الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    انفوجراف.. توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب    نقيب الفلاحين يحذر: سعر الثوم يصل ل 150 جنيها في تلك الحالة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تنفيذ 50 غارة جوية على رفح    سنؤذيك.. أمريكا تهدد المدعي العام للجنائية الدولية    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قرار مفاجئ.. فرج عامر يعلق على لقطة طرد حسام حسن بمباراة الزمالك    بيزود الشك.. نجم الزمالك السابق يفتح النار على حكم مباراة سموحة    احتفالاً ب شم النسيم.. إقبال كبير على حديقة صنعاء في كفر الشيخ|صور    أثناء زفة عروسين .. إصابة 5 أشخاص بينهم 3 أشقاء فى حادث تصادم بقنا    فيفو تكشف موعد إطلاق هاتفها المميز Vivo X100 Ultra    تصريح خاص ل "صدى البلد" .. بلال صبري يعلن أسباب توقف فيلم نور الريس    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    محمد عدوية يشعل حفل أعياد الربيع في المنوفية    صالة التحرير ترصد معاناة سيدة من مرض سرطان العظام والصحة تستجيب    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    خالد الغندور: علي معلول ليس نجما في تونس.. وصنع تاريخا مع الأهلي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    ميدو يوجه رسالة إلى إدارة الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
محفوظ في باريس
نشر في الأخبار يوم 27 - 12 - 2011

رغم أنني أعرف استحالة بقاء الاشياء علي ماهي عليه إلا أنني أفاجأ بالتغيير في الاماكن التي ابتعدت عنها قدراً من الزمن.. محال ان يبقي شئ كما هو.
يمكن القول إن حضور نجيب محفوظ في باريس خلال الاحتفال بمئويته فاق ما تصورته وفاض بالدلالات الرمزية، عميقة المعني، فبعد أيام قليلة من هجوم رخيص شنه شخص - ويا للمفارقة - يحمل درجة دكتوراه، وينتمي إلي حزب يسمي نفسه النور وسياسته تجاه الفن والثقافة تطفيء كل شعلة ضوء، وهذا من عجائب مصر ونوادرها في ذلك الزمن، بعد وصفه بكاتب المخدرات والعاهرات حلت مئوية ميلاده، والحق أن الرد في احتفال مصر بابنها العظيم تضمن رداً علي الهجوم البذئ الذي جري غير أن الاحتفال الذي شاركت فيه تضمن محطات هامة تجسد منزلة محفوظ في العالم، في مصر، في ذاكرة الانسانية. ورغم أن الكاتب العبقري لم يزر باريس، إلا أن المدينة التي يتم من خلالها تقديم كبار أدباء العالم حتي الآن، وكأنها كشافة المواهب، كان لها صلة خاصة بمحفوظ. في صدر شبابه وبعد تخرجه، تقدم إلي منحة أعلنت عنها الجامعة للسفر الي فرنسا ونيل درجة الدكتوراه، لكنه لم يحصل علي المنحة لسبب غريب، كان بين المتقدمين مسلمون وأقباط. وحدث ان اثنين من الاقباط حصلا علي المنحة. نجيب محفوظ اسم مركب يوحي أن صاحبه قبطي، رأت اللجنة الاكتفاء باثنين، بالطبع هذا مقياس متخلف، المفروض ان يرسل الطالب علي المنحة لكفاءته العلمية، والا يكون دينه أو لونه سبباً في قبوله أو حرمانه، غير أن هذا ما جري. بالطبع لا يصح لفظ (لو) في التاريخ، لا التاريخ الشخصي ولا العام، أي