الإسكان تتسلم جائزة عبداللطيف الحمد التنموية عن مشروع إنشاء منظومة مياه مصرف بحر البقر    وزير الري يشارك في جلسة "نحو نهج عالمي واحد للصحة" بمنتدى المياه.. صور    وزارة الدفاع الروسية تعلن استعادة السيطرة على قرية بالقرب من باخموت    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    لاعب الترجي: لدينا الخبرة والشباب لمواجهة الأهلي في القاهرة    ختام امتحانات الشهادة الإعدادية الأزهرية في معاهد شمال سيناء    عمر عبدالحليم مؤلف «السرب» ل«الشروق»: قدمنا عملًا فنيًا يوثق التاريخ دون تزييف    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    خبراء أمريكيون: تراجع حملة بايدن لجمع التبرعات عن منافسه ترامب خلال أبريل الماضى    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    سام مرسي يتوج بجائزة أفضل لاعب في «تشامبيونشيب»    هلا السعيد تكشف تفاصيل جديدة عن محاوله التحرش بها من سائق «أوبر»    رئيس لجنة الحكام يحضر مباراة الترسانة وحرس الحدود فى دورة الترقى    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    وزير التعليم العالي يبحث مع مدير «التايمز» تعزيز تصنيف الجامعات المصرية    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    صحيفة عبرية توضح عقوبة إسرائيل المنتظرة للدول الثلاث بعد اعترافهم ب«دولة فلسطينية مستقلة»    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    مصر والصين تتعاونان في تكنولوجيا الأقمار الصناعية    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    «جولدمان ساكس»: تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر ستصل إلى 33 مليار دولار    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    مصدر مصري رفيع المستوى: من الغريب استناد وسائل إعلام لمصادر مطلعة غير رسمية    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    مرفق الكهرباء ينشر ضوابط إستلام غرفة المحولات للمنشآت السكنية    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على طلبات أمريكية لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    جوميز: أحتاج 8 صفقات.. وأتمنى مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والوزير..
نشر في الوفد يوم 04 - 03 - 2011

(ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) الأنبياء 74
صرح وزير الثقافة الأستاذ فاروق حسني بأنه لا يحب مسرحي لأنه مسرح عابث وهذا حقه تماماً في أن يدلي برأيه في مسرحي، هذا الحق الذي كفله له الدستور والنظام الديمقراطي وهامش الحرية الذي نعيشه الآن، وأنا أتقبل هذا الرأي بصدر رحب وفكر مفتوح ومستعد لمناقشته وفتح أبواب الحوار معه أو مع من ينيبه عنه.. ولا جدال في أن الحوار سيكون بناء ومثمراً وربما تخرج من ثناياه أفكار جديدة تثري الحركة المسرحية وتضيف إليها.. وكنت أظن أني أملك مثله هذا الحق في أن أقيم تجربته الثقافية، وخاصة فيما يتعلق بالمسرح وأن أعلن مخالفتي لها ولمهرجانه التجريبي (مسرح الجسد).. ولكن خاب ظني فما إن بدأت أفعل منذ زمن مضي حتي تحول الحمل الوديع إلي وحش ضار ينهش في لحمي ويعاقبني بكل ما يملكه من أدوات العقاب وهي كثيرة وقاسية حتي وصل به الأمر إلي رغبته العارمة في هدم مسرح الفن وهو منبري الوحيد الذي أمتلكه لأعبر من خلاله عملياً عن فكري المسرحي (مسرح الكلمة) ولأناوئ به فكر السيد الوزير.
ولكن لندع الآن هذه القضية المطروحة حالياً أمام القضاء المصري العظيم ولنناقش آراءه في مسرحي..
