في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ كلامي عنه فقد وقفت أمامه صامتا. هو في الثانية عشرة من عمره لكنه يشعرك بأنك أمام رجل كبير تحمل المسئولية وواجه الحياة بصعابها. تعرفت عليه ونحن ننتظر شواء السمك، سألته من أين أنت قال: أسيوطي من بلد الزعيم جمال عبدالناصر، وأسمك إيه أيها الفتي؟ قال: لست بفتي بل أنا رجل فابتسمت وقلت له: أيها الرجل ما اسمك، قال كريم.. وما جاء بك إلي القاهرة، قال: ظروف الحياة، كي اكسب قرشي بعرقي حتي لا أصبح عالة علي أهلي. هربت من أن أكون »بلية المرمطون» الذي يشعره الاسطي بملاليم يعطيها له أنه يصرف عليه وعلي أهله. ففكرت كثيرا وقلت له: كم كنت أتمني أن تكون بالدراسة لنبوغك وفصاحة لسانك، فرد قائلا: ومن قال لك إنني تركتها أنا أعمل وأدرس أيضا وسأسافر من أجل امتحان نهاية العام. ثم ساقني الفضول أكثر لأعرف طبيعة عمله، فقال: أعمل بجوارك في احدي المعارض، وأتمتع بلسان حلو يجعل من أعمل معه يتمسك بي، العجيب أنني رأيت معه شابا يحتمي فيه فهو بالنسبة له الدليل والمرشد. فنظر إلي عيوني قائلا: أحمد زميلي وغير متعلم لكنه رجل يعرف قيمة القرش ويستطيع أن يكسبه، لذلك تجد إخوته ممن يكبرونه يطلبون منه العون لذلك فهو في نظري رجل.. مازال يسرد وقال لي هذا المكان الذي أعمل به ينظمه خالي وعرض عليّ أن أبقي بجوار أمي ومدرستي وسيرسل لي مصاريف دراستي ولكني رفضت، وشكرته وقلت له: إن كنت تحبني اتركني أعمل في حمايتك. وفجأة نادي صاحب المحل علي اسمه فهم عليّ مسلما ومودعا: اتركك في خير ياعمي فما كان مني إلا أن قلت له تصحبك السلامة. ودارت الدنيا برأسي طفل يعمل وآخرون تتمني أسرهم لهم الراحة وتوفر لهم سبل الحياة وهم يجلبون لهم الشقاء.