مازلت أبكي دماً بعد أن جفت الدموع واعتصر حزناً وحسرة علي ما فقدته مصر مؤخرا بأيدي الجهلة الذين دمروا رمزا تاريخيا ومرجعا علميا لتاريخ مصر ممثلا في مبني المجمع العلمي بالتحرير ففقدنا أعز وأهم ما نملك من وثائق نادرة ودراسات تاريخية وبذلك نكون قد فقدنا الأصل وتبقي لنا الغبار والتراب والدمار لا يمكن أن ننكر ما قامت به ثورة 52 يناير بشبابها الواعي المثقف فحركت المياه الراكدة لإنهاء حالة التخلف والفساد الذي عانت منه البلاد واستلهمنا منهم مستقبلا زاهرا واستمعنا لصوت شبابنا المثقف والواعي وبدأت حركة التطوير والتحديث تفتح الطريق لتشكيل المجالس النيابية بانتخابات نزيهة وشريفة لم يعهدها المصريون من قبل وبدأت البلاد تتحرك نحو ديمقراطية سلمية تمناها شعب مصر الوفي خلال القرن الماضي وبداية القرن الحالي.. وكم فقدت مصر من أبنائها الشرفاء والناضلين الأوفياء لإقامة دولة حديثة تتمتع بحكم حر شريف أصبحنا علي أعتابه.. فيفاجأ الشعب بفجيعة كبري بقيام بعض الصبية والعاطلين والمأجورين بإحراق تاريخ مصر ممثلا في هذا الصرح الذي يضم الآلاف من الوثائق المهمة المليئة بتاريخها المجيد والتي بفقدها كمن فقد قصة حياته وكمن خلع ثيابه في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء فأصبح يتيما بلا أم ولا أب.. ومن الطبيعي أن هؤلاء الغوغائيين لا يعلمون بالتأكيد القيمة التاريخية والعلمية والأدبية لهذا الصرح الذي يستقي منه علماؤنا وعلماء العالم تاريخ مصر وكفاحها ونضالها عبر الزمان.. كما حرم كبار المفكرين والأدباء من نبع مليء بالمعلومات التاريخية والأدبية والعلمية ذات الأهمية الكبري للدراسات الجامعية والتخصصية وما بعدها.. ان الحزن يملأ القلب والدموع تملأ العين ويعجز اللسان عن النطق كما يتعثر القلم عن وصف ما جري وتأثيره علي مستقبل تاريخ مصر.. انه أمر غاية في الفظاعة ولا يقدره جيدا سوي العالمين بأهميته.. وإنني لعلي ثقة بأن هولاء الخونة الذين دمروا وأحرقوا هذا الصرح لا يعلمون قيمة ما حطموه ولكن من دفعهم لذلك فبالتأكيد يعلم قيمته جيدا وأراد بفعلته هذه أن يحرق قلوب كل المصريين المثقفين والعاملين في مجال الفكر والتأريخ.. ويبقي علي أجهزة البحث والتحري ان تصل لمعرفة المحرضين والفاعلين الأصليين لتقتص العدالة منهم حتي يشفي غليل شعب وشباب مصر الوفي وليكون عبرة لتلك الزمرة التي تتمني القضاء علي مصر وتاريخها ولكن هيهات.. فشعب مصر سيسعي إلي الحصول علي الكثير من صور أو نسخ الوثائق ومصر ولادة فكم في تاريخها القديم من انتكاسات عبرها بسلام وبني مجدها وأضاف إلي حضارتها وعادة ما تستعيد مكانتها بين العالم وتاريخها مليء بتلك الفترات الصعبة التي كان يطلق عليها فترات الاضمحلال ولكن سرعان ما كان يهب الشعب في وقفة واحدة يفك القيد ويعيد لمصر كرامتها وعزتها بل ويضيف إلي تاريخها المزيد من الأمجاد.. فلنتحد جميعا ولنعبر الأزمة التي نعيشها الآن بخطي واثقة مؤمنين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. فلنحسن عملنا ونؤدي واجبنا نحو الوطن لنبني مصر الحديثة مصر الواعدة مصر التاريخ مصر الحضارة مصر الأمل مصر 52 يناير مصر الشباب الواعي والمستنير.