الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    حدث ليلا.. تل أبيب تشتعل واعتقالات بالجامعات الأمريكية وإصابة بن غفير    مصرع 76 شخصا وتشريد 17 ألف آخرين بسبب الفيضانات في كينيا    صحفي إنجليزي يكشف كواليس وأسباب أزمة مشادة محمد صلاح مع كلوب    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    طارق السيد: الزمالك سيتأهل إلى نهائي الكونفدرالية    موعد مباراة توتنهام وآرسنال اليوم في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    حالة الطقس اليوم الأحد على القاهرة والمحافظات    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أسعار الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات.. اليوم 28 أبريل    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    تتبع المنهج البريطاني.. ماذا قال وزير التعليم عن المدرسة الدولية؟    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    الفرح تحول إلى جنازة، لحظة انتشال سيارة زفاف عروسين بعد سقوطها بترعة دندرة (صور)    14 مليار دولار في طريقها إلى مصر بسبب رأس الحكمة    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    السفير الروسي: انضمام مصر للبريكس مهم جدا للمنظمة    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل عن 65 عاما    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الأحد 28 إبريل 2024 بالصاغة    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة لتطبيقها في المجتمع
الهجرة‏..‏ تغيير الواقع إلي الأفضل

المدقق لهجرة الرسول صلي الله عليه وسلم التي نحتفل بذكراها هذه الأيام‏,‏ يجدها مفعمة بالدلالات والدروس والعبر التي لا تزال البشرية‏-‏ بكل ما أوتيت من أدوات ووسائل معاصرة‏-‏ تفتقر إليها وتبحث عنها بشغف لإصلاحها ونهضتها‏. فلم تكن هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلي المدينة المنوة مجرد هجرة من مكان إلي مكان, وإنما كانت مرحلة مهمة في تاريخ الإنسانية, انتقلت خلالها من ظلمات الجهالة والمعصية والفساد إلي أنوار المعرفة والعدالة والفضيلة. كما أن من دلالات تلك الهجرة المباركة أنها تحلت بمقاييس حضارية رائعة نتوق إلي معايشتها في عالم اليوم.
وإذا كان من عظمة هذا الخلق وآيات الخالق أن الكون كله يهاجر, فالشمس والرياح والبحار والأسماك والطيور كلها تهاجر للبحث عن الأفضل, ذلك أن الهجرة تعني تغيير الواقع من وضع سيئ إلي وضع أقل سوءا, أو إلي وضع أكثر خيرا.. وتعني أيضا التحول والانتقال من مجتمع يشوبه الفساد والظلم وتنقصه المعايير الأخلاقية إلي مجتمع ينشد الفضيلة والسعادة في الدين والدنيا من أجل تحقيق مجتمع متكامل في روحه وجسده.
لذلك نحاول في صفحة الفكر الديني هذا الأسبوع الاستفادة من دروس ودلالات الهجرة النبوية في الوقت الحالي الذي يمر به مجتمعنا, حتي نأخذ من الهجرة ما يفيدنا في إقامة دولتنا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
مفهوم الهجرة
في البداية يوضح الشيخ جمال الدين قطب أمين لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف أن الهجرة في الشريعة الإسلامية هي تغيير الواقع من الوضع السيئ إلي وضع أقل سوءا أو إلي وضع أكثر خيرا, تماما كما يغير الإنسان ثوب العمل والإرهاق إلي الراحة, أو ينتقل من مكان الضوضاء إلي مكان الهدوء, أو يهجر الفراش والرقاد إلي اليقظة والحركة, فالهجرة هي علم تغيير الواقع إلي الأفضل, وهذا المعني هو الذي قصده رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة, إذ قال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية, أي ليس هناك بعد فتح مكة ما يوجب هجرة الأوطان, بل يوجد ما يفرض هجرة الأفكار من السيئ إلي الأفضل ومن السالب إلي الموجب, ومما ثبت فساده وكساده إلي ما نظن أو نري فيه الخير والتغيير.
