«سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    إيران: تحديد يوم 28 يونيو المقبل موعدا لانتخاب رئيس جديد للبلاد    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال الإسرائيلى على عدة مناطق بقطاع غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    حسين لبيب: زيزو سيجدد عقده.. وصبحى وعواد مستمران مع الزمالك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدى مقلقة ويجرى أشعة غدا وشيكابالا يحتاج أسبوعين    منتخب مصر يكتسح بوروندى ويتأهل لدور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله "فيديو"    الأرصاد: الموجة الحارة مستمرة حتى الخميس    الداخلية: ضبط سائق بمنظومة نقل خاصة تحرش ب"عميلة"    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    وزير الصحة لا مساس بحقوق العاملين بالمنشآت الصحية في ظل القانون الجديد    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    حلو الكلام.. دموع على ضريح القلب    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    مصدر ليلا كورة: اتجاه في الأهلي لتجديد عقد علي معلول    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    كيفية الاستفادة من شات جي بي تي في الحياة اليومية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    خريطة تلاوات إذاعة القرآن الكريم اليوم الثلاثاء    أحمد حلمي لمنتقدي منى زكي بسبب السيرة الذاتية ل أم كلثوم: اظهر وبان يا قمر    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    نشأت الديهي: قرار الجنائية الدولية بالقبض على نتنياهو سابقة تاريخية    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    خفض الفائدة.. خبير اقتصادي يكشف توقعاته لاجتماع البنك المركزي    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    بعد تعاقده على «الإسترليني».. نشاط مكثف للفنان محمد هنيدي في السينما    أفلام صيف 2024..عرض خاص لأبطال بنقدر ظروفك الليلة    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    حقيقة ما تم تداوله على "الفيس بوك" بتعدي شخص على آخر وسرقة هاتفه المحمول بالقاهرة    جهاز تنمية القاهرة الجديدة يؤكد متابعة منظومة النقل الداخلي للحد من التكدس    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدون تردد
مياه النيل.. ودول الحوض
نشر في الأخبار يوم 28 - 05 - 2010


المسألة جد،..، ولا مجال للهزل فيها.
ولأنها جد، فمن غير المقبول ان تتحول إلي غير ذلك، أو ان تخضع للحالة المزاجية للبشر، ويتم تناولها بالانفعال تارة، أو بالاهمال تارة أخري،..، ولا يصح ان تترك كي ينفخ فيها البعض، ويضخم منها، ويحولها الي كابوس يقض به مضاجع أهل مصر، ويمنع النوم عن عيونهم، ويصورها علي انها الجني أو العفريت الذي خرج من القمقم بين ليلة وضحاها، مهددا بالويل والثبور وعظائم الامور.
ولأنها جد فمن غير المعقول ان يتناولها البعض الآخر بخفة، أو تبسيط، وكأنها لا تستحق اهتمامنا، ولا تستوجب الانشغال بها، أو الالتفات إليها، والوقوف عندها.
لا التهويل مطلوب،..، ولا التهوين مقبول.
نتحدث عن قضية مياه النيل، وسريان النهر، وخط سيره، ومساره ابتداء من منبعه في عمق القارة الافريقية، حيث البحيرات العظمي، ومن شرق القارة السمراء حيث الهضبة الاثيوبية، وصولا الي مصبه علي الضفاف الشمالية لمصر، علي البحر المتوسط، قادما وعابرا ومارا في قلب دول الحوض التسع.
خلاصة القول ان قضية مياه النيل بالنسبة لمصر، هي قضية حياة، ونمو، وحضارة، وتاريخ، ومستقبل،...، هي قضية الأمس، واليوم، والغد، بالنسبة لمصر الدولة والشعب،..، قضية ليس فيها نقض ولا ابرام، فهي من بدايتها وحتي منتهاها قضية أمن قومي مصري، لا يستطيع احد ان يتغافل عنها، أو يفرط فيها، ولا يستطيع احد ابتداء من الغفير وحتي الوزير، إلا ان يأخذها مأخذ الجد الكامل وغير المنقوص.
