اشتاق الشعب المصري.. بجميع قطاعاته وفئاته للتغيير الجذري، اشتياق العطشي في صحراء جرداء. للمياه. وعندما نفد صبر المصريين خاصة بعد ان تأكدوا تماما من السعي المحموم نحو نقل السلطة من مبارك الاب الرئيس الي مبارك الابن الوريث عبر تزوير فاضح لمجلسي الشعب والشوري عام 0102 لم يجد هذا الشعب العظيم من فرصة للصبر مرة أخري، وقرر الثورة علي الحاكم الفاسد الطاغية واقتلاع نظامه من الجذور. هذا هو حقيقة المشهد الجماهيري في الفترة من 52 يناير-11 فبراير 1102 حيث أطيح برأس النظام ومشروع التوريث، في أقل من ثلاثة اسابيع 81 يوما بالضبط.. لتبدأ معركة التغيير وكشف الاوراق تباعا والافصاح عن النوايا من الاطراف والقوي السياسية المختلفة. فالثورة طبقا لما استقرت عليه ادبيات علم السياسة »فرع دراسات الثورة« هي عمل او فعل جماهيري شعبي يستهدف احداث التغيير الجذري، حيث يسقط نظام الحكم بمكوناته من دستور وقيادات وسياسات وآليات العمل وقواعده. ويتأسس نظام حكم جديد بدستور جديد. ورموز ثورية جديدة وسياسات وآليات عمل جديدة للخروج من عباءة النظام القديم تماما. وهو الامر الذي يقضي بمحاكمة سياسية لرموز الحكم الذي انهي وتفكك عبر محكمة ثورية للمحاسبة عما اصابه المجتمع والشعب من فساد واستبداد ونهب ثروات البلاد. والمستقر أيضا، ان الثورات لا تقوم من فراغ، بل تقوم وتتفجر كالبركان نتيجة للفساد والنهب وقهر الشعب وهدم الحريات واشاعة الظلم والفوارق الطبقية الشديدة بين من يملك وهم القلة وبين من لا يملك ولا حتي يجد قوت يومه. وتزوير ارادة الشعب والاستعلاء عليه من الحكام فاقدي الشرعية. وانتهاك الدستور بصورة فاجرة ودون حساب أو توقع لغضب الشعب.. من هنا تندلع الثورات لتقتلع هذه الاوضاع وتقلب النظام رأسا علي عقب.. وتستمر الثورة حتي تحقيق اهدافها المعلنة. وقد يحدث في خضم الثورات، ان يركبها البعض ويوظفها لحسابه السياسي، ويصل البعض الي سدنة الحكم وهم امتداد لنظام قديم، فتستمر الثورة حتي يتم تفويض هؤلاء الانتهازيين والتحولين. بل يسقط في الطريق بعض من الذين قاموا بالثورة او قامت علي أكتافهم اما يأسا او احباطا او محاولة للخروج الامن خشية ما يمكن ان يحدث لهم جراء استيلاء الانتهازيين علي السلطة. واما مسايرة مع ما حدث لانتظاع الانفاس او قصرها، فتخرج اجيال وفئات جديدة لتجدد الثورة وتضخ الدماء في شرايينها لتواصل اندفاعاتها وقوتها بل ان ظاهرة المتحولين والانتهازيين التي نراها امام أعيننا في مصر ما بعد الثورة وخلال عامها الاول. يؤكد ان راكبي الثورة كثيرون، ويظهرون في وسائل الاعلام كالذباب الذي يتكاثر في الصيف حول صندوق القمامة، وهم يلعبون دورا حقيرا في اجهاض الثورة عن طريق العمالة المزدوجة فعندما تنتصر الثورة يتصورون انهم جنودها، وحين تفشل الثورة فانهم عملاء النظام الساقط أو المتجدد في ثوب حقير. وهؤلاء مصيرهم جميعا مدافن النفايات الابدية، وهناك من يرصد كتاباتهم وأدوارهم الكريهة. وفي عيد الثورة الاولي بعد مرور عام علي اندلاعها، فإن الذين يسعون الي الانتفاض عليها واجهاضها قوي عديدة.. حيث ان اصحاب المصالح الذين يسعون الي الحفاظ علي الاوضاع القائمة هم حماة النظام السابق هم المعادون للثورة والثوار وهم الطرف الثالث الخفي الذي يرددونه علي مسامعنا!. بل ان الحقيقة هي ان المجتمع انشطر الي قسمين نتيجة اعمال الفتنة السياسية من اصحاب المصلحة في استمرار النظام القديم باعتبار ان الثورة عمل يهددهم وذلك لتفتيت قوي الثورة. واصبح الصراع علي مدار العام بين فريقين واضحين هما الاول القوي المضادة للثورة التي تريد الحفاظ علي مصالحها وأوضاع النظام السابق وانضم اليها بعض القوي السياسية التي