أمّا أنه لا يحب مسرحي فهذا ما أستطيع فهمه بسهولة، أما أنه مسرح عابث فهذا ما لم أستطع أن أفهمه، ولذلك فقد أخرجت بعضاً من مراجعي المسرحية وبحثت فيها عن ذلك التصنيف الذي اخترعه وزير الثقافة تسمية لمسرحي بأنه مسرح »عابث« فلم أجد غير مسرح العبث الذي أسسه يونيسكو وبيكيت وجان جينيه وآداموف.. واستبعدت أن يكون معالي الوزير قد قصد هذا المعني العميق.. ثم رجعت إلي معاجم اللغة العربية وأخصها المنجد والمعجم الأساسي لاروس فوجدت أن الكلمة عبث تعني لعب، هزل، استخف، فهو »عابث«..
واستنتجت أن هذا هو المعني الذي يقصده الوزير في وصف مسرحي بأنه مسرح عابث: أي أنه مسرح اللعب والهزل والاستخفاف.. والحقيقة أنني لم أكن أعلم بأن معالي الوزير خفيف الظل إلي هذا الحد من الخفة.. فإذا كانت مسرحيات علي الرصيف وانقلاب الخديو والجنزير والمليم بأربعة ودستور يا اسيادنا وحودة كرامة ودنيا أراجوزات هي مسرح »عابث«، فماذا يمكن أن نسمي مسرحيات النمر ولواحظ ويا دنيا يا حرامي وغيرها كثير والتي هي من إنتاج وزارة الثقافة؟.. وماذا يمكن أيضاً أن نسمي عروض المسرح التجريبي الأجنبية والتي هي عري وجنس وجسد؟
وتستمر خفة ظل السيد الوزير حينما يصرح أيضاً بأنه لا يعرف من هو الشرقاوي فقد التقاني مرة أو مرتين في حياته..
وهذا عيب جسيم في حق وزير للثقافة، فكيف لا يعرف واحداً من فناني مصر الكبار بينما يعرفه كل فناني ومثقفي مصر وجمهور فيها ليس بالقليل، بل وفي العالم العربي، وقد حصل علي دروع وميداليات ذهبية وشهادات تقديرية من مصر والكويت ودول الخليج والجزائر، بل لقد شرف بحصوله علي جائزة الدولة التقديرية في الفنون من بلده مصر.
وعلي العموم فإذا كان الوزير لا يعرفني فأنا أعرفه، وأعرفه جيداً، ومنذ زمن بعيد.. أعرفه منذ أن كان يعمل في المكتب الثقافي المصري في باريس.. هل يتذكر معاليه ماذا كانت مهمته؟.. ثم أذكره عندما كان موظفاً بأكاديمية الفنون بروما وكانت تتبع آنذاك أكاديمية الفنون بالقاهرة التي كان يرأسها الدكتور رشاد رشدي يرحمه الله، وكان يزوره من حين لآخر عند وجوده بالقاهرة آملاً متوسلاً أن يمنحه منصب رئيس أكاديمية روما خلفاً للمرحوم الأستاذ صلاح كامل.. وفي مكتب الدكتور رشاد رشدي التقيت الأستاذ فاروق حسني للمرة الأولي عام 1980 وكنت أنا أحمل علي كتفي منصب عميد المعهد العالي للفنون المسرحية وكان هوه يحمل علي كتفيه بعضاً من الهدايا.. والعقيد عاصم محمود، مدير مكتب الدكتور رشاد، آنذاك، لايزال حياً يرزق ويشهد علي ذلك.. التقيته في المرة الثانية في مكتب الأستاذ حسين مهران، وكيل أول وزارة الثقافة، وكان الأستاذ حسين ينهره بعنف لدخوله عليه بلا استئذان ومن باب غير مسموح بالدخول منه.. ولم يمض علي هذه الواقعة شهران حتي تم تعيين الأستاذ فاروق وزيراً للثقافة، وكان أول قرار اتخذه أن نقل حسين مهران من وكيل أول وزارة الثقافة إلي وزارة الزراعة.. وكان حسين يشكو إلي همه في مرارة وهو يقول: يا أستاذ جلال بعد أن كنت أربي العقول أصبحت أربي العجول؟.. والأستاذ مهران لايزال والحمد لله حياً يرزق متعه