لا يمكن القول لو أن نجيب محفوظ سافر الي باريس لجري ذلك وذلك. ما وقع وقع، ولا مجال لتغيير المصائر. غير أن القدر يشاء أن يكون أول غربي يقدم أدبه فرنسياً، إنه الأب جاك جومييه الراهب الدومنيكاني والباحث الشهير، أقام سنوات طويلة في مصر نزيلاً في الدير الذي كان يقوم علي أطرافها والآن يقع في قلبها بجوار مصلحة المرور بالدراسة، وبالقرب من ميدان الجيش حيث كان مقهي عرابي الذي لعب دوراً كبيراً في حياة محفوظ. اذ كان مقراً للقاء اصدقاء الطفولة الذين كان يتبسط معهم ومنه استوحي روايتين، »السراب« والتي كادت تفقده حياته إذ همس أحد أفراد الشلة في أذن زميل لمحفوظ قائلاً إنه كتب عنه رواية يصوره معقداً نفسياً وشديد التعلق بأمه ، عندئذ ذهب الزميل القديم واقتني مسدساً قرر أن يثأر به من محفوظ، واضطر الأديب الكبير الي الاختفاء عن العيون لمدة ستة شهور حتي قام بعض اولاد الحلال بالوساطة واقتنع زميل الدراسة أنه ليس المقصود، وعادت أيام الخميس تصدح بضحكات محفوظ وصحبه التي عرفتها منذ الستينيات منذ أن دعاني لحضور امسيات الصداقات الحميمة، الاب جاك جوميه اكتشف محفوظ بالصدفه عند مروره بمقهي عرابي، تعرف اليه منذ الاربعينيات ونشأت بينهما صداقة حميمة، وقد التقيت به في الستينيات. دعاني إلي زيارة الدير الذي كان يرأسه الأب جورج قنواتي وهو من كبار الدارسين للثقافة العربية وله انتاج علمي غزير، اما الاب جومييه فقد قرأ لي رسالته البديعة عن (المحمل).
كنت ازوره اسبوعياً وأقضي ساعات في المكتبة الفريدة للدير التي تضم نفائس شتي ومراجع نادرة، وقد قمت بعرض هذه الرسالة التي لم تترجم بعد الي اللغة العربية في مجلة آخر ساعة عام تسعة وستين لإعجابي بها، وله كتاب آخر عن خطبة الجمعة في الاسلام لم يترجم أيضاً إلي اللغة العربية، ومنذ عامين زرته في معزله بمدينة تولوز وأجريت معه حواراً طويلاً نشر في »اخبار الادب« وبعد شهور من لقائي به رحل عن عالمنا. الاب جاك جومييه أول من كتب عن محفوظ، قدم الثلاثية في دراسة جميلة بادر السحار إلي طبعها في مكتبة مصر.
وظهرت في كتيب صغير، وكانت أول رؤية غربية لأدب محفوظ. الناشر الفرنسي بيير برنارد مؤسس دار سندباد أول من قدم نجيب محفوظ إلي القاريء الغربي، كان ذلك في بداية السبعينيات عندما نشر رواية اللص والكلاب من ترجمة خالد عثمان، ورواية زقاق المدق، في الثمانينيات ترجمت الثلاثية وصدرت بدعم من معهد العالم العربي ضمن مشروع تبناه صديقنا السوري بدر الدين عرودكي نائب المدير الان، وقدمت جريدة لوموند للرواية بعنوان »ملك الرواية«، كان ذلك مقدمة الترشيح الي نوبل والذي لعب فيه الاساتذة الفرنسيون دوراً هاماً، أذكر منهم الاساتذة جاك بيرك وجمال الدين بن شيخ والدكتور أندريه ميكائيل -أطال الله عمره- ظل لفرنسا خصوصية في مسيرة محفوظ رغم انه لم يزرها، ولم ينزل ديارها، بعد ان لزم القاهرة، وفي عام 8891 قلده السفير الفرنسي أرفع وسام فرنسي، اللجيون دينور، والآن نقرأ أعماله في السلاسل الكلاسيكية التي تنشر ادب بلزاك ودستويفسكي وتولستوي، تلك مقدمة سريعة عن منزلة محفوظ في فرنسا، وصلته بها.
