موعد الملاحق.. متى امتحانات الدور الثاني 2024؟    اقتحام وسرقة.. جيش الاحتلال يهاجم مدن الضفة الغربية    لحظة محاولة مجهول دهس طلاب يهود في نيويورك (فيديو)    خالد مرتجي: لن ننسى العامري فاروق.. والخطيب تحمل ما لا يتحمله بشر    حكام مباراتي اليوم الخميس في دور ال 32 من كأس مصر    بعد تصريحات «شيكابالا».. «كهربا»: «في ناس مبطلة من 2010 بيروحوا البيت لبابا عشان يجددوا»    الطريق إلى يوم التروية.. خطوات الحج 2024 من الألف للياء    طريقة عمل البيتزا في المنزل «بخطوات بسيطة ورخيصة وأحلى من الجاهزة»    كهربا: الأهلي غير حياتي وأنا رقم 1    كهربا: أحب اللعب بجوار هذا الثلاثي في الأهلي    توخوا الحذر.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 30 مايو في مصر (حرارة شديدة)    الحرس الوطنى التونسى ينقذ 17 مهاجرا غير شرعى بسواحل المهدية    أسعار رغيف العيش الجديدة وحصة الفرد على بطاقات التموين.. هل يتغير الوزن؟    تعود للانخفاض.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الخميس 30 مايو بالصاغة    تقوية المناعة: الخطوة الأساسية نحو صحة أفضل    وزير التموين: 9 ملايين مواطن يحصلون على رغيف العيش ب1.25 جنيه    وقع في اليابان.. كوريا الشمالية تطلق صاروخا باليستيا    مجدي طلبة: حسام حسن قادر على النجاح مع منتخب مصر    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    الجيش الأمريكي يعلن تدمير مسيرتين ومنصتي صواريخ للحوثيين في اليمن    ضبط سيدة تبيع السلع المدعومة بالسعر الحر.. نصف طن سكر مدعم و203 زجاجة زيت و800 كيلو عسل    الجزائر تدعو مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته إزاء الجرائم المرتكبة فى غزة    «البوابة نيوز» تهنئ قناة القاهرة الإخبارية على حصدها جائزة التميز الإعلامي العربي    ياسمين صبري: أتمنى أمثل مع توم كروز وليوناردو دي كابريو    أوكرانيا: ناقشنا مع تركيا التعاون فى مجال الطاقة الداخلية فى البلاد    اللواء أحمد العوضي ل"الشاهد": سيناء تشهد طفر غير مسبوقة وتنمية كبيرة    عضو جمعية الاقتصاد السياسي: يمكن للمستثمر الاقتراض بضمان أذون الخزانة    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    «فقدت عذريتي وعاوزة حقي».. مأساة لا تصدق لفتاة اغتصبت على يد خطيبها 11 يومًا متواصلة (فيديو)    دون خسائر بشرية.. السيطرة على حريق محل لعب أطفال في الإسكندرية    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    وفاة الفنانة التركية غولشاه تشوم أوغلو    كهربا: لن ألعب فى مصر لغير الأهلي وبإمكانى اللعب على حساب مرموش وتريزجيه فى المنتخب    عاجل.. الأهلي يفاجئ الجميع في رحيل علي معلول    73.9 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة الأربعاء    وزيرة الاقتصاد التونسي تؤكد ضرورة توفير المناخات الملائمة للقطاع الخاص في البلدان الأفريقية    الحكومة تعلن الانتهاء من خطة تخفيف الأحمال في هذا الموعد    آخر تحديث لسعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الخميس 30 مايو 2024    مدير تعليم الإسكندرية يجتمع مع مدربي برنامج استراتيجيات التدريس التفاعلي    "الصحة الفلسطينية" تعلن استشهاد مسعفين جراء قصف الاحتلال سيارتهما في رفح    حظك اليوم| برج الأسد 30 مايو.. «يوم عظيم للمساعي الإبداعية والخطط الطموحة»    تعزيز التعاون بين الإيسيسكو ومركز الحضارة الإسلامية بأوزبكستان    حظك اليوم برج القوس الخميس 30-5-2024 مهنيا وعاطفيا    في ذكري رحيله .. حسن حسني " تميمة الحظ " لنجوم الكوميديا من الشباب    استغل غياب الأم.. خمسيني يعتدي جنسيًا على ابنتيه في الهرم    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    مدير "تعليم دمياط" يتفقد كنترول التعليم الصناعي نظام الثلاث سنوات "قطاع دمياط"    حصري الآن..رابط نتائج الرابع والخامس والسادس الابتدائي الترم الثاني 2024 بالسويس    محافظة القاهرة تشن حملات على شوارع مدينة نصر ومصر الجديدة لرفع الإشغالات    هل يجوز التحري عند دفع الصدقة؟.. عميد كلية الدعوة يوضح    تخصيص 65 فدانًا لصالح توسعات جامعة الأقصر بمدينة طيبة    صحة الدقهلية: 7 عمليات بمستشفى المطرية في القافلة الطبية الثالثة    مدير مستشفيات بنى سويف الجامعي: استقبال 60 ألف مريض خلال 4 أشهر    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
من وحي الثورة
نشر في الأخبار يوم 15 - 02 - 2012

جيل الشيوخ الذي انا واحدة منهم مرت بهم ظروف عصيبة لا يستهان بها علي امتداد سنين العمر ولم تكن حياتهم سهلة ووردية كما يتخيل شبان هذا الزمان، فقد تفتح ادراكي مثلا علي الغارات الجوية التي كانت تقوم بها الطائرات الالمانية علي الاراضي المصرية وتفتحت عيناي علي زجاج نوافذ شقتنا المطلية باللون الازرق.. وعلي صوت رجل الدفاع المدني الذي كان يمر في الشوارع زاعقا بأعلي صوته لكي يسمعه سكان البيوت »طفوا النور الساعة 6« وربما كان تحديد الساعة ستة مساء لأن الظلام كان يبدأ عندها في السقوط.. وتبدأ معه غارات طائرات النازي التي كانت تتعمد ان تلقي بقنابلها علي أحياء الظاهر بالقاهرة وهو الحي الذي كان يسكنه اليهود ومعروف ان الزعيم النازي كان يكره اليهود ويعتبرهم أصل البلاوي في كل مصائب المانيا ومصائب الدنيا كلها ايضا... كانت القنابل تتساقط لسوء الحظ علي المنطقة السكنية التي كنا نسكنها في العباسية الشرقية.. فقد كانت عمارة سويلم التي ما زالت قائمة حتي الآن في شارع العباسية الرئيسي تطل من الناحية الخلفية علي مدرسة اليهود.. وكان الطيارون في الاربعينيات من القرن الماضي لا يستطيعون توجيه قنابلهم بالأجهزة الالكترونية التي اخترعت فيما بعد فكان الطيار يعتمد علي الرؤية بالعين بعد ان يلقي علي الهدف الذي يريده قنبلة ضوئية تسقط في البداية فتضيء منطقة الهدف بحيث يتحول الليل الي نهار.. ويتبع ذلك بإلقاء القنبلة او الطوربيد الضخم الذي كان يستخدم في تدمير المدن في تلك السنين. وما زلت أذكر الفزع الذي اصاب سكان عمارتنا وخاصة الاطفال عندما ألقت احدي الطائرات المغيرة