من يريد ان يتعلم او يستفسر عن شيء من امور الدين والدنيا فكان المسجد هو ذاك المكان حينما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة الي المدينة بعد ثلاث عشرة سنة قضاها في مكة يدعو الناس الي التوحيد استقبله سكان المدينةالمنورة يثرب انذاك بالحب والترحاب ودخل المدينة وهو علي ظهر ناقته القصواء وتمني كل فرد من اهل المدينة ان لو يختاره النبي صلي الله عليه وسلم ليكون مضيفه والتفوا جميعا حول ناقته يسألونه ان يقبل دعوتهم ولكن لان النبي صلي الله عليه وسلم خبير بنفوس الناس رفض ان يختار احدا بعينه حتي لايتعالي بذلك علي غيره فقال لهم (اتركوها فانها مأمورة) فعلم الناس انها ستبرك في مكان يختاره الله عزوجل ولما بركت رضي الجميع بقدر الله واختياره وهنا ندرك ما يجب ان يكون عليه من يريد ان يقود الناس من اخلاق وخبرة ورؤية وان يجمعهم ولا يفرق بينهم . وكان اول ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة ان بني لله عز وجل مسجدا ولعل هناك من يسأل .. لماذا بدأ النبي ببناء المسجد ؟ اقول .. لعله اراد ان يرسل برسالة عملية الي كل من كان يسأل وقتها لماذا جاء محمد الي هنا ؟ ولماذا اختار يثرب بالذات ؟ وهل جاء طامعا في شيء ؟ فكانت رسالة النبي صلي الله عليه وسلم العملية لهم انني ماجئتكم طامعا ولا مستعمرا ولا ناهبا ولكنني جئتكم لأعبد الله عزوجل وادعوكم الي ان تعبدوه سبحانه وتعالي وايضا لان النبي سيكون بحاجة الي مكان يجتمع فيه بأصحابه ومن يريد ان يتعلم او يستفسر عن شيء من امور الدين والدنيا فكان المسجد هو ذاك المكان . اما الامر الثاني الذي كان بعد بناء المسجد والذي قاده النبي صلي الله عليه وسلم هو الصلح بين الاوس والخزرج والمؤاخاة بين المهاجرين الذين هاجروا معه والانصار الذين هم اهل يثرب . اما عن الصلح بين الاوس والخزرج فلنا فيه عبرة ومنفعة عظيمة كلنا بحاجة اليها ونحن مقبلون علي بناء دولة جديدة نتمني ان يجد فيها الحق والعدل والاخاء مكانا .اقول .. الكل يعلم ان الاوس والخزرج هما في الاساس ابناء عمومة وبسبب الخصومة دارت بينهما حرب استمرت اكثر من اربعين سنة حربا حصدت فيها كثيرا من الارواح من كلا الجانبين وان اليهود هم الذين اشعلوا فتيل هذه الازمة بعد ان جاءوا من الشام واستوطنوا في هذا المكان وتحصنوا فيه بموانع الحصون ولانهم دائما لايستمدون قوتهم الا من فرقة الاخرين ويعملون بمبدأ (فرق تسد) اوقعوا بين ابناء العمومة وانهكوهم بأيدي بعضهم واستقووا هم عليهم بحصونهم واموالهم ولان النبي صلي الله عليه وسلم يريد ان يبني دولة جديدة قوية ولانه كذلك يعلم ان الوحدة بين ابناء الدولة هي اساس القوة ولانه يعلم ان النزاع لايؤدي الا الي الفرقه وان الفرقة تؤدي الي الفشل ولانه لايريد كذلك ان يفشل وتفشل معه الامة بدأ بالصلح بينهما ولنا ان نتخيل ان الامر لم يكن سهلا ميسورا وان ذلك تم باشارة منه صلي الله عليه وسلم بل احتاج الامر الي اجتماعات ومشاورات ومحاولات اقناع للطرفين وجهود خارقة نجح فيها النبي صلي الله عليه وسلم حتي لم شملهم و حقن دماءهم ووحدهم تحت راية واحدة واختار لهم اسما جديدا هو اسم (الانصار) استطاع ان يقتلع الخصومة من جذورها ذلك ان كثرة المسميات احيانا تكون سببا اصيلا في كثرة الخلافات وهناك نظرية في علم النفس تقول (اذا عرض علي الذهن شيئان متلازمان يربط الذهن بينهما بحيث اذا عرض احدهما تذكر الذهن الشيء الاخر ) وبالتالي اراد النبي ان يجمعهما تحت مسمي واحد وهو الانصار كما قلت ليشعروا معه بأنهم واحد لانهم لو بقوا تحت مسمي الاوس او الخزرج كان يكفي الرجل من الاوس اذا تشاجر مع من هو من الخزرج ان يقول احدهما واأوساه او واخزرجاه فيخرج من هؤلاء ومن هؤلاء من يشعلون نار الحرب من جديد . المهم عالج النبي صلي الله عليه وسلم الامر علاجا نفسيا رائعا واصبح هذا اللقب الجديد ( الانصار) احب الي الاوس والخزرج من الدنيا وما فيها حتي ان القرآن الكريم ذكرهم به في قوله سبحانه وتعالي »لقد رضي الله عن النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسره« وانطفأت بفضل الله عزوجل ثم بفضل جهود النبي صلي