في بداياتي الصحفية وانا اعمل في مجلة »صباح الخير« كان من حسن حظي ان التقيت بهم مرتين وكان من عادتهم الجلوس في مقهي »البلعزي« بالقرب من ميدان محطة مصر بالاسكندرية، كانوا يقيمون فيها ندوة اسبوعية كل يوم ثلاثاء تنشرها لهم علي صفحاتها مجلة »البعكوكة« في سالف العصر حيث كانت تفرد لها اربع صفحات كاملة تنشرها تحت عنوان »المعركة الزجلية« التي كانت اشبه ب »سوق عكاظ« القديم حيث يتباري كل منهم لان يقول في الاخر شعرا او زجلا سواء بالمديح او الهجاء بأسلوب شعبي بسيط حتي يسهل علي المستمعين او القراء استيعاب مدلوله وحفظ ابياته!.. من ضمن هؤلاء الزجالين كان »أبو فراج« زعيم زجالي الاسكندرية وهو اللقب الذي منحه له محمود عزت المفتي صاحب البعكوكة، الي جانب أبوفراج تجد فؤاد قاعود مع شقيقه أمين قاعود والأسطي »النجار« الحاج محمد عبدالهادي فكري ب »الطربوش« علي رأسه في وضع مائل الي الخلف والجبهة المقطبة جدا حتي يوحي لك بأنه إذا كان هناك »زعيم« للزجل فهو بلاشك انه »امير« الزجالين وايضا كامل حسني »الطالب ايامها بكلية الحقوق« والذي ينادي بان الثقافة والادب لابد ان يوجها للشعب باللغة العامية التي يتحدث بها معظمه وفي هذه الحالة يصبح »الزجل« اجدي بكثير من اشعار احمد شوقي وحافظ ابراهيم بل وعمهم الحلاج المتصوف العربي شخصيا!.. وسوف تتعجب لعظمة الخالق اذا ما نظرت الي الجالس بجوار كامل حسني وهو الزجال محمود الكمشوشي لكونه صورة طبق الاصل من توت عنخ آمون بل كثيرا اذا ما حدقت فيه لتظن انه توت عنخ آمون الاصلي والآخر الذي في المتحف ما هو الا تقليد!.. الي جانب الكمشوشي ستجد الاسطي »الحلاق« وهي مهنته الاصلية سيد عقل الذي غطت الابتسامة ملامح وجهه بالكامل عندما تأهب للوقوف لالقاء زجل من تأليفه وعلقت قائلا قبل ان يبدأ »نعيما مقدما«!.. الي جانب سيد عقل يجلس الاسطي رزق حسن »صاحب صالون حلاقة ايضا« وقد جلس قبالتي يلوك في فمه شيئا لا اعرف ان كان قطعة لبان او قطعة عسلية وان كانت لها رائحة تخرج من فمه اشبه برائحة العنبر!.. وايضا الزجال حامد الاطمس الذي جاء من دمنهور الي الاسكندرية لحضور الندوة يرتدي جلبابا وفوق الجلباب بالطو قديم تزينه كوفيه حمراء ملتفة حول الرقبة!. وزجالون آخرون حيدر محمود امام واحمد الحضراء والصول بموسيقات الجيش محمود اسماعيل جاد الذي اشتهر بصراحته في قول الحق الذي لا يرجو به مرضاة احد الا وجه الله وحده والذي قام ليدلي يومها بشهادته عن مصطفي الطائر »شاعر البؤس موديل عام 86« العام الذي كانت تجتمع فيه الشلة ووصفه بأنه اعظم الف مرة من البحتري والمعري وامريء القيس صاحب »مكر مفر مقبل مدبر معا.. كجلمود صخر حطه السيل من عل« ليصرخ فينا بصوته حضرة الصول محمود اسماعيل جاد »مكر مفر« ايه يا عم انت وهو.. ما فيش احلي من مصطفي الطائر اسمع بيقول ايه... مجروح يا ناس من العملة وشكلها اللامع والرزق لما اطلبه يعمل لي مش سامع يا رازق الكلب ارزقني برزق حلال احسن ودين النبي اسرق من الجامع ما علينا فلكل واحد من هولاء حديث آخر قد يطول شرحه في حلقات قادمة بإذن الله حتي ندع المساحة المتبقية لنشر ما استمعنا اليه يومها في مباراة زجلية جميلة كان هدفها المبارزة بفن ومعلمة وحب ولا شيء آخر.. قال الحاج محمد عبدالهادي فكري يهاجم بعض من سبق ان هاجموه في ندوة سابقة مبتدئا بقوله عن اسماعيل محمود جاد.. يا تقالتك لما تعمل يوم خفيف.. يا فصاحتك بس في القول السخيف.. انت قصدك يعني بتأوز علي.. شفت قولك والتقيته مش لطيف.. ايه جري لعقلك يا واد يا ابن اسماعيل.. ليه كلامك زي دمك كان تقيل؟!.. يستحيل قدامي راح تعرف تنكت.. انت مش زجال وعارفينك دخيل!.. ثم يعود الحاج فكري ليصب جام »ازجاله« علي ابو فراج ورزق حسن والسيد عقل وكامل حسني وبقية الشلة التعبانة- علي حد قوله- والتي كانت تجلس معه في المقهي المقام به الندوة »يا عيال الفن لو حتكونوا ميه.. ولا اكتر مش كتير ابدا عليه.. الهجاء من صغر سني خدته غيه.. الزعيم من غير زعامة كان امير.. والزعامة والامارة مش كتير.. روقونا ياللي غاويين النعير«!.. بعدها انبري رزق حسن ليقول ردا علي ما قاله الحاج فكري »الحاج فكري عمايله تكيد مع انه بليد.. لاعاجبه زيد ولا حتي عبيد ويؤم الناس.. ويقول فلان عامل زجال بلا لعب عيال.. لو كان جدع يكتب موال مضبوط يتقاس«!.. ثم اعتلي المنبر او »ترابيزة المقهي« كامل حسني مدافعا عن نفسه قائلا للحاج فكري »وصفت حالتك وصف توه العقول.. وكل واحد من تاريخك خجول.. خمس سنين باكتب وقلمي مهول.. وانت ورا »البرفان« بتكتب دجل.. ولسه برضه جاي راجع تقول.. قولوا لي كامل حسني مين في الزجل.. يا اخي لا مؤاخذة »..........«!.. ولم ينطق طبعا بالكلمة الاخيرة التي اختتم بها زجله وان كان الجمع من الحاضرين قد فهم معناها!.. عليهم جميعا الحاج فكري وعم سيد عقل والاسطي رزق حسن والصول جاد وكامل حسني والكمشوشي وفؤاد قاعود وشقيقه امين.. عليهم جميعا السلام والرحمة. لمن مازال علي قيد الحياة.. ولمن رحل.. بجسده وبقي فنه يسعدنا!..