ويضيف الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة بجامعة حلوان- أن مفهوم الهجرة في الإسلام يعني التحول والانتقال من مجتمع يشوبه الفساد والظلم وتنقصه المعايير الأخلاقية إلي مجتمع ينشد الفضيلة والسعادة في الدين والدنيا ويهدف إلي تكوين مجتمع تتحقق فيه مطالب الروح والجسد, وهذا نجده في هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة وهي هجرة حضارية بكل المقاييس, فلم تكن مجرد هجرة من مكان إلي مكان وإنما كانت تحولا شكل مرحلة مهمة في تاريخ الإنسانية انتقلت به البشرية بداية علي مستوي الجزيرة العربية وانتهاء إلي البشرية جميعا في كل بقاع العالم من ظلمات الجهالة والمعصية والفساد إلي أنوار المعرفة والعدالة والفضيلة, وهذا المعني هو الذي دلت عليه طبيعة المجتمع المدني الذي كان خليطا من المسلمين مهاجرين وأنصار, ومن يهود وبعض الوثنيين.
ويؤكد الجندي علي ترابط هذا المجتمع برغم تعددية أجناسه, وكان دستوره المحبة والإيثار الذي وصفه القرآن الكريم في قوله تعالي: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم, فهو مجتمع التسامح بنص الآية والعفو وخلو القلوب من البغضاء والشحناء, فقد استقبل الأنصار المهاجرين بمنتهي الحفاوة والترحاب والأخوة, يقول تعالي: ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة, كما أن هذه الهجرة مطبق فيها الإخاء بمعناه الكامل, وهو اخاء تجاوز الدائرة الإسلامية( الأخوة بين المسلمين) إلي الدائرة الإيمانية( الأخوة بين المسلمين واليهود) إلي الدائرة الإنسانية( الأخوة بين المسلمين والوثنيين), وذلك قبل أن تعرف هذه المبادئ الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية, ومبادئ حقوق الإنسان الذي يعتقد الغرب أنه هو الذي ابتدعها لصالح البشرية, علما بأن الهجرة النبوية كانت مثالا مجسدا للسلوك الحضاري الذي استوعب جميع الاختلافات والتعددية البشرية من اختلاف الألوان والديانات والأجناس إلي مجتمع موحد قام علي رأسه الرسول صلي الله عليه وسلم, وكان قائما علي الكرامة البشرية التي تقررت بموجب قوله تعالي: ولقد كرمنا بني آدم, فلم يكن التكريم مقصورا علي المسلمين وحدهم وإنما علي المسلمين وغير المسلمين, وقام أيضا علي الحرية وكان علي رأسها حرية العقيدة بقوله تعالي: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي, وأيضا حرية رفض الظلم والقهر فقد استنكر الله علي هؤلاء الذين رضوا بالظلم ورفضوا أن يغيروا أوضاعهم حتي بالهجرة إلي مكان آخر, يقول تعالي: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا, وكذلك العدالة بقوله تعالي:وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فقد قامت دولة الإسلام الأولي علي هدي هذه المبادئ قبل أن يصدر العالم في القرن العشرين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو ما أكده دستور دولة المدينة الذي قرر المساواة بين أبناء المجتمع الإسلامي في أمور الحياة, كما أقر مبدأ المواطنة التي حصل فيها كل من يعيش علي أرض هذه الدولة( دولة المدينة)علي حقوقه وواجباته الحياتية بغض النظر عن اختلاف الدين أو العرق أو اللون وهو ما أصلته قاعدة- لهم ما لنا وعليهم ما علينا- كما عاش غير المسلمين في ظل هذه الدولة وفقا لمعتقداتهم الخاصة تطبيقا للقاعدة الأصولية أمرنا بتركهم وما يدينون, وكل هذه المبادئ أرستها الهجرة النبوية الشريفة.