الله عليه وسلم نار الحرب بينهما وبدأت رحلة جديدة من الدماء استطاعو ان يعبروا من خلالها مع النبي صلي الله عليه وسلم الي بر الامان وخصوصا بعدما آخي النبي كذلك بينهم وبين اخوانهم من المهاجرين الذين تركوا اموالهم وديارهم في مكة وهاجروا مع النبي في صورة من الاخاء لم ير التاريخ مثلها واستطاع النبي ومن معه من المهاجرين والانصار ان يبنوا جيشا وانتصر في اول معركة حربية بعد اقل من عامين في غزوة بدر الكبري . ومن هنا نتعلم ان السبيل الوحيد للخروج مما نحن فيه الان هو الوحدة والتعاون والاعتصام وان نقلل قدر المستطاع من هذه المسميات الحزبية والحركية والائتلافية لان كثرة المسميات لاتؤدي في الغالب الا الي كثرة الخلافات خصوصا بعدما تحول ابناء التيار الواحد بل وابناء العمومة احيانا الي اوس وخزرج واقول لهؤلاء جميعا من اخواني واحبابي مصر الان لاتحتاج الي اوس وخزرج انما تحتاج الي انصار للوطن كما ان مصر الان لاتتحمل اي خلاف، مصر بحاجة الي من يأخذ بيدها من خلال دولة مدنية حديثه تمارس فيها الحريات ويعبر فيها كل عن رأيه ولكن بلا صدام بل بلا ادني صدام . كما ان الساحة السياسية لاتحتمل اوسا وخزرجا جديدا . ومن وجهة نظري من الممكن ان تندمج كافة الاحزاب والحركات والقوي الاسلاميه من اليمين الي الوسط تحت حزب واحد او حزبين علي الاكثر وكذلك تندمج القوي الليبرالية من اليسار الي الوسط ايضا تحت حزب او حزبين علي الاكثر ومن هنا تقوي هذه الاحزاب وتنتهي هذه الحالة من الفرقة والشتات والتباين الشاسع في الاراء بين ابناء التيار الواحد الامر الذي جعل بعض الناس تتشكك احيانا في نفسها وفي هذا التيار بل ان الشخص من الممكن ان يتخلي عن جزء من طموحاته الحزبية او السياسية او ان ينتمي الي من يتقارب معه في الرأي لان لو كل انسان رفض ان ينتمي الا الي حزب او حركة تتفاهم وتتطابق مع وجهة نظرة مائة في المائة فنحن بحاجة اذا الي 85 مليون حزب وحركه سياسية وهذا الامر مستحيل اذا نتقارب في الاراء والرؤي ونختصر ونقلل عدد هذه الاحزاب والحركات علي النحو الذي اقترحته اذا كنا نريد ان يسمع بعضنا صوت البعض الاخر وان ننتهي من هذه الحالة من (اللاانصات) لانني لم ولن استطيع ان افهم كلام احد وانا استمع الي ثلاثمائة شخص او اكثر يتكلمون معي في وقت واحد اخواني المسيحيين كل سنة وانتم طيبون ادهشني جدا حديث بعض وسائل الاعلام وبعض الدعاة في هذه الايام عن حكم تهنئة الاخوة المسيحيين بأعيادهم وكأن المفروض ان كل شيء بعد ثورة 25 يناير يختلف عما كان عليه قبل ثورة يناير وهذا امر الحقيقة مبالغ فيه واشبه بالمهاترات فالاسلام قبل الثورة هو الاسلام بعد الثورة وسماحة الاسلام هي سماحة الاسلام منذ ان ارسل النبي صلي الله عليه وسلم حتي يوم القيامة والقرآن كان ولا زال وسيبقي هو القرآن الي يوم الدين وفيه يقول رب العالمين سبحانه (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم) ان تبروهم وتقسطوا اليهم البر والقسط يا اخواني هي اوامر القرآن . اوامر الله سبحانه وتعالي وليست اوامر احد اقطاب النظام السابق حتي يتغير الحكم بتغيير النظام بل اني اري ان العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر بعد الثورة ينبغي ان تكون اقوي حبا وتسامحا وتعايشا مما كانت عليه قبل الثورة ذلك لان ما كان يفعله النظام السابق من تخويف واحتقان بينهما المفروض ان يزول بزوال النظام بدليل الحالة التي كان عليها المصريون جميعا مسلمين ومسيحيين اثناء الثورة وبعدها حتي اليوم وان كانت هناك بعض الاراء او الاصوات الشاذة التي تريد ان تعكر صفو هذه العلاقة الا ان الاغلبية من اخواني العلماء والدعاة ورجال الدين يعملون علي نشر روح الحب والاخاء بين ابناء الوطن الواحد وانا كمصري اولا وامام مسجد وداعية انتهز هذه الفرصة لاهنيء اخواني المصريين من المسيحيين بأعيادهم وكل عام وانتم بخير وكل عام واحنا مع بعض عايشين وكل عام واحنا للمساجد والكنائس حاميين وكل عام واحنا علي الشر والفساد منتصرين وكل عام واحنا براية مصر مستظلين وكل عام واحنا في المصانع والشوارع عالخير والحب متعاونين وكل عام وانتم طيبون.