بشعلتها المضيئة فسقطت الشعلة في فناء العمارة وارتفعت ساعتها اصوات الكبار بالأدعية.. واصوات الاطفال بالصراخ في انتظار اسقاط الطوربيد الذي انحرف لحسن الحظ بضعة أمتار عن مكان العمارة والذي لحسن الحظ ايضا لم ينفجر وفي الصباح وقفنا مع أطفال الحي علي الرصيف المقابل نراقب رجال الدفاع المدني وهم يبطلون عمل الطوربيد ويخرجونه من مكانه الذي لم يكن يبعد عن العمارة بأكثر من مترين او ثلاثة، أما صوت صفارة الانذار الذي كان ينطلق كل مساء تقريبا عندما تبدأ طائرات الالمان في الدخول الي الاجواء المصرية فكان لها زئير يثير الذعر في القلوب وما تكاد صفارات الانذار ينطلق عواؤها في الجو حتي تبدأ أصوات المدافع المضادة للطائرات في اطلاق مدافعها في اتجاه الطائرة او الطائرات المغيرة فيسمع لها صوت نحاسي كئيب ومخيف. وبالطبع لم تكن هناك أجهزة تحدد مكان الطائرات وانما كان الدفاع الجوي المصري يحاول اضاءة السماء عن طريق اشعة ضوئية تتقاطع وتحاول اضاءة السماء. ايام وليال صعبة مرت علينا ونحن أطفال وكان كل واحد منا يضع »الروب« والشبشب او الحذاء بجانب سريره ويقوم بارتدائها لحظة سماعه الصفارة ونقوم نهرول وسط الظلام الدامس نتحسس طريقنا مع أهلنا الكبار الي باب الشقة ثم ننزل خمس طوابق يتخبط فيها سكان العمارة جميعهم خصوصا الاطفال وهم في طريقهم الي المخبأ خلف شقة في الدور الارضي من العمارة واذكر انه عندما وصلت الجيوش الالمانية الي العلمين بقيادة القائد الالماني الشهير رومل أن قرر والدي ان تهاجر اسرتنا من القاهرة الي الريف خوفا مما سوف يحدث عند دخول الالمان الي القاهرة. وهو ما فعلته معظم الاسر التي لها عائلات في الريف. وسافرنا ونزلنا ضيوفا علي عمتي التي كان زوجها عمدة لقرية من القري القريبة من مدينة السنبلاوين وكانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها.. فقد تمت هزيمة رومل في العلمين وكانت هذه الهزيمة بداية لهزيمة ألمانيا ودول المحور. والغريب انني ما زلت اذكر اننا شعرنا بالحزن لانتصار دول الحلفاء وعلي رأسهم بريطانيا العظمي التي كنا نكرهها لانها تحتل مصر وكنا نتمني رغم غارات الالمان أن ينتصر هتلر وحلفاؤه وقد تعلمنا من هذه التجربة المبكرة كيف أن عدو عدوي هو صديقي وأننا كمصريين نعلي من قيمة ومصلحة الوطن فوق مصالحنا.
ولم تكد تمضي ثلاث سنوات علي نهاية الحرب العالمية الثانية التي تعلم جيلنا فيها الكثير وجعلتنا نعرف معني حب الوطن ومعني اصدقاء الوطن واعدائه حتي تفجرت في المنطقة المأساة التي نعيشها حتي اليوم وهي كارثة فلسطين وتعالت الاصوات في مصر مطالبة بأن يخرج الجيش المصري لتأديب العصابات الصهيونية وفرحنا عندما علمنا أن الملك فاروق من اشد المتحمسين لمشاركة جيش مصر في الحرب ضد الصهاينة وكان في أسرتنا ضابط شاب هو زوج أصغر بنات خالي وكان برتبة يوزباشي واسمه بكر وشعرنا بالفخر لان واحدا من أفراد أسرتنا سوف يقوم بقتال اليهود وانقاذ فلسطين وزادت سعادتنا عندما شاهدنا صورا للملك فاروق وهو يرتدي ملابس القائد العام علي صفحات الجرائد.