أسبابها ودوافعها
وحول أسباب الهجرة ودوافعها يقول الدكتور محمد نجيب عوضين, أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية: إن أسباب الهجرة بصفة عامة هي مقاومة الظلم وعدم الاستسلام له لاستكمال الرسالة المكلف بها الإنسان المهاجر فبترك المكان والذهاب إلي مكان آخر تتوافر فيه الظروف التي تعمل علي نجاح رسالته, فاضطهاد الإنسان سياسيا أو اجتماعيا في المكان الذي يعيش فيه ومنعه من ممارسة حقوقه يدفعه إلي الهجرة إلي مكان آخر حتي يستطيع أن يكمل رسالته فيعود إلي موطنه مرة أخري وهذا قد تحقق فعلا لأقوام وقبائل سابقة, وتمثل في ترك الأنبياء بلادهم مرة أخري حتي تستقر الأمور لدعوتهم ثم العودة مرة ثانية إلي موطنهم, مثل نبي الله إبراهيم وموسي وعيسي عليهما السلام.
فالظروف الاجتماعية أو السياسية أو مقاومة الفكر بالقوة هي من أسباب ودوافع الهجرة, وممكن أيضا أن يكون طلب تحصيل العلم سببا في الهجرة, ويتمثل ذلك في القوار المأثور:( اطلبوا العلم ولو في الصين), ودعوة القرآن الكريم أن الهجرة فيها سعي وتبين في قوله تعالي: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله وكان الله غفورا رحيما.
ويؤكد الدكتور محمد نجيب عوضين, أن كبار أئمة العلم والفقهاء يجدون في الهجرة أسبابا كثيرة في التوسع في المعارف ونشر العلم كما حدث في موقف الإمام الشافعي الذي هاجر من بلاد الحجاز إلي بلاد العراق ثم اتجه إلي مصر حيث استقر بها, وقولته الشهيرة في ديوانه الشعري: سافر تجد عوضا عمن تفارقه.
كما أن في الهجرة تحصيل أسباب الكسب والتجارة التي فيها تسعة أعشار الرزق, وهذا بالنسبة للهجرة بصفة عامة, وأفضل أنواع الهجرة هي التي تكون في سبيل الله لتحقيق ونصرة الدعوة إلي الله سبحانه وتعالي.
دلالات ودروس
وعن كيفية الاستفادة من دروس الهجرة في الوقت الحالي, يوضح الدكتور زكي عثمان رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر أن للهجرة دلالات قياسية وأبعادا حضارية وإشارات لبناء الأمة وصياغة المجتمع وصناعة الأفراد, ومن أهم هذه الدلالات دلالة ارتباط الهجرة بالكون, لأن في الهجرة حركة لا تتوقف, وما أحوجنا إلي الديناميكية التي نأخذها من الكون المحيط بنا, وهذه دلالة تجعلنا نتأمل ونتفكر ونتبصر كل أمورنا, فالكون كله يهاجر من الآيات الكونية في الشمس والرياح والبحار والأسماك والطيور حتي في أجهزة الإنسان نفسه, وحتي عند الفلاسفة حينما يقول أحدهم الإنسان لا ينزل النهر مرتين, ومما لا شك فيه أن للهجرة مكانا ومكانة باعتبارها سنة من سنن الله في الاجتماع والمجتمعات, ثم إن هناك دلالة أخري, ألا وهي دلالة التخطيط, فالتخطيط والتنظيم والإدارة قوة رئيسية لابد وأن تتوافر لدينا حتي نبني مجتمعنا أفرادا وشعوبا وأمة, ولابد وان نأخذ هذا الدرس المستلهم من أحداث الهجرة, فلم تكن الهجرة خطة عشواء, بل أقيمت علي النظام والتنظيم من خلال حقيقة دور كل من يشارك أو شارك في حدث الهجرة, فقد شارك فيها الشباب والعبيد, حتي المرأة شاركت بدور إيجابي رائع.