الرفيق قبل الطريق
برفقة الصديق الحميم لبيب السباعي. والشاعر الكبير، صنو العمر والدرب سيد حجاب ، سافرنا إلي باريس بترتيب بين المكتب الثقافي المصري بالسفارة الذي تقوده سيدة رائعة، الدكتورة أمل الصبان التي حلت مكان خير سلف، الدكتورة كاميليا صبح، ويبدو أن الموقع محظوظ باختيار من يديره، وقد شاهدت علي مدي عدة سنوات الجهد الذي بذلته الدكتورة كاميليا والتي تتولي الآن أمانة المجلس الاعلي للثقافة، بعد أن اختارها الوزير شاكر عبد الحميد، اما أمل الصبان استاذة اللغة الفرنسية وآدابها والمثقفة المستوعبة لتراث أمتها وللأدب الغربي، فهي شعلة من النشاط والذكاء، تقود فريق عمل محدود العدد، عميق التأثير.
في اليوم التالي لوصولي، استيقظت مبكراً، لان رسالة علمية تقدم بها الباحث التونسي، عبد العزيز ابو بكر لنيل درجة دكتوراه الدولة حول روايتي »كتاب التجليات« استغرق عمله فيها سبع سنوات، تكونت لجنة المناقشة من خمسة اساتذة يمتون الي مختلف الجامعات الفرنسية، يرأسها الاستاذ لوك ديفالس وهو اكتشاف هذه الرحلة بالنسبة لي، ليس لإتقانه الفذ اللغة العربية، إنما للرؤي الجديدة التي يفسر بها الأعمال، استغرقت المناقشة يوماً كاملاً في معهد (الاينالكو) التابع لجامعة السوربون، ويقع مقره قرب المكتبة الوطنية الحديثة التي أنشأها الرئيس فرانسوا ميتران ذو الرؤية الثقافية الثاقبة، وكان أحد مرتكزاتها علاقته بالثقافة المصرية القديمة والحديثة، ومما أشرف به رسائله التي كتبها بخط يده وفيها يبدي رأيه في روايتين صدرتا باللغة الفرنسية في الثمانينيات، (الزيني بركات) و (رسالة البصائر في المصائر)، لقد أنشأ سبعة مشاريع ثقافية كبري في المناطق المهملة من باريس، منها متحف الموسيقي وهو من المتاحف الفريدة في العالم. يتسلم الزائر سماعات الكترونية ويقف امام الآلة التي يرغب سماعها في دائرة معينة وسرعان ما تأتيه انغام البيانو أو الناي كأنه أداء حي، يمكن سماع أصوات الآلات التي انقرضت من الحضارات المختلفة، صينية ومصرية وهندية وأفريقية وغيرها، وعلي مقربة منه مدينة العلوم، وفي ميدان الباستيل أوبرا باريس الحديثة، هذه المؤسسات الثقافية اضفت حيوية علي المدينة. نتيجة الإقبال عليها. هنا يجري ربط المتحف بالتعليم، يتدفق الزائرون وتوضع برامج الزيارة علي قوائم الشركات السياحية، في القاهرة متاحف عظيمة المضمون لكنها مهجورة، مثل متحف الخزف في الزمالك الذي انشأه الوزير الأسبق الفنان فاروق حسني.
خرجت من المعهد في الرابعة بعد الظهر، اتجهت الي الحي اللاتيني حيث أقيم.
فيصل غائب
منذ سنوات طويلة أنزل هذا الفندق الصغير الذي يشغل زاوية تطل علي شارعين عتيقين ، عند دعوتي من أي جهة في باريس أطلب الحجز في الفندق العتيق القريب من الاوديون، نفس الحجرة، أو شقة صغيرة تقع في مبني مجاور يؤجرها فيصل مرزوق صاحب الفندق، أحياناً تبدي بعض الجهات دهشتها إذ يتم الحجز لي في فنادق فاخرة في الشانزلزيه، لكنني أشترط هذا الفندق الصغير والذي يقوم فيصل بتدبير إقامتي أيا كان الوضع، يكفي أن أقول له عن موعد وصولي. حتي يوفر مكان إقامتي علي الفور، وإذا كان مشغولاً يدبر لمن يقيم به مكاناً آخر ويقول له »أخي سيصل من مصر وهذا مكانه«.
