لما شب إسماعيل عليه السلام وكان قد تزوج وعاش مع زوجته باليمن، رأي ابراهيم عليه السلام في نومه انه يذبح ولده ورؤيا الانبياء حق واحلامهم صدق. انها محنة شيخ كبير عاش حياته يأمل الولد حتي بلغ من الكبر عتيا، فيرزقه الله بغلام وحيد، قرت به عينه.. ثم امره الله ان يسكنه بواد، غير ذي زرع، ويتركه وامه في مكان قفر، ليس به حسيس ولا أنيس. امتثل نبي الله ابراهيم لأمر به ثقة بالله، وايمانا به وطاعة لامره، فجعل الله للولد وامه من ضيقهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان. ثم يؤمر بذبح هذا الولد.. انها محنة ما بعدها محنة، وفتنة إثر فتنة.. الا أن قدر إبراهيم علا علوا كبيرا بعد أن كمل إيمانه بطاعة ربه.. استجاب لربه، وسارع الي طاعته، وأرتحل حتي لقي إبنه، وألقي اليه بتلك الرغبة التي تدك الجبال، وتنزع القلوب من الصدور قال: يا بني، إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري؟ بادر الغلام -اسماعيل عليه السلام- وأسرع الي الاجابة، فقال يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين. إنه بر عظيم، وتوفيق من الله، وإيمان وثيق، ونفس راضية بما أراد الله وقدّر.. أراد الغلام أن يخفف عن ابيه لوعة فقد الولد، ويرشده الي أقرب السبل لذلك، فقال: يا أبت أشدد وثاقي وأحكم رباطي حتي لا أضطرب، واكشف عني ثيابي، حتي لا يتضح عليها شيء من دمي، فينقص أجري، وتراه أمي فيشتد حزنها، واشحذ شفرتك، واسرع إمرارها علي حلقي ليكون أهون عليّ، فإن الموت شديد ووقعه أليم، واقرأ علي أمي السلام، وإن اردت ان ترد قميص عليها فافعل، فان في ذلك قسرية لها وسلوة لها في مصيبتها، وهو ذكري لوليدها، تشمه من عبيده. قال ابراهيم عليه السلام: نعم العون انت يا بني علي أمر الله، ثم ضمه الي صدره وأخذ يقبله وتباكيا وانتحبا. أسلم ابراهيم ابنه فأوثق كفيه وأمسك بالسكين وأخذ يصوب النصل اليه مرة، ويحدقه مرات، ثم توقفت عبراته، وتتابعت زفراته رحمة به، واشفاقا عليه.. وأخيرا وضع السكين علي حلقه، ومررها فوق عنقه ولكنها لم تقطع، لذلك لأن قدرة الله قد كسرت حدها. فقال اسماعيل عليه السلام يا أبت كبني علي وجهي فانك اذا نظرت اليّ أدركتك رحمة بي، تحول بينك وبين أمر الله، ففعل ابراهيم -عليه السلام- ثم وضع السكين علي قفاه، فلم تمض الشفرة، ولم تفر عروق العنق. أدركت ابراهيم الحيرة، وشق ذلك علي نفسه، فتوجه الي الله أن يجعل له مخرجا. رحم الله ضعف الشيخ، واستجاب لدعائه وكشف غمته، ونودي »أن يا ابراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين« سورة الصافات. استبشر الشيخ وولده بالفوز والنجاة، وحمدا الله علي ما أنعم عليهما من دفع البلاء، وكشف الغمة، وقد نالا جزيل الثواب، وخير الجزاء، وصارا بعد هذا الاختبار أصفي نفسا، وأثبت ايمانا، وأرسخ يقينا، ان هذا هو البلاد المبين. فدي الله اسماعيل بذبح عظيم، رآه بجواره، فأقبل عليه وهوي بتلك السكين التي كانت غير قاطعة ومررها علي حلقه، فصرع في الحال وخضب الأرض بدمه، فكان فداء لابنه وحقنا لدمه، ثم صار ذبح الضحايا أمرا متبعا يساهم فيه المسلمون كل عام، ذكري لذبح اسماعيل وشكرا لله علي نعمته.