ولأنها قضية جادة، ولأنها قضية تتصل اتصالا وثيقا بالأمن القومي المصري، أي أمن وحياة كل مواطن مصري، وتنمية، ورخاء، وحياة للشعب والمواطن، فالتعامل معها لابد ان يخرج من نطاق الانفعال غير المحسوب، أو المنفلت والخارج عن نطاق السيطرة، الي نطاق التحكم الواعي والمحسوب، برجاحة العقل وعمق الحكمة، وسعة الصدر.
علي ان يكون ذلك كله في اطار الادراك الواعي بجميع المتغيرات، والإلمام الكافي بكل التطورات، والمتابعة الدقيقة والعميقة لحقيقة الصورة ، وطبيعة الاوضاع علي أرض الواقع في دول حوض النيل، وما طرأ علي الساحة من متغيرات فرضت نفسها علي الجميع ولابد ان ينظر اليها بعين الاعتبار، في أي حساب أو تقييم لفعل، أو رد فعل.
وفي هذا الاطار من وضوح الرؤية، ونفاذ البصيرة، يصبح التبسيط غير مقبول، والتصعيد غير مطلوب، واحسب اننا لا نملك رفاهية الركون الي الدعة والادعاء بأن كل شيء هاديء في مسار نهر النيل، وان المياه قادمة، قادمة، لا أحد يستطيع ردها، أو صدها، وانها آتية لا ريب فيها، وان حصة مصر من نبع الحياة لن تمس، ولن تنقص.
وفي هذا الاطار أيضا أحسب في ذات الوقت أن البديل عن ذلك ليس أبدا تلك الحملة التصعيدية التي تبناها البعض، وليست علي الاطلاق تلك التهديدات النزقة التي انزلق اليها البعض الآخر، دون تبصر، أو تمهل، فراح يدعو إلي رد فعل عنيف، ومواجهة خشنة.

نقول بوضوح، ان لا هذا مقبول، ولا ذاك مطلوب،...، ونقول في ذات الوقت، ودون مبالغة، أن المقبول والمطلوب هو تلك اللهجة العاقلة، وذلك التوجه الحكيم الذي ظهر واضحا جليا من خلال تعامل رأس الدولة في مصر مع هذه القضية، وتوجيهاته الحازمة لجميع المتصلين بها من مؤسسات الدولة وهيئاتها، وهو ما انعكس بصورة واضحة علي اسلوب التعامل مع الأزمة ومتعلقاتها خلال الأيام القليلة الماضية، وما شهدته مصر من اتصالات مكثفة مع قادة دول حوض النيل، وزيارات لبعض هؤلاء القادة.
وفي هذا السياق، واذا ما اخذنا بالتصريحات الأخيرة المعلنة لقادة ورؤساء دول حوض النيل السبع التي تشارك مصر والسودان في مجموعة دول حوض النيل، لوجدنا ما يمكن ان نطلق عليه توافقا عاما فيما بينهم علي ان احدا منهم لا يهدف للمساس بأي صورة من الصور بأمن مصر المائي،..، وأن الاتفاقية الاطارية التي تم التوقيع عليها في العاصمة الاوغندية »عنتيبي« من جانب خمس دول من السبع حتي الآن، لا تمثل خطوة عدائية ضد مصر، أو السودان، وانه لا توجد أي نية أو توجه لدي هذه الدول للاضرار بأي شكل من الاشكال بمصالح مصر المائية.
هذه التصريحات تبعث علي الاطمئنان دون شك، خاصة اذا ما اضفنا اليها ما أكده كل من الرئيس جوزيف كابيلا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورئيس الوزراء الكيني دايلا أودينجا، خلال زيارة كل منهما الي مصر منذ أيام قلائل، وهي الزيارة التي أتت في توقيت مهم حيث تزامنت مع ذروة الاحداث والوقائع المتعلقة بقضية مياه النيل، والاختلاف المعلن حول صياغة بعض البنود في الاتفاقية الاطارية، وما ترتب عليها من تداعيات.