للاسف لم أجد فيصل، سافر إلي تونس، والده مريض جداً ولابد أن يكون إلي جواره، إنني اخفف التعبير، إذ أنه يحتضر، العم حسن مرزوق من المجاهدين القدامي لتونس، وقد دون كفاحه من أجل الديمقراطية في كتاب سأعرض له في هذه اليوميات، ينوب عن فيصل في الفندق شاب من صحبه لا أعرف اسمه الحقيقي لكننا نطلق عليه »شكسبير« بدا حزيناً. فالعم حسن في خطر وفيصل إلي جواره، بدأ عندي فراغ، لم يحدث قط انني غبت عن مكان وعدت إليه إلا ووجدت تغيراً ما، لا يبقي شيء علي حاله، لا بد من تبدل، ورغم يقيني هذا إلا أنني أفاجأ بما يقع وكأنني أجهل حتمية التغيير مع انني عشت من التجارب ما يجعلني أتوقعه وأعتاده، افتقدت صحبة فيصل وجولاتنا الليلية بعد ان يفرغ من عمله، افقدت رقته وحضوره، وشعوري بالأمان خاصة أنني بمفردي ولو شعرت بطاريء ما أو داهمني عارض صحي فسأجد من يساعدني في شخصه، أطلب منه الا يغلق هاتفه المحمول ليلا، جميع من أعرفهم يرد عنهم »الانسر ماشين« ظاهرة الحظها في أوروبا والولايات المتحدة، الكل يختبيء خلف آلة التسجيل، وقد يتصل بعد حين أو لا يتصل، الفندق عالم بنزلائه وقصصهم وعلاقاتهم. ومنه وقفت علي تفاصيل لا حصر لها، يومياً اتصل به في قابس بتونس، أحيانا يرد، وأحياناً أترك له رسالة، لقد ألقي غيابه ظلاً.
في المركز الثقافي
يقع المركز الثقافي المصري في سان ميشيل، قلب الحي اللاتيني، ويتكون من صالة تخترقها أعمدة تحجب الرؤية عن الجالسين في الخلف. وعلي امتداد ثلاثين عاماً وربما اكثر شاركت في انشطة عديدة. الليلة افتتاح ايام محفوظ، بدأها لبيب السباعي بازاحة الستار عن معرض الصور الخاصة بأرشيف الأهرام، أقدمها يمت الي الخمسينيات، نفس الملامح التي عرفته بها عام تسعة وخمسين، صور عديدة من الحفل الذي أقامه الاستاذ هيكل بمناسبة بلوغه الخمسين، تحدث لبيب السباعي عن أيام محفوظ في الاهرام، عن الكتاب الكبار الآخرين، عن الطابق السادس، كان الاستاذ هيكل يضع الأدباء الكبار في مكانة خاصة، كان مكتبه في الرابع، وإذا أراد شيئا ما من الحكيم أو محفوظ أو أحد الكبار الذين خصص لهم هذا الطابق يصعد هو إليهم، والحقيقة إن دوره يتجاوز الرعاية الي الحماية. فبفضل علاقته الشخصية بجمال عبد الناصر وقربه استطاع ان يوفر مناخاً من الحرية طوال الستينيات في ظله أبدع محفوظ والحكيم وادريس والآخرون بدون خشية من المصادرة أو المحاسبة، هكذا ظهرت أعمال نقدية حادة لمحفوظ، بدأ بأولاد حارتنا التي ماتزال تثير جدلاً، وعندما شعر الاستاذ هيكل أن ردود فعل سلبية قد بدأت في الظهور من جانب بعض المشايخ حتي بادر الي الاسراع بنشر ما تبقي وتظل »أولاد حارتنا« التي نشرت في الأهرام مسلسلة من أكمل النصوص وأتمها، فالنسخة المنشورة في بيروت »حذف منها بعض الفقرات. إن اعمالا مثل ميرامار وثرثرة فوق النيل، واللص والكلاب، والقصص القصيرة الرائعة، ما كان ممكنا أن تنشر في ظل الرقيب الستيني لولا حضور الاستاذ هيكل في الحياة الصحفية والثقافية، والدور الثقافي للأهرام لم يدرس بعد، صور محفوظ معلقة حتي الان في المركز، شاعرنا سيد حجاب قدم امسية ازدحمت بالمصريين والفرنسيين، وفي الليلة الأخيرة تحدثت عن رفقة محفوظ حوالي نصف قرن، في المركز مدير مصري اسمه محمود اسماعيل، والي جانب نشاطه فإنه يتمتع بذاكرة لم أعرف مثلها، يصغي إلي من يتحدث بغض النظر عن المدة ثم يبدأ ترجمة ما قيل بدون العودة الي أي تدوين ولا يغفل كلمة واحدة.
