تعتبر عمليات الإصلاح المؤسسي علي قائمة أولويات الدولة في الوقت الحالي حيث لا يمكن أن نحدث تنمية حقيقية بدون إصلاح داخلي للمنظومة الإدارية لمؤسسات الدولة بالكامل بما فيها من القضاء علي الفساد والرشوة والمحسوبية وإهدار المال العام وغيرها. وتعتبر علاقات الأفراد ببعضهم البعض داخل هذه المنظومة الإدارية علي قائمة هذه المنظومة الإدارية التي يجب أن تولي إهتماما كبيرا داخل مؤسساتنا لما لها من تأثير مباشر علي بيئة العمل وانتاجية الأفراد ولما أصاب المجتمع من إنحدار في القيم والمباديء. وقد توصلت أغلب الدول المتقدمة مثل اليابان وماليزيا والمانيا وبريطانيا إلي أن عمليات الإصلاح والتنمية مرتبطة بإصلاح السلوكيات والقيم المجتمعية، فوجهت إهتماما خاصا لبرامج الإصلاح المجتمعي في مؤسساتها التعليمية والإعلامية والثقافية وفي مؤسساتها العامة والخاصة وفي البرامج الإنتخابية لأحزابها، بل نظمت المؤتمرات والندوات وشجعت الإبحاث في مجال اخلاقيات الإدارة أو ما يسميBusiness Ethics ولقد أثبتت دراسة بريطانية أن 53٪ من مجهود الأفراد في العمل يضيع بسبب المشاعر السلبية والقلق الذي ينتابهم أو تعكر صفوهم بسبب نمط العلاقات الذي يسود بين الأفراد في العمل مثل الوقيعة والغش والنفاق وغيرها، وأقر 37٪ من العاملين أن ولائهم لمنظماتهم أصبح أقل بسبب هذه المشاعر السلبية، بينما 22٪ من الأفراد قللوا من جهدهم في العمل بسبب هذه المشاعر، و10٪ قللوا من ساعات العمل لديهم بسبب سأمهم من العلاقات السلبية السائدة في العمل، وأقر 46٪ منهم إستعدادهم لتغيير وظائفهم عندما يتسني لهم ذلك، بينما 12٪ منهم تركوا العمل بالفعل عند أول فرصة لهم، ويعتبر موضوع نفاق العاملين للرؤساء بمؤسساتهم علي قائمة السلبيات الشائعة في مجتمعنا ومؤسساتنا والذي يغالط به الأغلبية أنفسهم ويزعمون أنهم بذلك يجاملون الرؤساء بالرغم من الأختلاف الشائع بين الأثنين في الغرض والأسلوب، ونري النفاق بأنواعه في مؤسساتنا متمثل في المبالغة في الثناء علي الرؤساء في أي شيء والموافقة علي آرائهم حتي بدون إقتناع لمجرد كسب رضائهم والإسراع في تقديم الهدايا أو الخدمات لهم بدون أي داعي أو نقل ما يقال عنهم من قبل الزملاء، وهي كلها سلوكيات غير سوية إطلاقا ولا تليق بالشرفاء والمحترمين، ولقد ظهر ذلك بوضوح في الفترة الأخيرة في مجتمعنا حيث كثيرا ما كنا نري بعض الأفراد يتملقون القيادات السابقة بالدولة ويلاحقونهم في المؤتمرات لمجرد السلام عليهم أملا في كسب رضائهم، وعندما تغيرت الأمور انقلب هؤلاء الأشخاص 360 درجة بل أخذوا موقفا مغايرا تماما لمواقفهم السابقة واستبدلوا هذا النفاق لأشخاص جدد من أجل مصالحهم الشخصية! وهو أمر يثير الدهشة والتعجب من هؤلاء الأفراد، لأن الأنسان لابد وأن يكون علي مبدأ واحد، ويعتمد علي جهوده وكفاءته للوصول إلي مراده، و يرجح بعض الأخصائيون في علم السلوك الإداري أنه قد يرجع السبب الرئيسي وراء هذا النفاق إلي التركيبة السيكولوجية للأفراد أو لضعف نفوسهم أو عدم ثقتهم بأنفسهم و شعورهم الداخلي بعدم قدرتهم علي الانجاز أو التفوق مما يضطرهم إلي إتباع أساليب ملتوية مثل النفاق أو الوقيعة كنوع من التعويض النفسي عن إخفاقهم الداخلي، ويرجح البعض أنه قد تنشأ هذه السلوكيات السلبية للأفراد نتيجة الثقافة السلبية السائدة في مؤسساتنا بما فيها من ضعف النظم و القوانين واللوائح الواضحة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي إتباع المدراء أساليب غير عادلة أو سوية في التعامل مع مرؤوسيهم أو إعطاء صلاحيات أو مزايا وظيفية للمحببين لهم من المتملقين لهم والأقل في الجدارة أو الكفاءة. فالمنافقون ليس لهم مبدأ أو فكر موحد بل يتلونون طبقا للظروف أو مع تغير الأشخاص ولذلك يلقبوا أحيانا بلقب " المتحولون" و يتبعوا دائما مبدأ "مات الملك يحيا الملك الجديد". فالمنافقون لا يمكن أن ينالوا إحترام الأخرين لهم، بل يفقدوا مصداقيتهم لأنفسهم وللمحيطين بهم، الأمر الذي يتطلب: 1- إحياء منظومة القيم والأخلاقيات المجتمعية بداية من مؤسساتنا التعليمية والاعلامية والدينية.2- تقويم النظم الداخلية للعاملين من خلال إرساء الفكر الحديث لإدارة الموارد البشرية لما له من دور فعال في تقويم الكثير من السلبيات الإدارية السائدة المتبعة من قبل الرؤساء بتقديم الكوادر الماهرة علي الكوادر المنافقة . 3- إعلاء مبدأ الشفافية والمصداقية في كل النظم الداخلية التي تختص بالعاملين من خلال الرقابة الداخلية لها والرقابة الخارجية عليها من قبل جهات مستقلة من منظمات المجتمع المدني. وأخيرا"، الإقتناع بأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم«.