جلال الشرقاوي.. قامة مسرحية كبيرة.. الأستاذ الذي تخرج علي يديه معظم النجوم في مصر والعالم العربي.. المسرحي المشاغب الثائر المناضل الذي قال عندما شعر أنهم سيأخذون منه مسرحه: سوف أموت هنا وظل أياما بلياليها نائما علي باب بيته.. مسرح الفن. كان يحلم بالثورة التي طالما نادي بها في مسرحياته لكنه لم يكن يتوقعها بهذه السرعة.. كان ينام ويصحو أمام شاشة التليفزيون ولولا حالته الصحية التي تحول بينه وبين شباب التحرير لذهب ينام في الميدان.. هكذا كان يتمني جلال الشرقاوي وهكذا كان دائما يدعو للثورة في أعماله.. في فترة الستينات والسبعينات قدم للمسرح المصري »آه ياليل ياقمر« التي تتحدث عن الخيانة في الداخل والخارج حيث يراها السبب الرئيسي في نكسة يونيو 1967. و»بلدي يابلدي« التي تناول فيها حاشية السوء التي أبعدت الزعيم عن الشعب و»إنت اللي قتلت الوحش« عن حكم الفرد وعن ثورة الشعب ورغبته في أن يكون الحكم للجموع و»عفاريت مصر الجديدة« التي تناولت موضوع دولة المخابرات و»ملك الشحاتين« التي تناولت الصراع القاتل بين السلطة السياسية والسلطة العسكرية. وتتوالي أعماله المسرحية حتي وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فيقدم مسرحية »حجة الوداع« وبعد العبور العظيم عام 1973 يعود من الكويت ليقدم »شهر زاد« و»عيون بهية« ويواكب أحداث كامب ديفيد واتفاقية السلام فيقدم »ع الرصيف« ليكشف النقاب عن بعض سلبيات وإيجابيات عصر عبد الناصر ثم عصر السادات وعصر مبارك وهذه المسرحية هي أول نموذج للمسرح السياسي المباشر في مصر والعالم العربي وهو المسرح الذي لا يلجأ إلي الأسطورة أو التاريخ أو الرمز أو الإسقاط إنما يسمي الأشخاص بأسمائهم والأحداث بزمانها ومكانها. ويستمر مع هذا المنهج في »بشويش« ثم »بولوتيكا« ولكنه يغير الشكل هذه المرة فيقدم نموذجا للكباريه السياسي. وفي أواخر السبعينات قدم »انقلاب« بعدما أصيبت مصر بداء الجماعات الإرهابية المتطرفة ثم »عطية الإرهابية« و»الجنزير «ثم هاجم شركات توظيف الأموال التي اعتبرها الوجه الاقتصادي للجماعات الإرهابية المتطرفة وأدان فيها أضلاع المثلث الثلاثة النصاب والحكومة التي دعمته بالإعلان والإعلام والمنصوب عليه أيضا. وفي يوليو 1995 نادي بالانتخاب السري الحر المباشر لرئيس الجمهورية في »دستوريا أسيادنا«. وفي مسرحياته الأخيرة »شباب روش طحن« و»امسك حكومة« و»أنا متفائل تصور« يبحث عن حق المواطن المصري في وطنه وخارج وطنه.. وفي مسرحية »برهومة وكلاه البارومة« يتعرض لسياسة الخصخصة والبيع البخس والفساد والرشوة بالجنس والمال.. خلال مشواره الفني يثبت جلال الشرقاوي انه رائد من رواد المسرح السياسي في مصر والعالم العربي. تعرض الشرقاوي لإغلاق مسرحه.. سألته.. هل هناك علاقة بين مسرحيتك »دنيا ارجوزات« وثورة 25 يناير ؟! يرد بسرعة : بداية فإن قرار الإزالة الذي حدث في 1-9-2008 سببه كل تاريخ مسرح الفن أضف اليه ما حدث في 28-6-2010 وكنا قد عرضنا المسرحية أيام 24و25و26و27جاءت جحافل التتار بتعليمات المحافظ السابق د. عبد العظيم وزير وفاروق حسني وزير الثقافة السابق وقاموا بتشميع المسرح بالشمع الأحمر وقطعوا عنه الماء والكهرباء رغم حصولي علي أربعة أحكام لصالحي وبالتأكيد كان هناك تعمدا من فاروق حسني الذي رفضت كل سياساته الثقافية فحولني إلي عدو وحاربني.. كان الخلاف الأكثر وضوحا هو مهرجان المسرح التجريبي وقد أسميته المهرجان سيئ السمعة لأنه يعتني بلون واحد فقط هو مسرح الجسد والعري وكان لشواذ مسرح الكلمة وليس تجريبيا ولا جديدا وبداية مسرح الجسد إن لم يكن يعلم الوزير السابق من بدايات القرن العشرين مارهولد في روسيا عام 1930 ورينهارد في النمسا 1940 وجريك في انجلترا في نفس الفترة وأدولف أديا وصولا إلي مارت جراهام في الباليه الحديث في بداية الخمسينيات وهو مسرح يفسد أذواق الشباب ويدمر الثقافة العربية.. تحرك كثيرون ضد هذا المهرجان لكن لا حياة لمن تنادي وربما كان صوتي هو الأعلي بين المسرحيين الذين طالبوا بوقف المهرجان.. كان ينفق عليه 23 مليون جنيه سنويا بمشاركة فرق من حثالة أوروبا وهواة وأنصاف محترفين.. هل هؤلاء يعلمون الشعب المصري.. سؤال وجهته لفاروق حسني وجاء رده عليه بالسعي لإغلاق مسرحي وإسكات صوتي لكن الله وثورة 25 يناير نصراني علي فاروق حسني وعبد العظيم وزير وأظنهما يتساءلان الآن لماذا قاما بهذه الهجمة الظالمة ضدي لمجرد انني أقول رأيي في النظام الفاسد. ويضيف جلال الشرقاوي: علي مدي عمر مسرح الفن كنت أهاجم النظام السياسي في مصر أنا الذي قدمت مسرحية »علي الرصيف« عام 1986 وحللت العهود الثلاثة..عصر جمال عبد الناصر والسادات ومبارك وقفلت الرواية علي جملة شهيرة »مين اللي سرق مصر«. وفي عام 1995 قدمت مسرحية »دستور يا أسيادنا« وناديت فيها بالانتخاب الحر السري المباشر لرئيس الجمهورية وان من حق أي مواطن مصري متي استوفي شروط الجنسية وصحيفة الحالة الجنائية ان يترشح للرئاسة وقلت فيها بالحرف الواحد علي لسان بطل المسرحية »حسني مبارك مرشح نفسه وأنا أرشح نفسي واللي عايزاه الناس تنتخبه« وناديت بأن تكون مدة الرئاسة فترتين فقط وكل فترة أربع سنوات فقط .. كما قدمت مسرحية »انقلاب« التي كانت تدين عنف الدولة ضد عنف الارهاب والتطرف وعشرات المسرحيات التي كانت تصب في رفض النظام السابق والدعوة إلي التغيير ففي مسرحية »حودة كرامة« قلت أن النظام يعامل المواطن المصري بأنه مواطن من الدرجة الثانية وأن كرامته مهانة ومهضومة داخل وخارج بلده. هل تعتبر أن جيلكم أدي ما عليه نحو الوطن ؟! أنا وجيلي والأجيال السابقة لم نستطع إلا أن نحلم فالشاعر كتب قصيدته والروائي قال ماعنده في روايته والفنان التشكيلي أبدع رسما والمخرج مثلي عرض أفكاره.. لم نتجاوز الحلم وجاءت ثورة 25 يناير لكي تجعل من الحلم حقيقة مؤكدة.. هذا الجيل أكثر شجاعة منا وأحمد الله انني أديت ماهو مطلوب مني وقاومت بشجاعة لكن فاروق حسني والنظام السابق كانت لديهم رغبة دفينة في تجريدي من منبري وأعني القضاء علي مسرح جلال الشرقاوي. ويضيف: لا أدعي انني نزلت إلي ميدان التحرير لكنني كنت أنام وأصحو أمام محطات التليفزيون وفي كل لحظة كنت أدعو للشباب العظيم أن يتحلي بالصبر والجلد أمام عنف الشرطة والحمد لله فقد نجحوا وأطاحوا برأس النظام وأدخلوه إلي القفص وهنا أحيي جيش مصر العظيم الذي آمن بالثورة ووقف يساندها بكل قوة منذ 25 يناير وحتي الان وعلينا ان نقف وقفة إجلال وتقدير لكل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء للثورة وأيضا لمصابي الثورة وندعو إلي الوقوف بجوار أسرهم. ويضيف: أتمني أن تكون كل الحكومة من رحم الثورة وميدان التحرير وتابعت معظم الحوارات مع الشباب وأراهم يتكلمون في السياسه والاقتصاد بمعرفة وعن وعي بطبيعة الأحداث في بلادنا ويجب ان يحصلوا علي فرصتهم في حكم مصر في الفترة القادمة ولولا ثورة 25 يناير ما كنت حصلت علي مسرحي ولظل مغلقا بفعل خفافيش الظلام فقد صدرت لي أحكام بأحقيتي في المسرح ولم تنفذ.. نعم أنصفني قضاء مصر الشامخ ولكن وحوش النظام السابق لم يكونوا يحترمون أحكامه! وماذا تري الان فيما يدور علي الساحة وهل تشعر بالقلق ؟! أري خطرا بالتأكيد علي الثورة من فلول الحزب الوطني المنحل الذين اغتالوا مقدرات مصر ونهبوها وكانوا يمارسون سياسة تجريفها فقد نهبوا مليارات الجنيهات .. ولا أبالغ فنحن نحتاج إلي سنوات حتي نقضي علي هذه الفلول فهم كثيرون والمشكلة ليست في عشرات الأسماء المعلنة التي نعرفها جيدا لكنها في آلاف ممن يتبعونهم ومن مصلحة هؤلاء الا تنجح الثورة لانها ضد مصالحهم فحياتهم مرتبطة بالفساد! هل أنت مع ما يحدث الآن في الشارع المصري؟! بصراحة شديدة أنا ضد ما يحدث الآن ويجب الحذر من شيئين مهمين.. أن هناك انقساما واضحا بين ائتلافات الثوار وعليهم أن يتحدوا يدا واحدة فهذا الانقسام كارثة ثم إنه علي المجلس العسكري ان يتعامل بحزم وحسم مع الخارجين علي القانون وإعادة تنظيم البلاد والتعامل بشدة مع الفلول التي تستغل الظروف للانقضاض علي الثورة. والحمد لله انه يتم الان محاكمة الرئيس المخلوع ونجليه أمام القاضي الطبيعي وكذلك محاكمة العادلي ومساعديه فهذا بعث الطمأنينة في نفوس الناس وأن كل الفاسدين لن يفلتوا من العقاب. وكيف تري محاكمة مبارك ونجليه ورموز الفساد في عهده ؟! أري أن نفرق بين نوعين من المحاكمة.. هناك محاكمة اقتصادية علي تجريف مصر فهل هم علي استعداد لإعادة المليارات التي نهبوها إذا كان الأمر كذلك فيجب ان يوثقوا توكيلات للحكومة المصرية لاستعادة هذه الأموال وما يكتشف مستقبلا وما يصل إلي أحفادهم وهذا يكون من حق مصر.. أما المحاكمة السياسية فيجب ان نحاكمهم علي انهم أفسدوا مصر وزوروا الانتخابات وقهروا الشعب وأفسدوا الحياة السياسية والبرلمانية ووزعوا ثروة مصر علي أسرهم ومحاسيبهم وتابعيهم وتابعي التابعين! وعلي سبيل المثال يجب ان نحاكم فاروق حسني علي أشياء عديدة مثل الملايين المهدرة كل عام علي المهرجان التجريبي وسرقة المتاحف وسرقة لوحة زهرة الخشخاش ومهرجان القراءة للجميع والفيلم الخيبان الذي انتجته وزارة الثقافة »المسافر« وانفقت عليه 22 مليون جنيه ومكسوفين يعرضوه والملايين التي أنفقت علي حملة اليونسكو الفاشلة وسرقة الاثار ولعلنا لم ننس حتي الآن فضيحة خديجة لملوم مديرة مكتبه وحكاية الآثار المسروقة وإفساده الحياة الثقافية المصرية.. يجب ان يحاكم! ولكن الكسب غير المشروع حقق معه وأعلن براءته ؟! مع احترامي لهذا التحقيق كان فاروق حسني يبيع اللوحة بمبلغ 70 جنيها قبل ان يصبح وزيرا وبعد الوزارة أصبح يبيعها بمبلغ 700 ألف جنيه وهنا يجب ان نسأل أنفسنا من كان يشتري لوحاته بعد ان أصبح وزيرا فهو تربح من كونه وزيرا وليس رساما.. ففي معرضه الأخير اشتري نجيب ساويرس لوحة بمبلغ 300 ألف جنيه ومحمد أبو العنين لوحة بمبلغ 500 ألف جنيه فهل المبالغ المدفوعة كانت لكونه فنانا أم وزيرا؟! وخذ عندك أجهض المسرح فقد كان في مصر 12 فرقة مسرحية قطاع عام و27 فرقة قطاع خاص دمرها تماما ليستمر مسرحه التجريبي.. انظر معي للمسرح المصري وأسأل نفسك.. أين مسرح الدولة الآن وأين مسرح الثقافة الجماهيرية وأين مسرح السامر.. النظام السابق لم يكن يريد ثقافة وفكرا فقط كان يلهي الشعب بالكورة وفاروق حسني نفذ سياسة النظام وكسب الثمن ! وأين المثقفون من هذا كله ؟! بعضهم آثر السلامة واعتزل وبعضهم اشتراهم فاروق حسني بالسفريات ومنح التفرغ واللجان والاستشارات والمناصب وأدخلهم الحظيرة الثقافية وهناك نماذج نعرفها اختلفت معه ثم اشتراها بالمال الحرام .