وأيضا حين شاهدناه في جريدة مصر المصورة التي كانت تعرض في دور السينما وهو يستعرض بعض فرق الجيش والعلم المصري الاخضر بنجومه الثلاث البيضاء يرفرف عاليا. وتصورنا في تلك الايام ان جيوشنا سوف تسحق العصابات الصهيونية خاصة وقد اشتركت معنا جيوش من دول عربية أخري اذكر منها جيش الاردن تحت قيادة الملك عبدالله جد الملك حسين، وللاسف انتهت الحرب النهاية المؤسفة المعروفة وعاد الجيش المصري الي الوطن وترك وراءه كتيبة محاصرة في مدينة الفالوجة وكان من بين افراد هذه الكتيبة ضابط شاب برتبة البكباشي. كانت هزيمة الجيش المصري ومحاصرة كتيبته من الصهاينة من اسباب تفكيره في ان ينشيء بعد عودته تنظيم الضباط الاحرار والغريب ان »بكر« زوج »اكرام« بنت خالي كان من بين افراد الكتيبة المحاصرة في الفالوجة، وقد عادت الكتيبة متأخرة عن بقية قوات الجيش.. وما زلت أذكر أن الحكومة ربما تخفيفا علي الشعب المصري من صدمة الهزيمة قد استقبلت كتيبة الفالوجا استقبال الابطال واعتبرنا ان صمودهم في مواجهة الحصار هو نوع من الانتصار وكان قائد كتيبة الفالوجا ضابط كبير لا أذكر اسمه الآن وان كان المصريون قد اطلقوا عليه لقب الضبع الاسود.. فقد كان اسمر اللون ضخم الجسم وقد سارت كتيبة الفالوجا يوم عودتها في طابور طويل من المركبات والدبابات وكانت الدبابات وقتها بدائية بالنسبة للدبابات الحديثة وكان شارع العباسية من الشوارع التي سار فيها الموكب في طريقه الي الثكنات العسكرية فكان ان نزل كل سكان شارع العباسية ووقفوا علي جانبي الطريق يصفقون بحماسة شديدة للعائدين من الفالوجا ومازلت اذكر ان الضبع الاسود كان يقف في مركبة عسكرية تتصدر الموكب وما زلت حتي اليوم أذكر تقاطيع وجهه القوية الصارمة وكأنني رأيته بالأمس وفي الموكب المصطف نري اليوزباشي »بكر« وهو واقف داخل احدي الدبابات واخذنا نهلل ونلوح له بأيدينا وكأننا نريد ان يعرف كل جيراننا واصدقائنا الصغار ان واحدا من افراد اسرتنا حارب في فلسطين ولكن الموقف تغير بعد أن اتضحت أبعاد الهزيمة في حرب فلسطين فأخذ ابناء جيلنا يشعرون بالغضب بل أصبح الشعب كله غاضبا وكان احسان عبدالقدوس قد بدأ ينشر في روزاليوسف مقالات نارية يتهم فيها الملك وحاشيته انهم كانوا السبب في الهزيمة وأن الملك قد اشتري اسلحة فاسدة كانت تنطلق في وجه الجنود المصريين بدلا من ان تنطلق في صدور الاعداء وقد اتضح ان الملك برئ من هذه التهمة وكان الملك قد بدأ يفقد شعبيته وسمعته بعد طلاقه من الملكة فريدة وزواجه من ناريمان وكان هذا الزواج قد احيط بقصص عن أن الملك خطف ناريمان من خطيبها وهو أمر مرفوض دينيا واجتماعيا. ايضا كان الملك قد دخل في صراعات علنية مع اقوي الاحزاب المصرية في ذلك الزمن وهو حزب الوفد القديم بزعامة مصطفي باشا النحاس واخذ بناء علي مشورة من حولة من رجال السراي ورجال السياسة يقيل الوزارات واحدة بعد الاخري في الوقت الذي كان فيه تنظيم الضباط الاحرار بقيادة عبدالناصر يقوي ويشتد.
اللهو الخفي
ثم وقع حادث حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952 والملك يحتفل بمولد ولي عهده الذي صار بعد عدة أشهر وهو طفل رضيع الملك احمد فؤاد الثاني واهتز الشعب المصري لذلك الحريق الذي كان مروعا والذي دمر أهم المواقع التجارية والسياحية في وسط القاهرة ولم يعرف حتي اليوم من هو المسئول عن ارتكاب هذه الجريمة فقد قيل انه الملك لانه أراد التخلص من حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا وقيل انهم الانجليز الذين كانت وزارة النحاس باشا قد سمحت للفدائيين المصريين بان يهاجموا ثكناتهم في منطقة القنال بل قيل انهم الضباط الاحرار الذين كانوا يستعدون لثورة يوليو 1952 وقيل ايضا انهم الشيوعيون الذين أرادوا إثارة الفوضي ولكن احدا لم يستطع ان يثبت التهمة علي اي فريق من هؤلاء وكان هذا هو اول »لهو خفي« يرتكب جريمة ضد مصر ولا تعرف حقيقته حتي اليوم.
