمصلحة القوي التي تملك المال والتنظيم، ليصبح مصير البرلمان في مهب الريح بعد احالة الموضوع للمحكمة الدستورية للنظر في بطلان الانتخابات! والآن.. تتجمع كل الاخطاء في تشكيل لجنة الدستور. فلم يحدث أبدا ان كان تشكيل لجنة لوضع الدستور من اختصاص البرلمان، فما بالك اذا كان هذا البرلمان معرضا للحكم ببطلانه!!.. الدساتير في العالم كله تضعها جمعية تأسيسية منتخبة أو معينة »كل الدساتير المصرية السابقة وضعتها لجان معينة« والقاعدة الاساسية هنا ان الدستور هو الذي ينشئ البرلمان ويضع أسس كل سلطات الدولة وليس العكس. ما يحدث الان هو ان البرلمان ينتخب نفسه لكي يشكل اللجنة التي تضع الدستور الذي يفترض فيه ان يحدد اختصاصات البرلمان(!!) وان يفصل في قضايا مهمة تتعلق بتشكيله مثل قضية تخصيص نصف مقاعد البرلمان للعمال والفلاحين، ومثل مستقبل مجلس الشوري وهل يبقي ام يتم الغاؤه ام تتوسع اختصاصاته؟ ومثل سلطات البرلمان في اقالة الحكومة وسلطة رئيس الجمهورية في حل البرلمان!! كانت هناك مطالب بان يتم اختيار لجنة الدستور من خارج البرلمان، حتي اذا كان الاعلان الدستوري قد منح البرلمان سلطة اختيار اعضائها. وكانت هناك مطالب اخري بان يكون تمثيل البرلمان »ان وجد« تمثيلا رمزيا لتحقيق التواصل بين الطرفين. لكن ما حدث ان البرلمان »استحوذ« علي نصف مقاعد اللجنة، وسيختار الباقين من خارجه. لتتحول العملية الي فرض لوجهة نظر الاغلبية البرلمانية في وضع الدستور الذي ينبغي ان يشارك فيه الجميع علي قدم المساواة، ويضعوا قواعده بالتوافق وليس بالاغلبية. لا اعرف كيف سنخرج من هذا المأزق، ولكن اعرف اننا نسير نحو الازمة باسرع مما يتصور الكثيرون!!