هل هناك علاقة بين التزمت والتقوي؟ بمعني كلما تزمت الانسان وتشدد ازداد تقوي وقربا من الله عزوجل؟ لاشك ان بعض الناس يظنون ذلك فتجده يتشدد ويتزمت ويصعب في المسائل ويأخذ بأعسر الآراء ويترك ما فيه يسر اذا كان داعية ظنا منه ان في ذلك صلب الدين وعمق الشريعة وفي نفس الجانب نجد ان بعض الجمهور كذلك يظن ان الشيخ المتزمت المتشدد هو الشيخ التقي الورع وهذا المفهوم خاطيء لان النبي صلي الله عليه وسلم وهو اتقي الناس لرب العالمين ثبت انه ماخير بين امرين الا اختار ايسرهما مالم يكن اثما، وما سئل صلي الله عليه وسلم مسألة اثناء حجة الوداع الا قال للسائل (افعل ولاحرج) وهو الذي قال (ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد إلا غلبه) وقال آمرا إيانا (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفرو) وبالتالي فالدين دائما يميل الي اليسر ويبتعد عن العسر والانسان العالم كلما ازداد علما زاد تيسيرا علي الناس. اما غير العالم فهو من يدفعه جهله الي التعسير والتشديد علي الناس وليس معني ذلك ان يقع الانسان في جانب التفريط فيفرط في امور دينه او ان يفعل الحرام وهو يظن انه بذلك من الميسرين فالتيسير الذي فعله النبي صلي الله عليه وسلم هو التيسير البعيد عن الاثم والمعصية. لماذا يصر بعض اخواني من الدعاة علي ان يعسروا علي الناس امور دينهم ودنياهم معتبرين انفسهم اوصياء علي هذا الدين وبدونهم لادين . تلمح ذلك في اقوالهم وافعالهم وكتاباتهم مبتعدين عن منهج القرآن الكريم الذي قال الله عز وجل فيه (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال سبحانه (وما جعل عليكم في الدين من حرج) بل ان من آياته ما يعتبر قاعدة اساسية في كل امور الحياة وحتي التكليفات الشرعية قوله سبحانه (لايكلف الله نفسا إلا وسعها) فالاسلام دين الرحمة والرأفة ودين السماحة واليسر وليس فيه مايتناقض مع فطرة الانسان او ما لا يطيقه واحكام الشريعة الاسلامية تتغير حسب مقدرة الانسان وطاقته وظروفه والامثلة علي ذلك كثيرة فمثلا الانسان في صلاته يتم الصلاة ان كان مقيما ويقصر في السفر ويصلي قائما ان كان قادرا فان لم يستطع فقاعدا او مستلقيا وكذلك يصوم الانسان شهر رمضان اذا كان مقيما فان كان مسافرا فقد احل الله له الفطر علي ان يقضي في ايام اخر والحج فرضه الله علي المستطيع اما غير المستطيع فلا حج عليه (ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) ولعلي اتذكر موقفين للنبي صلي الله عليه وسلم يدللان علي عظمة الاسلام ويسره. الاول: دخل النبي صلي الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فوجد حبلا مربوطا بين ساريتين من سواري المسجد فسأل اصحابه لمن هذا الحبل؟ قالوا لزينب تصلي نشاطها -أي وهي نشيطة- فاذا افترت -أي تعبت- تعلقت به واكملت صلاتها فقال صلي الله عليه وسلم لاصحابه فكوا هذا الحبل ليصل احدكم نشاطه فاذا افتر -أي تعب- فليقعد وهكذا ينهي الحبيب صلي الله عليه وسلم ان يصلي الانسان وهو متعب حتي وان كانت بنته زينب وما ذلك الا لان روح الاسلام تتنافي مع ان يتحمل الانسان مالايطيق حتي في اداء الفرائض. اما الموقف الثاني: هو ذلك الموقف الشهير للثلاثة نفر من اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم الذين سألوا السيدة عائشة رضي الله عنها عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم فلما اخبرتهم بها كأنهم تقالوها فعزموا علي ان يستزيدوا عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم فقال احدهم اما انا فأقوم ولا ارقد وقال الثاني وانا اعتزل النساء ولا اتزوج وقال الثالث وانا اصوم ولا افطر وعلم النبي صلي الله عليه وسلم بما قالوا فسألهم انت من قلتم كذا وكذا فقالوا نعم فأراد النبي ان يعلمنا ويعلمهم درسا عظيما في الاسلام فقال لهم (اما واني لاخشاكم لله واتقاكم له ولكني اصوم وافطر واقوم وارقد واتزوج النساء) ثم ارسل لامته برسالة ليتنا نفهمها وليت من يتشدق بما لايعرف ويعسر علي الناس امور دينهم يعيها وهذه الرسالة هي قول النبي لهم بعد ذلك (فمن رغب عن سنتي فليس مني) اي فمن تشدد او تنطع او تزمت حتي ولو كان بنية الاستزادة في امور العبادة فهو بعيد كل البعد عن منهج الاسلام وعن منهج النبي صلي الله عليه وسلم فما احوجنا الي ان نفهم روح الاسلام وان نبين للناس يسره وسماحته. ورحل أحمد الهوان رحل أحمد الهوان (الشهير بجمعة الشوان) احد الابطال المصريين الذين خدموا الوطن وحملوا ارواحهم علي اكفهم عشرات السنين من اجل عزته وكرامته وما احزنني ان جنازته لم تكن علي المستوي الذي يليق ببطل قدم للوطن الكثير والكثير من عمره ووقته. ان جنازة احمد الهوان كانت اقل بكثير مما يستحق بل ان الاعلام ايضا لم يتوقف علي حادث رحيله كما كان مطلوبا حتي اني سألت نفسي هل هذا هو البطل الذي لعب دورا مهما في التمهيد لانتصارنا علي عدونا وهل هو نفسه الذي شاهدت مسلسلا كاملا يحكي قصة بطولته وانا طفل صغير وعشت وهو من ضمن الابطال الذين يسكنون ذاكرتي؟ وهل هذه هي النهاية التي تليق بمثل هذا الرجل؟. هل جزاء الاحسان إلا الاحسان؟. لماذا لم يخرج الشعب في وداعه والصلاة عليه والدعاء له والسعي في جنازته ومواراة جثمانه ودفنه؟. في الحقيقة انا لا اعرف الاجابة علي هذه الاسئلة ولكن ما أعرفه ان الرجل لم يأخذ حقه من التكريم حيا وميتا ولقد اجريت معه حوارا تليفزيونيا قبل ثلاث سنوات ولمحت في عينه شيئا من الحزن والاسي لعدم اهتمام الدولة به وعدم تقدير احد لدوره السابق المعروف للجميع في الوقت الذي تكرم فيه الدولة رموزا كثيرة من الفنانين ولاعبي الكرة. لعلي لاابالغ ان قلت ان احمد الهوان المعروف بجمعة الشوان هو احد ضحايا النظام السابق الذي كان لايريد ان يستفز الكيان الصهيوني بأي فعل او رد فعل حتي ولو كان بتكريم من سددوا هدفا في شباكهم ولكني اعود لاسأل نفسي ثانية اذا كان هذا مقبولا عند النظام السابق وقد تغير النظام فلماذا لم يكرم علي الاقل عند موته ام اننا مازلنا نجامل اسرائيل ونكره ان نستفزها بتكريم جمعة الشوان لاننا نعلم مدي كراهيتهم له وكراهيتهم لكل من يسدد هدفا في مرماهم؟ وانني اقول ان كان جمعة الشوان قد رحل بجسده فسيرته ستبقي خالدة ابد الدهر نبراسا يضيء الطريق لكل من عشق الوطن ان يتعلم كيف تكون التضحية. وفي النهاية لانني مثلكم تعودت علي ان يكرم المصري بعد موته فقط اناشد المسئولين بأن يطلقوا اسمه علي اكبر شوارع السويس تخليدا لذكراه. المفتي والشيخ الحويني في خطبة الجمعة الماضية ناديت العقلاء بالتدخل للمصالحة بين الشيخين الفاضلين فضيلة الدكتور المفتي وفضيلة الشيخ الحويني وذلك بعد اكثر من اسبوعين علي بداية المشكلة فيما بينهما وسعدت ايما سعادة حينما قرأت ان فضيلة الامام الاكبر شيخ الازهر يسعي بالفعل للمصالحة واتخذ خطوات جادة في هذا الطريق والحقيقة انني لم اتفاجأ لان هذا هو دور الازهر الشريف منارة العلم وبيت العلماء ومن لها ان لم يكن الازهر الشريف ولكن هناك امر يحتاج منا الي وقفة ونحن نتكلم في هذا الموضوع اذ كيف تظهر المشكلة علي صفحات الجرائد وعلي شاشات القنوات ولم نر او نسمع ان احدا من الدعاة تدخل لوأد الفتنة في مهدها وكأنهم صموا اذانهم عن سماع المشكلة وعموا اعينهم عن رؤيتها الامر الذي يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول هذا الموضوع. هل هناك من الدعاة او الاعلاميين من كان سيستفيد من هذه المشكلة؟ هل هناك من يريدها حربا مشتعلة بين رمز من رموز الازهر الشريف ويجلس علي كرسي دار الافتاء المصرية وهو عالم جليل له قدره ووزنه وجمهوره وانا شخصيا شرفت بالتلمذة علي يديه وبين عالم محدث جليل ويعتبر رمزا من رموز السلفية في مصر وهو ايضا له قدره وجمهوره؟ ان سكوت من كنا ننتظر ان يتدخلوا في هذا الامر هو امر مخجل ومحزن اذ كيف يسكتون وهم من يعلم الناس الاصلاح بين الناس؟ ولا شك ان سكوت من كان اولي به ان يتكلم هو الذي دفعني لان انادي بالمصالحة بين الشيخين وخصوصا ان رجالا وشبابا من انصار كلا الشيخين اصابهما شيء من الصدمة والحيرة وتبقي هناك اسئلة مشروعة مرتبطة بهذا الموضوع ألا وهي: هل هناك من يستفيد من مثل هذه الحالة من الاحتقان المجتمعي بين انصار كلا الشيخين الفاضلين؟ هل هناك من يحب ان ينفخ في النار لتزداد اشتعالا؟ هل هناك من يكيد للازهر ورجاله ويعمل علي تدمير الازهر ومن يكيد للسلفيين ويعمل علي تدمير رجالها؟ هي لاشك اسئلة تدور في اذهان الكثيرين وتحتاج الي اجابة وانا في الحقيقة لا املك الاجابة علي الاقل وانا اكتب هذه السطور ولكن ماانا متأكد منه ان هناك بعض المدعين الادعياء ممن لايحب ان يري احدا اعلم منه ولا افقه ولا اشهر ولا اغني ولا يحب كذلك ان يري عالما يلتف الناس حوله لعلمه وخلقه. لايحب ذلك لانه يري نفسه صغيرا حقيرا امامهم فيتمني ان لو يكون وحده علي ظهر هذه الارض حتي لايجد الناس غيره ولذلك هو دائما حاقد علي فضيلة المفتي وامثاله كما انه دائما ناقم علي فضيلة الشيخ الحويني وامثاله ولذلك سيموت هذا الحاقد الناقم وامثاله حينما يرون ان ما كان يتمني من القطيعة والفتنة بين هذين العلمين لم يحدث وانها كانت ظلمة سرعان ماانقشعت وعادت المياه الي مجاريها من خلال مصالحة بينهما في القريب العاجل ان شاء الله تعالي (والصلح خير).