ويضيف الدكتور عثمان أننا بناء علي ما سبق نجد بعدين مهمين ممثلين في قوة الإرادة وقوة الإدارة, وأن النبي صلي الله عليه وسلم يوزع الأدوار لكل دوره ولكل عمله. ويتمثل هذان البعدان في اختيار الرفيق والصديق الذي مثل في شخصية أبوبكر ويقولون أختر الرفيق قبل الطريق, وهذا الصديق له ما له من التضحية, فضحي بماله وضحي بنفسه من أجل الدعوة ومن أجل افتداء النبي صلي الله عليه وسلم. وممثل أيضا في علي بن أبي طالب, حيث قيمة الشجاعة والتضحية بنفسه, علاوة علي عامر بن فهيرة وعبدالله ابن أبي بكر وأيضا اختيار المكان الذي مكث فيه النبي وأبوبكر. ومن الإدارة السرية في الهجرة, حتي يكون العمل ذا فاعلية وتخطيط مبني علي قيادة راشدة وريادة حكيمة استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان والهجرة أثبتت فاعليتها ونجاحها من خلال القائمين عليها من خلال بيعة العقبة الأولي والثانية ومن خلال إرسال من يعلم الناس في المدينة ممثلا في السفير الأول وهو مصعب بن عمير, وأنتجت الهجرة دولة فتية لها أرض وشعب ودستور, وهذه الدولة لها ما لها من الانطلاقات التي تعلمنا منها الكثير والكثير, دولة لها دعائم ومرتكزات تحدد من خلالها العلاقات, علاقة بين الإنسان وربه وتمثلت في بناء المسجد, وعلاقة بين المؤمنين بعضهم ببعض وتمثلت في عملية الإخاء والأخوة, وعلاقة تمثلت في تحقيق الأمن والسلام من خلال ما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم بوثيقة دستورية في المدينة وعلاقتها في الأمور الخارجية بين المسلمين واليهود, لذا فان مجتمع المدينة مجتمع توأم وانسجام.
وفي النهاية يشدد الدكتور عثمان علي أنه لابد أن نأخذ من الهجرة ما يفيدنا في إقامة دولتنا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, بحيث ألا تكون هناك شرذمة من البلطجية, والخارجين علي القانون.
تغيير الواقع
وحول الهجرة التي يحتاجها المجتمع المصري في الوقت الحالي للخروج من الأزمات الراهنة, يقول الشيخ جمال الدين قطب إن النظر في حالة الأمة المصرية عامة في هذه الأيام يفرض ألوانا كثيرة من الهجرة, وهي في حدود القول النبوي السابق تعتبر ألوانا كثيرة من الجهاد, ومنها علي سبيل المثال, أولا: الهجرة من الانفراد والتقوقع إلي المعايشة الجماعية( الأسرة, المجتمع, عصبة المهنة... إلخ) إلي الجمعيات والنقابات والأحزاب المعبرة في برامجها عن التغيير, ثانيا: الهجرة من السلبية إلي المشاركة والإيجابية, بما يفرض علي المواطن أن يكون أكثر حضورا وانشغالا بأحوال الأمة علي قدر تخصصه, واستماع ومناقشة للتخصصات الأخري حسب قول رسول الله صلي الله عليه وسلم من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم وأمر المسلمين هو الشأن العام, ثالثا: الهجرة من التكاسل والقعود إلي التمييز والإبداع, فلا يصح أن يبقي المواطن راضيا باستمراره علي حالة واحدة منذ تخرجه في الجامعة أو منذ بداية عمله لا يضيف جديدا ولا يحاور شريكا ولا يعبر عن صادق مشاعره حيال