سعت الي مصالحها. وفي مقدمتها الوصول الي السلطة عبر تحالف مع المجلس العسكري حفاظا علي استمرار نظام مبارك برموزه وسياساته وقواعد عمله. والثاني: يتمثل في القوي الثورية والداعمة لها من فئات الشعب المختلفة والساعية الي التغيير الجذري الحقيقي وليس مجرد اصلاحات تعكس ان ما حدث ليس ثورة بل »فورة« سرعان ما ستخبو او تعكس انقلابا عسكريا مع اصلاحات شكلية والاستناد الي قوة سياسية يفتقد انها الاكثر تنظيما وشعبية!!. فالصراع بين الطرفين عنيف جدا.. ومن المرشح ان يستمر طويلا الي ان تنتصر الثورة انتصارا ساحقا أساسه التغيير الجذري لنظام مبارك واستبداله بنظام جديد علي قواعد الحكم الديموقراطي الحقيقي وليس مجرد انتخابات علي خلفية وعلي اساس نظام مبارك. وعلي الجانب الاخر من الموضوع، وفي ظل الصراع بين قوي الثورة والقوي المضادة لها، فإن السؤال المطروح لها: ما الذي احدثته الثورة وليس ما حدث بعد الثورة فحسب؟. منذ اندلاع الثورة في 52 يناير وحتي الان وعلي مدار عام كامل، فإما احدثته هذه الثورة ما يلي: 1- القوة التغييرية في المجتمع المصري: حيث وقع الزلزال ولازالت تداعياته مستمرة فالثورة خلقت في نفوس الشعب المصري الرغبة والقدرة علي التغيير الحقيقي والجذري لكل اوضاع المجتمع، ولم يعد الانسان المصري هو المسالم الذي كان يرضي بالقليل أو بالفتات الذي يلقي اليه علي سبيل الاستحسان، وليس لانه حقه الاصيل، بل اصبح الانسان الهادف الي احداث نقلة كبيرة في حياته.. وفي وطنه لذلك توالدت وتكاثرت مطالع أفراد الشعب. 2- انحسار القوة التسلطية والاستبدادية عن مراكز السلطة والحكم في الدولة حيث ترتب علي سقوط الدولة البوليسية بعد الاستخدام المفرط للقوة ابتداء من 52 يناير وحتي 82 يناير تاريخ سقوطها المدوي وتحرير ميدان التحرير من رموز التسلط والاستبداد، تفكيك السلطات الاسطورية لكل مسئول في الدولة.. واصبح كل صاحب منصب من الاصغر وحتي رئيس الحكومة بل والمجلس العسكري غير قادر علي اعمال سلطاته علي الشعب بل ان مظاهرة محدودة لعدد قليل ومحدود من العاملين في اي مؤسسة أو مصلحة كفيل بتوليد الرعب والخوف لدي المسئول في هذه وتلك.. فالمسئول اصبح هو الاضعف امام المواطن بعد ان كان متجبرا. 3- سمو ارادة الشعب وارتفاع راياتها حتي أصبحت »العصمة« في يد الشعب المصري كله فقد افرزت الثورة الطاقة الكامنة في نفوس الشعب التي دفعت بالارادة الي المقدمة والعلو والكرامة والكبرياء للشخصية المصرية بعد ان حاول النظام السابق تدنيسها والخط منها وإهانتها.. وقد اصبحت العصمة اي الارادة غير المفتوحة بين الشعب المصري لا ينازعه فيها احدا.. فهو الذي يقرر ويلزم ويجبر الحكام علي ان يكونوا خداما له أو عليهم ان يرحلوا.. فالشعب اصبح هو الاقوي بعد ان حاول مبارك ورموزه حكمه ونظامه ان يصفوه حتي الخضوع، لكنه أبي ان يخضع وان يقهر فأظهر غضبه وأشعل ثورته ليصبح سيدا علي مقدرات اموره وحياته ومستقبله، وان من يختارهم هم خداما له ان شاءوا.. فأصبح الاقوي والسلطة برموزه هي الأضعف واضحي هو الآمر، والحكام هو المنفذون لارادته وأوامره تلك هي اهم ما احدثته الثورة.. وهو قوة تغييرية هائلة في علاقة الحاكم بالمحكوم في مصر القرن الحادي والعشرين. فالشعب اصبح حيا وموجودا علي الهواء مباشرة يأتي بمن يحكمونه ويطيح بهم اذا مالم ينفذوا إرادتهم والويل كل الويل لمن يخون ثقة الشعب وامانته. فتحية لهذا الشعب العظيم في عيد ثورته الاولي. والتي تشرفت بالمشاركة فيها اعدادا وتنفيذا ومتابعة والي الان مدافعا جسورا عنها، وتحية لشهداء الثورة الذين مهدوا الارض من اجل التغيير الحقيقي وحقهم هو القصاص والتغيير الجذري رحمة بأرواحهم ولازال الحوار متصلا.