وقد يكون من المهم ان نشير الي ان هذه التصريحات وما تركته من دلالات ومؤشرات ايجابية، قد اثرت بقدر كبير في التخفيف بصورة ملموسة، من حدة الانفعال التي اجتاحت الكثيرين من المتابعين للموقف وتطوراته المتسارعة، وانها ساهمت في التهدئة بشكل واضح، من سخونة ردود الفعل، الغاضبة والمتوترة، التي ظهرت في التناول الاعلامي للمشكلة، سواء بالخبر، أو الرأي أو التحليل، وهو ما أدي الي توقف موجة الجنوح، التي كانت قد سيطرت علي البعض، وانزلقت بهم للدعوة لأفعال خشنة، ومواقف واجراءات بالغة الحدة.
وقد زاد من التأثير الايجابي الي حد كبير، ما أكده الرئيس الكونغولي خلال مباحثاته مع الرئيس مبارك، عن اقتناع بلاده التام، بأن أي اتفاق بين دول حوض النيل، لابد ان يتم بتوافق الآراء، ولابد ان يحقق المصالح المتبادلة لجميع دول الحوض بما فيها دول المنبع، ودول المصب، وفقا لمبدأ لا ضرر ولا ضرار.

وفي هذه النقطة بالذات، لابد ان نؤكد علي حقيقة واضحة كل الوضوح، وهي انه رغم الثقة الكبيرة التي يجب ان تتوافر لدينا في تصريحات رئيس جمهورية الكونغو، ورئيس الوزراء الكيني، وما تبعثه هذه التصريحات من تطمينات، الا انها لم تكن، هي العامل الحاسم في ازالة حالة التوتر، وسخونة الانفعال لدي جميع المصريين المتابعين للموقف وتطوراته التي بدت متسارعة، وظهرت وكأنها تفجرت فجأة دون مقدمات معلومة للكثيرين، ودون تحسب من الكافة.
ولا مبالغة في القول بأن العامل الحاسم والمؤثر في ذلك، يرجع في الاساس الي التناول الهاديء والحكيم الذي تعاملت به الدولة المصرية مع هذه القضية، خاصة علي مستوي رأس الدولة، وقمة اتخاذ القرار فيها، وأقصد هنا مؤسسة الرئاسة بالتحديد،...، فقد كان واضحا ومنذ لحظة التفجر المعلن للمشكلة، ان هناك توجها مؤكدا بالتعامل الموضوعي والجاد معها، ووضعها في اطارها الصحيح، بكل ما يعنيه ذلك من الاهتمام الكامل بكل ما يتصل بها، وما ينتج عنها، من تطورات، وتداعيات علي مدار الساعة.
وكان مؤكدا دون لبس أو ابهام، ان هناك تعليمات واضحة لكل المؤسسات والاجهزة في الدولة، المخولة بالتعامل مع هذه القضية، بأن يتم ذلك التعامل بكل الدقة والحزم في الحفاظ علي مصالح مصر وضمان عدم المساس بأمنها المائي، باعتبار ذلك قضية أمن قومي مصري، لا تحتمل أي اهمال أو تهاون.
أما النصيحة المعلنة والموجهة ولجميع الاعلاميين، سواء في الصحف أو وكالات الأنباء، أو الفضائيات علي جميع ألوانها وتعدد مسمياتها فكانت محددة ومختصرة في كلمتين لا ثالث لهما »رجاء لا تهويل.. ولا تهوين« والرجاء واضح وهو البعد عن الاثارة، والتضخيم، بما يبعث علي اثارة الفزع لدي المواطنين وتصوير الأمر علي ان مياه النيل سوف تنضب عن مصر غدا،...، فهذا غير حقيقي، كما انه غير حكيم.
وكان الرجاء في ذات الوقت واضحا في ضرورة الابتعاد تماما عن التهوين من الأمر، أو تسطيح المشكلة، أو الايحاء بأنها غير مهمة، ودون تأثير، والدعوة لعدم الانشغال بها، وعدم وضعها موضع الاعتبار،...، فهذا أيضا مخالف للحقيقة، كما انه يجافي الواقع.
