يعد كلا من التطهير والإبعاد السياسي أداتين رئيسيتين لحماية أي ثورة وقد استقر في وجدان الشعب المصري والخطاب السياسي والاعلامي والشعبي أن ما حدث في 52 يناير وتجسد في 82 يناير وما بعده، هو ثورة شعبية بكل المعايير. فهي تستهدف التغيير الجذري لجميع الاوضاع وبلا استثناء. وعلي هدي مما رفع من شعارات أقواها الذي رفع في يوم 82 يناير ان »الشعب يريد اسقاط النظام، وليس مجرد اسقاط الرئيس وعصابة الحكم فقط. وبقراءة سريعة لما حدث، فقد أجبر الرئيس مبارك علي التنحي وأصبح رئيسا مخلوعا« وتم حل مجلسي الشعب والشوري، وتم حل الحكومة واعادة تركيبها حتي وصلنا الي حكومة أقرب الي الثورة هي حكومة شرف، وتم تغيير المحافظين رغم ضعف الجدد وأغلبهم من رحم النظام السابق. وبدأت المحاكمات البطيئة التي تؤجل نظر القضايا الي شهر سبتمبر القادم!! وبعد التحقيقات البطيئة ايضا نجد احالة الرئيس مبارك لتحدد له جلسة محاكمة في اغسطس بعد ثلاثة اشهر من الاحالة!! وجري استفتاء علي تعديلات دستورية وكأن الدستور لم يسقط بعد!! والواقع يشهد بأن جملة الاجراءات والخطوات التي تمت ونحن نقترب من المائة والخمسين يوما منذ اندلاع الثورة، هي اجراءات غير ثورية ولا تمت للثورات من قريب او بعيد بأي صلة، وقد يرجع ذلك الي طبيعة الثورة الشعبية، حيث مركز القوة في يد مالك أدوات القوة وهنا في مصر هو المجلس الاعلي للقوات المسلحة، وعلي الطرف الآخر يقف الشعب في حالة ثورية وهو لا يملك من أدوات القوة سوي ارادته وقدرته علي مواصلة الثورة حتي تنفيذ مطالبه. فقد افتقد من بيدهم القرار، القدرة علي المبادرة والحسم في قضايا التغيير الثوري الجذري، وترك هؤلاء لكل فريق حرية التصرف ما شاء أن يفعله، وأصبح منهج الحكم الآن هو »الادارة بالتناقضات« الامر الذي يشعر الجميع أن منهج النظام السابق هو المنهج السائد، ويتجسد ذلك ان كل الجهود مركزة علي احتواء الثورة وتبريدها حتي اجهاضها، لتسير الامور في مجراها العادي، حيث ان الذين سرقوا ونهبوا مستمرون، والذين افسدوا وزوروا واغتصبوا ارادة الشعب محميون ومستمرون ولم يدفع أحد من الثمن السياسي المعروف وكأن شيئا لم يحدث!! وأن الذين أجرموا في حق هذا الشعب علي كل المستويات ومنهم قيادات جهاز أمن الدولة، مستمرون وتم تغيير اللافتة وسط سقوط مدوي لجهاز الشرطة حتي اصبح الافراد أقوي من الاجهزة كلها. كما ان المجالس المحلية المزورة والفاسدة، قد عصيت علي الحل، وكأنها أقوي من مجلسي الشعب والشوري اللذين تم حلهما لتزويرهما!! ومن ثم فان الأمر يوشي بأن ما يدبر بليل هو الاجهاز علي الثورة ومعاقبة الذين حركوا الشعب تجاهها تدريجيا حتي يصل العقاب الي الشعب كله بكل أسف والذين يفكرون بهذه الطريقة ويديرون الامور في صوبها، واهمون، لان حالة الانفصال تزداد بين الحكومة واصحاب القرار وبين الشعب المصري الذي يصر هذه المرة علي امتلاك قراره بيده، وامتلاك ارادته مهما كان الثمن.. وأن كل محاولات الالتفاف حول الثورة هي محاولات خاسرة ربما يدفع ثمنها من يتصورون أنهم في مأمن الآن، لو لم يستدركوا الامور وعلي نحو السرعة وينتقلون من حالة تبريد الثورة حتي اجهاضها الي حالة الاستيعاب الحقيقي للثورة والاستجابة العاجلة لمتطلباتها في (الحرية والتطهير والتغيير والعدالة الاجتماعية). وأذكر بأن الشعب لن يرحم احدا يسعي الي ركوب الثورة أو محاولة الالتفاف حولها او من لا يقدم علي المبادرة بالاستجابة لما قرره الشعب ابتداء من 52 يناير 1102. وليذكر في هذا المقام تساؤلا هاما هو: ماهي قيمة الانتخابات المستعجلة في سبتمبر القادم، دون اتخاذ الاجراءات المؤدية الي سلامة هذه الانتخابات؟ كيف تحدث الانتخابات والمجالس المحلية واعضاؤها من الحزب الوطني مستمرة دون حل ومحاسبة؟! كيف تحدث الانتخابات والغالبية العظمي من القيادات في مواقعها ويحاربون للاستمرار دون خجل، بل يصفون الثورة بأنه »انتفاضة مؤقتة« سرعان ماتخبو لتعود الامور الي ماهي عليه؟! كيف تحدث الانتخابات والمجرمون السياسيون احرار طلقاء دون حسيب أو رقيب ويرشحون أنفسهم بلا خجل كما هو معروف عنهم؟! وكيف تحدث الانتخابات واحد رجال الاعمال من اللصوص يتصدر المشهد السياسي، وغيره يطرح مشروعا لبناء مصر؟!! كيف تحدث الانتخابات وسط حالة الاستقطاب والجماعات الاسلامية علي طرف، في مواجهة جميع القوي السياسية الاخري علي طرف الذين يتبنون: »الدستور أولا«؟! كيف تجري الانتخابات واصحاب الاقلام السوداء ينهشون في الثورة بكلماتهم المسمومة دون تطهير حقيقي في الصحافة والاذاعة والتليفزيون، الحكومي منها والخاص ايضا؟! هل يتصور احد ان مذيعا فاشلا يسخر قناته لادارة القوي المضادة للثورة ويفتخر أنه قبلَّ يد الشريف وأنه من الحزب الوطني، ولا يعرف احد من اين أتي بالاموال، دون أن يحاسبه أحد؟! إن الامور تحتاج الي منهج آخر هو »المنهج الثوري« الذي يهدف الي التغيير الجذري وليس منهج ادارة الاحداث حتي تهدأ الامور لتعود الي سيرتها الاولي، والي مقال قادم.