ومع قيام ثورة يوليو 1952 استقبل جيلنا هذه الثورة بفرحة غامرة وكثير من تفاصيل هذه الثورة يعرفها شباب اليوم ولكن القراءة عن حدث كبير شيء وان يعيش الانسان هذا الحدث شيء آخر وكنت يوم اعلان ثورة يوليو في الاسكندرية ومن شدة فرحتي بالخبر قررت ان أتوجه الي بيت صديقة عزيزة لكي أخبرها به وهناك أدركت انني ارتكبت خطأ كبيرا باختياري زيارة هذه الصديقة بالذات فما كدت أعلن الخبر وانا اكاد اطير من الفرح حتي صدمني الوجوم الذي ارتسم علي وجه والد صديقتي وكان معروفا عنه الشدة والصرامة واخذ يردد: هذا الخبر خطير ومزعج، وتنبهت ساعتها الي ان والد صديقتي كان يحمل لقب الباشوية فقد كان من رجال السياسة في زمن الملكية.
ومن المؤكد ان شباب هذه الايام يعرفون الكثير عن احداث زمن الرئيس عبدالناصر ولكن ان يسمع الانسان عن الحدث شيء يختلف تماما عن ان يعيشه وقد عاش جيلنا في زمن عبدالناصر احداثا عظيمة واخري محزنة بل ما زال بعضها يؤلمنا حتي اليوم فما كان اروع مشهد جنود الاحتلال البريطاني وقد حمل كل واحد منهم حقيبته فوق ظهره في طريقهم الي السفن التي حملتهم خارج مصر بعد احتلال استمر اكثر من سبعين عاما وما كان اروع اليوم الذي اعلنت فيه الجمهورية وتولي اللواء محمد نجيب رئاسة الجمهورية ثم صدمة الخلاف بينه وعبدالناصر واعتقاله ثم حادث اطلاق النار علي الزعيم الشاب في المنشية ثم بداية الاصلاحات وتوزيع الارض الزراعية علي الفلاحين.. ومنح المرأة المصرية حق الانتخاب والترشيح وتعيين اول وزيرة امرأة في مصر وانحياز عبدالناصر الي العمال والفلاحين واصحاب الدخول المحدودة والاهتمام بالصناعة وتسليح الجيش المصري وتأميم قناة السويس وكل حدث من هذه الاحداث الرائعة يحتاج في توثيقه الي مجلدات لكن ذلك لا يمنع من اننا عشنا اياما غاية في الصعوبة عندما وقع العدوان الثلاثي علي مصر وعادت صفارات الانذار تعوي من جديد وعادت نوافذ بيوتنا تطلي باللون الازرق، وانتهي العدوان الثلاثي بانتصار سياسي فقد وقفت كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي في جانبنا لاسباب تتعلق بمصالحهم في المنطقة وفي هذا العدوان الذي شاركت فيه كل من انجلترا وفرنسا واسرائيل ظهرت شجاعة اهالي بورسعيد ومنطقة القنال فقد تساقطت القنابل علي مدن القنال ونزل جنود العدو بالباراشوت علي هذه المدن التي اظهر ابناؤها بسالة وشجاعة نادرة، فكان موقف شعب بورسعيد من اهم اسباب هزيمة الدول الثلاث المعتدية وهذه الشجاعة والبسالة لن ينساها ابدا ابناء جيلنا من الاجيال السابقة وهو ما يجعلنا نحن الكبار الذين عشنا هذه الاحداث نندهش ونستنكر أن يهان شعب بورسعيد أو يتهم زورا في احداث قام بها مجموعة افراد من البلطجية والقتلة والمخربين، لا يمكن ان يكونوا ابدا من ابناء بورسعيد وانما من المؤكد انهم من القلة التي توصف بانها مندسة والتي هي ايضا ذلك الطرف الثالث الخائن الذي يطلق عليه »اللهو الخفي«.
تري هل يستطيع جموع المصريين التغلب علي الانانية وعلي التفكير في المصالح الذاتية او مصالح الحزب او مصالح الجماعة وهل يتعقل الجميع ويعرفون ان خلافاتهم هي أقصي ما يحلم به الاعداء، ورجاء الي الشباب الذين يتهمون الكبار في السن وفي التجربة انهم لم يفعلوا شيئا ان يفكروا في كل ما قدمته الاجيال الماضية من تضحيات مع اعترافنا نحن جيل الجدود والشيوخ بان الثورة العظيمة التي قام بها الشباب تستحق منهم الا يكونوا من أسباب إجهاضها.
تري هل يستطيع جموع المصريين أن يتغلبوا علي الأنانية والتفكير في مصالحهم الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.