وقد كان ذلك التعامل الهاديء والحكيم والحازم في نفس الوقت، مع القضية، دافعا مؤثرا وكبيرا في عودة النهج المتزن والموضوعي للتعامل الاعلامي معها بعد هدوء حدة الانفعال وسكون موجات الغضب.

وفي هذا الاطار يحسب بالايجاب أيضا حرص مصر علي تجنب الدخول في محاولات الاستفزاز الواضحة، التي صدرت عن بعض المسئولين في بعض دول حوض النيل، والتي حاولت جر مصر الي مساجلات كلامية، حول مياه النيل، وتصوير الأمر علي ان هناك معركة مشتعلة، أو حرب تصريحات ساخنة، وان مصر تحاول الحصول علي ما لا يحق لها الحصول عليه،...، وهو تصور غير حقيقي بالمرة، ولا يمت للواقع بصلة.
وفي ذلك كان النهج المصري علي قدر المسئولية تماما، وكانت الرسالة الصادرة من مصر، ومن قمة المسئولية السياسية فيها، واضحة ومحددة لا تحتمل اللبس ولا تترك أدني فرصة للفهم الخاطيء،...، عندما أكد الرئيس مبارك خلال رسائله الي قادة دول الحوض، وخلال مباحثاته مع رئيس الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا، وأيضا خلال استقباله لرئيس الوزراء الكيني دايلا أودينجا، »بأن ما يجمع دول الحوض بالقطع أكثر كثيرا مما يمكن ان يفرقهم«، وان التعاون بين كل دول حوض النيل سواء في المنبع أو المصب هو الذي يجب العمل علي دعمه وتفعيله في جميع المجالات لصالح التنمية في هذه الدول، ولصالح كل الشعوب، وان مصر تسعي دائما لزيادة وتوسعة مجالات التعاون مع شقيقاتها دول الحوض وتزويدها بالخبرة اللازمة علي جميع المستويات، وان العلاقات الطيبة، والجيدة، والحوار المستمر كفيل بتجاوز أي خلافات والوصول الي اتفاق يحقق مصالح دول النيل وشعوبها.
وهكذا كانت رسالة مصر واضحة، وعلي قدر كبير من الحكمة والموضوعية، وفي اطار حرصها الدائم علي علاقات التعاون المشترك، والاخوة التاريخية، والروابط العميقة مع دول وشعوب حوض النيل، والسعي لتحقيق المصالح المشتركة للجميع، دون تفريط في الحقوق الثابتة والمقررة.

والمتابعة الدقيقة لما جري خلال الأيام القليلة الماضية تقول،..، ان هناك بعض اللبس، وعدم الفهم، قد اصاب الكثيرين نتيجة الانفجار المفاجيء للمشكلة،..، وبروز الخلافات علي سطح مياه النيل الجارية في سريان هاديء منذ آلاف السنين، نتيجة الضجة والاثارة التي تناولت بها بعض وسائل الاعلام، سواء المقروءة أو المرئية لهذه القضية، وما سمعناه ورأيناه، وقرأناه من أخبار، وموضوعات، وتحليلات، وآراء، بعضها يناقض البعض الآخر، وبعضها يؤكد ان الخطر يدق علي الأبواب، والبعض الآخر يقول بوجود مؤامرة، ويطالب بالتصدي، بينما يؤكد آخرون أن كل الأمور هادئة، وكل شيء تحت السيطرة،...، وهو ما أدي الي اللبس وتسبب في الحيرة وعدم الفهم.
وللحقيقة، لقد كان ذلك طبيعيا ونتيجة منطقية لتعدد الاجتهادات، واختلاف الآراء، وأيضا اختلاف التوجهات، وهو ما ولد لدي المواطنين العاديين ذلك اللبس وعدم الفهم.
لذلك فإن الضرورة والأمانة تقتضي ان نضع جميع المعلومات المتصلة بهذه القضية أمام المواطنين بموضوعية وتجرد حتي تكون الصورة واضحة، وايضا صادقة، وحتي يستطيع المواطن أو القاريء الالمام بحقائق الامور، وتفاصيل الاحداث،..، لأن ذلك ببساطة هو حقه علينا.
