منذ عامين أصدر حمدي عبدالرحيم أشهر صحفي دسكاوي كتابا رائعا عن عالم الدسك في الصحافة المصرية، خباياه ومتناقضاته وأسراره، كشف عن موهبة ادبية خاصة فيها من السخرية ومن الحكمة والاحساس الرهيف الكثير، واذكر انني عندما قرأت »أيام الديسك والمكيروباس« تساءلت: لماذا لا يكتب الرواية؟ الاجابة تجسدت في هذا العمل الادبي الجميل »سأكون كما أريد« تبدو الرواية في مراحلها الأولي هادئة، بل وتقليدية، كأنها ستحكي سيرة حياة شأن معظم الاعمال الروائية الاولي، سرد هاديء يصف تفاصيل الحياة اليومية في منطقة الحسين، والحوارات المعتادة بين النساء والتي لا تخلو من تلميحات وايحاءات جنسية، غير ان المؤلف يقف دائما عند خطوط مرئية لا يتجاوزها انما يوميء من بعيد، يبدو ذلك واضحا في علاقة سوسن بخالها المناضل اليساري. هذه العلاقة الغامضة والتي يمكن ان تحتمل فروضا عديدة قد يصح بعضها أو لا يصح، هكذا تكتشف ان العمل الذي بدأ تقليديا حتي في لغته الرصينة، الا انها تميل الي شعرية خفية تبدو سافرة في الفصول الاخيرة من الرواية حيث تتشعب المصائر بالشخصيات التي بدأت عادية هادئة تمضي في اتجاهات شتي، الرواية التي بدأت كأنها سيرة فتي توحي لنا بأيام طه حسين تتحول الي رواية متعددة المستويات، علاقة الشخصية الرئيسية مصطفي أبوالفتوح بأيام طه حسين تتحول الي رواية متعددة المستويات، علاقة الشخصية الرئيسية مصطفي ابوالفتوح بالخط العربي والتي ذكرتني بفنان كبير فقدناه منذ سنوات، وهنا نشير الي العديد من الشخصيات الواقعية التي يذكرها المؤلف بالاسم، ولكنها جزء من سياق تكتشف انه متخيل تماما، الرواية التي تبدأ بسيطة. تتناول في جوهرها قضية كبري تتعلق بالمعرفة والتي تؤدي الي الخروج من الاوضاع المستقرة التي تبدو وكأنها مستمرة أبدا. ألم تكن الرغبة في المعرفة بداية خروج آدم من الجنة؟ الرواية التي استدرجتنا ببساطتها وهدوء اسلوبها وشخصياتها الجديدة تتناول قضية كبري، انها الرغبة الانسانية الخالدة في المعرفة والتي تؤدي الي زلزلة المستقر والانتقال منه الي أفق آخر يوهم بالطمأنينة، لكن مجال، فمادامت الرغبة في المعرفة سارية فلا مفر من القلق، رواية جميلة عميقة. لعلها من أهم النصوص الروائية التي قرأتها في السنوات الاخيرة، صدرت عن دار الشروق واتمني الانتباه اليها في خضم الضجيج الذي يملأ حياتنا.