الله بالصحة والعمر المديد.. ثم توالت لقاءاتي بعد ذلك بمعالي الوزير في مكتبه بشارع شجرة الدر عام 1988 عندما اختارني زملائي أعضاء النقابات الفنية الثلاث المعتصمين بمقر نقابة السينمائيين بشارع عدلي بشأن القانون 103 والذي أعقبه الإضراب عن الطعام لعرض طلباتنا علي وزير الثقافة الجديد آملين أن يستجيب لها وأن يتخذ من الإجراءات ما يكفل تحقيقها.. وللأسف الشديد فشلت المفاوضات وفشل الوزير الجديد في احتواء الأزمة.. وكان أن تدخل السيد الرئيس شخصياً من خلال الأستاذ مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة دار الهلال، آنذاك.. أذكر جيداً في لقائي الأخير بالسيد الوزير بخصوص هذا الموضوع أن أعطاني إقراراً من الأستاذ سعد الدين وهبة يتعهد فيه بعدم ترشيح نفسه رئيساً لاتحاد النقابات الفنية أو نقيباً للسينمائيين وكان هذا أحد شروط المعتصمين ثم قدم إلي مشروعاً للتصالح لم أستطع أن أقطع فيه برأي إلا بعد العودة إلي قيادات الاعتصام فطلب مني أن أعود إليه في اليوم التالي حاملاً رأيهم.. وللأسف فإن قادة الاعتصام وهم علي وجه التحديد المرحوم يوسف شاهين والمخرج توفيق صالح والمخرج محمد فاضل والمخرج مجدي محمد علي والدكتور حسين عبدالقادر لم يوافقوا علي مشروع الوزير، فوجدت أن العودة إلي موعده لا فائدة منه فأحجمت بعد حوالي شهرين من هذا اللقاء التقيت معالي الوزير مصادفة بدار الأوبرا في أحد الاحتفالات وفي الاستراحة صادفته أمامي فجأة وجهاً لوجه.. ابتسم واحتضنني في دفء شديد وأفاض علي وجنتي بقبلتين رقيقتين وبنظرة عاتبة قال: مش كان فيه ميعاد يا أستاذ جلال.. ماجيتش ليه؟.. والحق أنني تملكني الخجل فآثرت الصمت.. فأردف قائلاً وهو يربت علي ذراعي في رفق: آه يا هروبّة.. لعلني ما أتذكر هذه الكلمة حتي يومنا هذا أولاً لغرابتها وثانياً لصدورها عن رلج يعمل وزيراً للثقافة.. ثمة لقاء آخر له أهمية خاصة عندي، وكان ذلك عندما دعاني السيد الرئيس علي العشاء في قصر الجمهورية وفي ضيافته الرئيس علي عبدالله صالح تكريماً لي علي العرض الذي افتتحت به قاعة المؤتمرات بمناسبة أعياد النصر في السابع من أكتوبر عام 1989.. وكان الأستاذ صفوت الشريف، وزير الإعلام، آنذاك، هو الذي كلفني بذلك أمام احتفالات وزارة الثقافة للمناسبة نفسها، والتي قدمت عرضها علي المسرح نفسه في السادس من أكتوبر.. وكان السيد الرئيس قد حضر الاحتفالين، وحدد القدر ترتيبنا في الطابور الذي يؤدي إلي تحية الرئيسين قبل الدخول للعشاء بالأستاذ صفوت الشريف ثم أنا ثم الأستاذ فاروق حسني.. استوقفنا الرئيس قليلاً، وقال ملاطفاً موجهاً كلامه إلي فاروق حسني: عرض صفوت أفضل من عرضك يا فاروق.. برافوا يا جلال، ورد وزير الثقافة مباشرة وباعتزاز بالغ: الأستاذ جلال من وزارة الثقافة يا سيادة الريس.
وبالرغم من أن المرء نادرآً ما يلتقي بالوزير في مسرح ما إلا نادراً اللهم إلا إذا كان هناك احتفال بمهرجان يعلن عن افتتاحه ثم يولي هارباً، إلا أن الوزير قد شاهد لي مسرحيات ثلاث كنت بالضرورة في شرف استقباله هي انقلاب والخديو والجنزير.