محفوظ في الواجهة
المكتبات الكبري في باريس خصصت جزءا من فتارينها لعرض اعمال محفوظ في اسبوع المئوية. الروايات الكبري، الثلاثية والحرافيش تتصدر السلاسل التي تنشر الاثار الكلاسيكية الكبري، كان اسبوعاً حافلاً. لابد من تحية الذين نظموه خاصة الدكتورة امل الصبان المستشارة الثقافية. والمسئول عن العلاقات الثقافية الخارجية حسام نصار والعديد من الزملاء والعاملين في وزارة الثقافة، والمكتب الثقافي الذي يشغل طابقاً كاملاً في مبني السفارة المصرية التاريخي والذي يعكس مع غيره رساخة الدولة المصرية منذ عهد محمد علي وحتي عام سبعة وستين، خلال السنوات الاخيرة تم ترميم المبني خلال سفارة ناصر كامل الذي يستعد للعودة إلي القاهرة بعد شهور، وهو من أكفأ السفراء بالخارجية المصرية، أصبح الطابق الخاص بالقسم الثقافي كأنه متحف صغير بما فيه من نماذج للفن المصري، وحسن التنسيق، والمجلدات النادرة للكتب القديمة.
لقاء في بلفيل
داليا حسن مصرية من الاسكندرية هاجرت إلي فرنسا منذ عدة سنوات وتعمل مع مؤسسات ثقافية فرنسية لتقديم الادب العربي عامة، والمصري خاصة. وتتولي أعمال التنسيق في واحد من أهم مهرجانات فرنسا الثقافية، المارثون الادبي الذي يعقد في تولوز عندما أبلغتني بدعوة المصريين المنخرطين في جمعية 52 يناير والتي تعقد اجتماعاتها الدورية في مقهي بالحي الشعبي (بلفيل) رحبت علي الفور وألغيت ارتباطاتي كافة، طبعاً الاوضاع الحالية فرضت نفسها. وانعكس ذلك علي النقاش الحاد الذي جري فيه اتفاق واختلاف، غير أنني شعرت بما يعتمل في النفوس، القلق الشديد علي الوطن الذي اضطروا الي مفارقته، ورغبتهم في المشاركة بالمواقف والمؤازرة للثورة وللثوار، تلك امسية لا تنسي بكل ما حوت. وانني لاعتز بما امضيته من وقت ثمين بصحبتهم، اما مشاكلهم مع التصويت في الانتخابات فسوف اشرحها بالتفصيل في عمودي اليومي »عبور«.
من ديوان النثر العربي
قال نجيب محفوظ في ختام خطابه امام لجنة نوبل.
سادتي:
رغم كل ما يجري حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتي النهاية، لا أقول مع الفيلسوف كانت إن الخير سينتصر في العالم الاخر، فإنه يحرز نصراً كل يوم، بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير، وأمامنا الدليل الذي لا يجُحد، فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذم من البشر الهائمة علي وجهها عرضة للوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والانانية. اقول لولا النصر الغالب للخير ما استطاعت البشرية أن تنمو وتتكاثر وتكون الامم وتكشف وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الانسان، غاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت وأن الانسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره، وقد صدق شاعرنا ابوالعلاء عندما قال:
إن حزناً في ساعة الموت أصفا.
ف سرور في ساعة الميلاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.