الواقع المعاش, رابعا: الهجرة من التصرفات العشوائية إلي السلوك المنهجي, فلابد للمواطن أن ينتمي إلي برنامج سياسي واقتصادي واضح المعالم يتوافق مع البيئة المحيطة به, ويكون مقنعا في تكاليفه وسهولة انجازه, كذلك ينبغي التفكير في ألوان أخري من الهجرة والجهاد النفسي, خامسا: الهجرة من سوء الأخلاق إلي أخلاق الإسلام الحسنة, سادسا: الهجرة من التصورات الخاطئة التي لا دليل عليها من الشرع مثل تصور قسمة العالم إلي معسكرين, دار إسلام ودار كفر, وذلك بالهجرة إلي أفكار شرعية منهجية تقوم علي القرآن, تقوم بقسمة العالم إلي أمتين, أمة الإجابة وهم جميع المسلمين, وأمة الدعوة التي تشمل جميع غير المسلمين, فهم بالنسبة للمسلمين أمة دعوة يجب علي المسلمين دوام واستمرار توجيه الدعوة اليهم, بالقول الحسن بالحكمة والموعظة الحسنة وبالفعل الحسن والجار ذي القربي والجار الجنب, وكذلك الحوار الدائم في جميع المجالات, سابعا: الهجرة من ادعاء الموسوعية إلي ضرورة التخصص والتفرغ لمجال أو لعلم حتي يصل فيه المرء إلي أعلي الدرجات النافعة للأمة وللحضارة الإنسانية, ثامنا: الهجرة من عادة الظن إلي تعود البحث عن اليقين فتبينوا حتي لا نبني أفكارنا وسياساتنا علي الظن والوهم, بل لا بد من بنائها علي اليقين أو علي أرجح الأقوال, تاسعا: هجرة المصطلحات غير الشرعية وغير المعبرة إلي المصطلحات المعبرة عن الشرع والحقيقة, وأبرز مثال لذلك تصور البعض أن العبادات هي الشعائر وحسب الصلاة والصوم والزكاة والحج وهذه تعتبر شعائر العبادات وليست كل العبادات, إنما العبادة بمعناها القرآني هي إعمار الأرض في كل المجالات, وتحقيق كرامة الإنسان في كل الأحوال مع أداء الشعائر السابق الإشارة اليها, وهذه هجرة ضرورية حتي يتخلي الناس عن الازدواجية في التفكير باعتبارهم أن الشعائر هي القربي إلي الله وأن أعمال الدنيا لا تعتبر قربي إلي الله وهذا خلل في الفهم ينبغي الهجرة منه إلي فهم مصطلح العبادة كما جاء به القرآن, فالرسل وخاتمهم محمد صلي الله عليه وسلم وصفهم القرآن بأنهم عباد لأنهم يعمرون الحياة ويكرمون الإنسان ويؤدون شعائر الله, وهكذا يستطيع كل مواطن أن يبصر في ما يحيط به من ضرورات أخري لابد من الهجرة إليها.
الأسوة الحسنة
في استقبال العام الهجري الذي يذكرنا كما يقول فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الشريف الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالهجرة النبوية التي يتماشي واقعها مع حال المسلمين في هذه الأيام يجب أن يكون لهم الأسوة الحسنة في رسول الله فقد مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو إلي دين الله وهداية الناس بالحق بأسلوب سهل واضح فلم يلجأ إلي الأساليب الملتوية ولم يتخذ في تأليف قلوب الناس وسائل الإغراء والإغواء ولكنه صلي الله عليه وسلم ترك لهم الحرية ليميزوا الحق من الباطل وهذا لم يعجب المشركين لأنهم لا يتبعون طريق الإقناع ويصدون الناس عن اتباع دين الله وقد اجتمع رؤساء قريش