وتوالت اللقاءات بعد ذلك أو قبل ذلك في مناسبات فنية مختلفة مثل مهرجان المسرح التجريبي ومهرجان القاهرة السينمائي ومحكي القلعة وحفلات العشاء وموائد الإفطار في رمضان المبارك.. وكانت هذه اللقاءات تتسم بالجفاء والبرود فقد ظهرت علامات الخلاف واضحة بين وجهتي نظر شديدتي التناقض إحداهما وجهته وهي تعشق الجسد والثانية وجهتي وهي تقدس الكلمة.
وتوالت مضايقاته وعقوباته فرفض ترشحي عضواً بلجنة المسرح بوزارة الثقافة بعد أن كنت أهم أعضائها، وكان المفروض رئاستها بعد ألفريد فرج وسعد أردش.. ووصل العقاب إلي ذروته عام 1995 عندما أصدر تعليماته إلي الرقابة علي المصنفات الفنية بسحب ترخيص مسرحية دستور يا اسيادنا وإغلاق مسرح الفن وفي اليوم ذاته حاصرت قوات الأمن المركزي المسرح وجاء اللواء مدير أمن القاهرة ومأمور قسم الأزبكية بنفسيهما لتنفيذ قرار المصادرة والغلق.. قامت الدنيا ولم تقعد.. كانت الفضائيات لم تظهر بعد وكانت الإذاعة هي النجم الساطع آنذاك وتوالت المكالمات علي المسرح من الB.B.C اللندنية ومن إذاعة مونت كارلو وإذاعة الشرق بباريس ومن إحدي جرائد طوكيو ومن إذاعة لبنان ومن إذاعة الكويت.. بل وأرسلت الB.B.C طاقماً فنياً مع كاميرا تليفزيونية لتصوير حوار معي ومع الأستاذ محمود الطوخي مؤلف المسرحية ومع أبطال العمل وقد تم هذا بالفعل وتمت إذاعته.. واستمر تليفون المسرح يدق حتي فجر اليوم التالي ونشرت جريدة الليبراسيون الفرنسية مقالاً عن المسرح وحادثة الإغلاق.. والتقيت معالي الوزير في مكتبه بشجرة الدر مع الفنان أحمد بدير.. ولم يكن ودوداً رقيقاً كما كان سابقاً.. لقد اشتد عوده في الوزارة وقويت شكيمته.
كانت مسرحية دستور يا أسيادنا تبدأ عندما صدّق مواطن مصري غلبان مانشيتات الصحف القومية التي أعلنت عن أن الترشح لرئاسة الجمهورية سيكون مكفولاً لكل مصري وأن الانتخاب سيكون بالاقتراع السري المباشر فرشح نفسه.. وتنتهي بأن يلبسه اثنان من الممرضين قميص المجانين ثم يذهبا به إلي مستشفي الأمراض النفسية والعقلية.. وهناك تأخذه الجلالة ويشكل حكومة ظل، وكان بالمستشفي مريضة نفسية كانت تعمل راقصة في كباريهات شارع الهرم فعهد إليها بوزارة الثقافة..
استقبلنا معالي الوزير ثائراً غاضباً: وزير الثقافة رقاصة يا أستاذ جلال.. أنا رقاصة يا أستاذ جلال، وأجبت علي الفور: حاشا لله يا معالي الوزير لقد ألغيت هذا المشهد تماماً. ويرد الوزير غاضباً لقد قرأته بنفسي.. وأجبت نعم هو موجود في نص المسرحية ولكني بعد عدة بروفات ترابيزة ألغيته تماماً ولم يظهر في العرض واعتبرته تزايداً وأنتي كلايمكس (مضاد للذروة أو رجوع عن الذروة).. وتكلم في التليفون يسأل، ومن الواضح أن الإجابة جاءت تؤكد كلامي فهدأ قليلاً.. ولكنه استأنف صائحاً: وماذا عن تقليد أحد الممثلين لرئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي، يرحمه الله وماذا عن التعريض بوزير الداخلية، بل وماذا عن التعريض بمكتب الرئاسة ذاتها.. و.. إلخ ودافعنا أنا وبدير عن نفسينا وعن المسرحية.. ولم يكن هناك مفر.. أمر سيادته بإعادة عرض المسرحية وإعادة فتح المسرح.. في العام التالي مباشرة أعلن عن قيام المهرجان القومي للمسرح المصري فتقدمت بالمسرحية ذاتها إلي هذه المسابقة وكانت لجنة التحكيم التي شكلها من كبار الكتاب والنقاد مجهولة ولا نعلم منهم أحداً.. كانوا يحضرون متفرقين علي مدار العام دون أن نشعر بهم أو نعلمهم ويشاهدون المسرحية كنقاد أو كتاب أو مهتمين عاديين بشئون المسرح.. أعلنت الصحف نتيجة المهرجان.. وكان من نصيب دستور يا أسيادنا أن فازت بجائزة أحسن عرض وأحسن مخرج وأحسن مؤلف، وما كان من معالي الوزير.. استمراراً لعقابه الذي لا ينتهي.. إلا أن ألغي النتيجة كلها بحجة أنها تسربت قبل أن تعلن رسمياً، بل لقد ألغي المهرجان والمسابقة نفسها، ولم تعد إلي الظهور إلا بعد إحدي عشرة سنة في عام 2007 وفي هذه السنة تقدمت أيضاً إلي المهرجان بمسرحية تاجر البندقية لشكسبير.. ولم أسلم أيضاً من عقابه فقد منحتني لجنة التحكيم الموقرة شهادة تقدير.. مجرد شهادة تقدير.. ربما من باب جبر الخاطر.. وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي التقيته فيها علي خشبة دار الأوبرا عندما صعدت إليها لأتسلم شهادة التقدير، موقناً بأنني سأصعد عدة مرات لتسلم جوائز أخري.
قابلني بابتسامة شامتة وتمتمت شفتاه كلمة مبروك.. وكان هذا هو لقائي الأخير معه اللهم إلا عبر حواراته اللذيذة عبر شاشات التليفزيون.. هل يتذكرني الآن السيد الوزير وهل يتذكر كم مرة التقيته؟؟
وتصل خفة دم الوزير إلي أقصاها عندما يصرح في حوارات ومواجهات مع الأستاذ يسري السيد في مجلة مصر المحروسة أحد مواقع الهيئة العامة لقصور الثقافة قائلاً: »مش جدعنة من الشرقاوي أن يجعلنا واجهة لمشاكله لأننا ناس طيبين، عايز يتخانق يتخانق مع الشرطة.. ومسرحه يلعب بمشاعر الجماهير وينتمي إلي أشباه النضال«، الوزير (الجدع) يتهمني بأنني مش جدع.. الوزير »المناضل« يتهمني بأنني أنتمي إلي أشباه النضال.. وإنني أتوجه إلي الوزير متوسلاً أن يعلمني أصول الجدعنة وأصول النضال.. هل من بينها أنه: هاجم الحجاب والمحجبات ثم تراجع عن هجومه أمام مجلس الشعب، أو أنه صرح لبعض النواب من الإخوان المسلمين بأنه يتعهد بحرق الكتب الإسرائيلية ثم عاد، استرضاء لإسرائيل حتي لا تقف حجر عثرة دون تحقيق نجاحه مديراً عاماً ليونسكو، فاعتذر عن التصريح في مقال نشره في جريدة »لوموند« الفرنسية، وقد أعلنت الخارجية الإسرائيلية قبول اعتذاره، أو أنه كان يصرخ دائماً بمنع التطبيع مع إسرائيل ثم يدعو الموسيقار الإسرائيلي دانيال بارنبويم إلي الأوبرا المصرية لكي يسترضي إسرائيل للغرض السابق نفسه.