وفي هذا الخصوص لابد ان نعود بالأمور الي بداياتها، وان نرجع بالاحداث قليلا الي الوراء، وبالتحديد من لحظة ظهورها المفاجيء علي السطح، وطفوها غير المتوقع علي سطح مياه نهر النيل، قادمة من دول المنبع، في اتجاه المصب.

وأحسب اننا جميعا قد تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية، الاعلان المفاجيء عن اتجاه دول حوض النيل السبع للتوقيع المنفردة علي الاتفاقية الاطارية، رغم عدم موافقة مصر والسودان علي الصيغة القائمة في بعض بنودها، ورغم اصرار مصر والسودان علي ضرورة اعادة صياغة تلك البنود الثلاث المختلف عليها، بما يحافظ علي أمنهما المائي، ومصالحهما المائية بالفعل، وفقا لما هو وارد ومنصوص عليه في جميع الاتفاقيات السابقة والموقعة من دول الحوض، وأيضا وفقا للحقوق التاريخية الثابتة والمعترف بها في القانون الدولي، ومن جميع الموسسات والهيئات الدولية.
وفي اطار هذه المتابعة أصبح معلوما لمن يهتم بالتدقيق ان الخلافات تتركز حول الصياغة في ثلاثة بنود من الاتفاقية الاطارية، التي تضم حوالي »53« خمسة وثلاثين بندا، وتري مصر والسودان ضرورة تعديل هذه البنود الثلاث بما يحافظ علي مصالحها المقدرة سلفا، خاصة انها لا تضر بمصالح دول الحوض، ولا تؤثر عليها بالسلب.
ولتوضيح الصورة، مع تجنب الخوض في تفاصيل غير مطلوبة، نقول ان نقاط الخلاف الثلاث بين مصر والسودان، في جانب ودول المنبع في الجانب الآخر، تتركز في الآتي:
مصر والسودان تطالبان بأن يتضمن البند الثامن من الاتفاق، ضرورة الاخطار المسبق من جانب دول المنبع عن المشروعات التي تريد القيام بها علي مسار نهر النيل، وان يتم اتباع الاجراءات التي حددها البنك الدولي في هذا الشأن، وان يتم ذكر ذلك في نص الاتفاقية.
ان يتضمن الاتفاق في البند الرابع عشر »فقرة ب« الخاص بالأمن المائي، نصا صريحا يتضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل، وحقوقها التاريخية في مياه النهر.
ان يتم تعديل البند رقم 43 أ و43 ب، بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي بنود في الاتفاقية أو الملاحق بالاجماع، وليس بالاغلبية، وفي حالة التمسك بالاغلبية، فيجب ان تكون مصر والسودان من الدول الموافقة علي التعديل، أي تكون من الأغلبية الموافقة علي أي تعديل.

هذه هي النقاط الثلاث، وهي بالمناسبة لم تأت بجديد، بل انها لا تطالب بأكثر مما هو معترف به، ومنصوص عليه في كل الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل، وتنظيم استخدام مياهه، والحقوق التاريخية للدول الواقعة عليه من بدئه، الي منتهاه، أي من منبعه الي مصبه بطول ستة آلاف وستمائة وخمسين كيلومترا، عبر تسع دول هي دول حوضه الذي يضم مصر والسودان واثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي.
ولابد ان نذكر ان حجم الامطار المتساقطة بغزارة علي دول حوض النيل - عدا مصر طبعا - يزيد عن »ألف وستمائة وستين مليار« متر مكعب من المياه، وحصة مصر المقررة منها لا تزيد عن »5.55« خمسة وخمسين ونصف مليار متر مكعب، وان 59٪ من مياه النيل أي ما يقارب ألفا وستمائة مليار متر مكعب تضيع وتتبخر.
وبقي ان نشير الي رقم أحسب انه أصبح معلوما لدي الجميع، وهو ان 58٪ من مياه مصر الواردة عبر نهر النيل تأتي من الهضبة الاثيوبية، و51٪ فقط تأتي من منابع النيل الأخري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.