للتشاور فيما يصنعون بالنبي عليه الصلاة السلام واستقروا علي أن يقتلوه بطريقة يضيع فيها دمه ويتفرق ثأره بين القبائل ولم يكن الله ليترك دعوته تموت قبل أن تؤكد فأذن لرسوله بالهجرة من مكة إلي يثرب ليكمل الرسالة ويثبت أقدامها وقد صدق الله العظيم في قوله تعالي ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة وفي هذا المجال فقد حاول بعض ضعاف النفوس تشويه حقيقة الهجرة وتصويرها علي أنها فرار من الموت وهي لم ولن تكون كذلك لأن كل الذين هاجروا مع النبي صلي الله عليه وسلم كانوا وقود الغزوات والمعارك التي دارت بين الإسلام والكفر لهدم السلطات المستبدة ولم يؤثر عن مهاجر أنه تردد في مواطن الموت لحظة فقد كان الإسلام يحتم علي هؤلاء الناس أن يحيوا من أجله حتي يثبتوا أركانه ويقووا ظهره ويبنوا أمة.. وبعدما وصل النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة اكتنفه عدوان لدودان أولهما جماعات من قريش كانت تتبعه وتطارده وترصد في سخاء مختلف الجوائز لمن يأتي بمحمد حيا أو ميتا.ثانيهما يهود المدينة وضواحيها يدبرون من أنواع الكيد والشر ما يتضاءل بجواره أذي قريش.. ومضي رسول الله صلي الله عليه وسلم بين هذين الخطرين لا يثني عزمه ما يلاقيه من تنكر والتواء واتخذ من الإخاء بين المهاجرين والأنصار درعا قوية تحميه وتدافع عن دعوته فتبدل الضعف قوة والقلة كثرة والتفرق وحدة وتفاني الجميع في صالح الدين ومصلحة المجتمع ورفعة شأنه ولم يكن للأغراض الدنيوية والمصالح الشخصية أثر في النفوس وكان من الآثار الداخلية للإخاء ما قدمه الأنصار من مال وممتلكات لإخوانهم المهاجرين.. وأما الآثار الخارجية وما كان لها من تأثير في بناء مجد الإسلام فقد اتضحت في غزوة بدر الكبري حينما استشار النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه ليتبين مقدار استعدادهم ومبلغ إخائهم فوقف من المهاجرين المقداد بن الأسود يقول: يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.ولم يكن حماس الأنصار في التضحية بالنفس والمال أقل من إخوانهم المهاجرين فقال زعيم الأنصار سعد بن معاذ يا رسول الله لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك علي ذلك عهودا ومواثيق علي السمع والطاعة فامض لما شئت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.. وقد تجلي الاخاء بين المهاجرين والأنصار في كل المواقف وأقامت الهجرة دولة كانت مضرب الأمثال أظهرت رجالا كانوا مبادئ تسير علي الأرض ومثلا عالية والمسلمون اليوم يحتاجون إلي استلهام أحداث الهجرة في الإخاء والإيثار لتتحقق أهداف ثورة مصر من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقضاء علي القلق والتوتر والاضطراب لجمع ما تفرق من الأمر وما تبدد من القوة لأن الترابط والتعاون أساس التقدم وتحقيق الآمال وبناء الدول والأوطان وهذا ما يتطلب اتباع تلك الخطوات والسير علي منوالها لأن ما يحدث اليوم مشابه لما حدث بالأمس من التفكك والتشرذم والانقسام.