أو أنه غير لائحة أكاديمية الفنون برمتها من أجل أن ينجح ثلاثة من الطلاب الراسبين من أصحاب الحظوة بمعهد السينما وبأثر رجعي.. أو أنه كان يعين لمعاونته في إدارة وزارة الثقافة اللصوص والمرتشين والسماسرة والمنافقين والمتسلقين والآكلين علي كل الموائد من أمثال سكرتيره الصحفي ومديرة مكتبه ومدير صندوق التنمية الثقافية ومدير قطاع الإنتاج الثقافي.
وبالرغم من خصومتي مع السيد الوزير إلا أن الحق أحق أن يتبع ولذلك فيجب أن أهنئه علي جرأته وشجاعته عندما اعترف بفشل تجربته المسرحية وفشل من توّجه ملكاً علي البيت الفني للمسرح فاستعان بالفنان القدير محمد صبحي ليعمل مستشاراً له لشئون المسرح وهي خطوة صائبة لا شك في ذلك.. ولكن الشيء المرير حقاً هو أن سيادته لم يكتشف هذه الحقيقية إلا بعد ثلاثة وعشرين عاماً من تربعه علي عرش وزارة الثقافة.. ولكن من يحاسب الوزير علي هذه السنين الضائعة من عمر الوطن؟؟ إنني أناشد السيد الوزير أن يتحري الدقة في تصريحاته وألا يصغي إلي الواشين والمغرضين والحاقدين والانتهازيين وهم للأسف كثيرون كثيرون من حوله.. لا تصغ إليهم يا سيادة وزير الثقافة لأنه لايزال عندي أخبار وحكايات وصور كثيرة.. وإن عدتم عدنا..
كل ما جاء بهذا المقال سبق أن نشرت فقراته كلها مجزأة في جرائد ومجلات مختلفة خلال عام 2010، وقد رأيت أن أجمعها في مقال واحد أخص به جريدة »الوفد« الأثيرة والعزيزة إلي قلبي..
والآن أيها الوزير السابق، لا شامتاً والعياذ بالله ولا متشفياً ولا مصفياً لحسابات، أرجو وأنت تمسك فرشاتك وأمامك ألوانك وأصباغك تلطخ بها ما تشاء أن تتذكر في معرضك المقبل، ماذا كان عليه معرضك السابق والجمع الغفير من زواره من النجوم ورجال الأعمال وكم لوحة بيعت يوم الافتتاح وبكم؟ لقد أعلنت بنفسك أن أحد كبار رجال الأعمال قد اشتري إحدي لوحاتك بثلاثمائة ألف جنيه وأنك شجعت آخر علي أن يشتري لوحة أخري بخمسمائة ألف جنيه ثم داعبته قائلاً: »مش خسارة.. بكرة تبيعها بمليون واتنين.. أرجو أن تخبرني في معرضك القادم (إن كان لنا عمر إن شاء الله) كم زائراً سيزوره وعدد اللوحات المباعة وبكم ستباع الواحدة.. وقارن بين المعرضين السابق واللاحق لتعلم أن المنافقين لم يكونوا يشترون لوحات الوزير بل كانوا يشترون الوزير.. أو ليس هذا هو التربح بعينه؟؟؟.. تأمل الآن وقد انفض من حولك المنافقون والمتسلقون والانتهازيون وأصحاب المصالح الذين كانوا يزمرون لك ويطبلون وينحنون لك ويركعون ويحملون لك المباخر ويهللون من أجل مكسب تافه أو منفعة زائلة.. تأمل بحكمة وروية، إذا كان الله قد وهبك بعضاً منها، وفتش داخل نفسك عن ضميرك عساه يكون موجوداً لتحسب كم ظلمت وافتريت؟ وكم آذيت وأفسدت؟ وكم أسأت وفسقت؟ فصلّ لله واسجد له معترفاً تائباً مستغفراً عسي أن يغفر لك وأن يتوب عليك.. إنه هو الله الرحمن الرحيم التواب الغفور.. سبحانك اللهم »مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير«، صدق الله العظيم آل عمران 26


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.