الأخذ بالأسباب
يقول الدكتور حامد حماد الأستاذ بجامعة الأزهر قد يخطر لمسلم المقارنة بين هجرة النبي صلي الله عليه وسلم وهجرة عمر بن الخطاب ويتساءل لماذا هاجر رسول الله متخفيا ومحتاطا لنفسه بينما هاجر عمر علانية متحديا المشركين دون خوف؟ ولهذا يتوجب علي المسلمين أن يعوا أن جميع تصرفات رسول الله المتعلقة بالدين تعتبر تشريعا ولذلك فقد استعمل النبي كل أساليب الحيطة والحذر والتخفي عند الخوف وكل الوسائل المادية لمواجهة الأخطار ولم يترك شيئا دون أن يستخدمه استعدادا لإتمام هجرته من مكة إلي المدينة لتأكيد أن الله سبحانه وتعالي أقام شريعته في الدنيا علي مقتضي الأسباب وما يترتب عليها من مسببات وعلي ضوء ما وضعه النبي صلي الله عليه وسلم من ترتيبات وما حدده من وسائل لتنفيذ خطته للهجرة فقد ترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه ويتغطي ببردته واستعان بأحد المشركين بعد أن أمنه ليدله علي الطرق الفرعية التي لا تدور في بال أحد من الأعداء وأقام في الغار مع صاحبه أبو بكر ثلاثة أيام متخفيا إلي آخر ما عبأه من الاحتياطات التي يفكر بها العقل البشري ليضع للناس تشريعا بأن الايمان بالله لا يتنافي مع استعمال الأسباب المادية التي أراد الله سبحانه- بعظيم حكمته أن يجعلها وسائل وأن قيام النبي بهذه الترتيبات ليس لخوف في نفسه أو شك في إمكان وقوعه في قبضة المشركين قبل وصوله إلي المدينة ويؤكد ذلك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعدما استنفد كل الأسباب وتجمع المشركون أمام الغار الذين يوجد بداخله وصاحبه بحيث لو نظر أحدهم عند قدمه لرآهما مما جعل الخوف يستبد بقلب أبي بكر رضي الله عنه بينما كان رسول الله يطمئنه قائلا يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما في حين أن الاعتماد فقط علي الاحتياطات أن يشعر النبي بشيء من الخوف والجزع في تلك الحال.وأما العلانية في هجرة عمر بن الخطاب أو أي مسلم آخر غير رسول الله فإن ذلك يعد تصرفا شخصيا ولا حجة تشريعية فيه وهو مجرد إظهار للإسلام ولكل مسلم في مثل هذه الأحوال أن يتخير مايراه مناسبا وهذا لايدع مجالا للمقارنة بين هجرة النبي وغيره من المهاجرين.
مراحل للهجرة
وعن الخطوات التنفيذية التي تضمنها التخطيط للهجرة يقول الدكتور أحمد شحاتة أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر: إن الهجرة مرت بثلاث مراحل, الأولي مرحلة التهيئة لدار الهجرة وإعدادها لاستقبال الدعوة الإسلامية وذلك عن طريق الاجتماع بأهل المدينة القادمين إلي مكة وعرض الإسلام عليهم في بيعة العقبة الكبري وأخذ العهد فيها علي حماية رسول الله والمؤمنين والتي سأل فيها ممثلو قبائل المدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم مالنا إن وفينا بذلك فقال لهم النبي لكم الجنة وكان أبطال هذه المرحلة هم الأنصار من الأوس والخزرج, وأما الثانية فكانت مرحلة المهاجرين الذين سبقوا رسول الله ومضوا يرتحلون زرافات ووحدانا تاركين مكة التي فيها ديارهم وأموالهم ومراكزهم إلي المدينة ليتخذوا منها مقرا للدين الذي آمنوا به وليؤدوا فيها شعائرهم أحرارا آمنين.والثالثة كانت هجرة النبي وصاحبه أبو بكر بعد أن تمت هجرة الغالبية العظمي من المسلمين والتي كانت نموذجا للتضحية والفداء لتبدأ مرحلة العمل الإيجابي الحاسم لاقامة الدولة الاسلامية في الداخل وامتدادها إلي الخارج. وقد يتبادر إلي الأذهان التساؤل عن أسباب اختيار المدينة دون غيرها لتكون مقرا جديدا للإسلام والمسلمين فإن ذلك يرجع كما يضيف الدكتور أحمد شحاتة لما يلي: تتوسط بين الشام ومصر وبلاد فارس وبعض بلاد العرب ومن السهل والميسور أن يتصل النبي عليه السلام بأهلها وينشر دين الاسلام بينهم ويرسل المبعوثين إلي أهلها. كانت محطا للقوافل التجارية من بلاد الشام وإليها ذهابا وإيابا وكان رسول الله يستثمر هذه الفرصة ليبلغ عن طريق أصحابها رسالة الإسلام. فيها الأوس والخزرج من أقوي القبائل العربية وقد أزال الإسلام ما بينهما من مشاحنات وبغضاء وأسهمت جهودهم في انتصار الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.