علم النفس: العزلة والاكتئاب والإحباط وفقدان الثقة بالنفس أهم الأسباب أساتذة الشريعة: حرام وضعف الوازع الديني بداية الطريق إلي المجهول خبراء الإعلام: منع مشاهد العنف وبث الأمل والطاقة الإيجابية ضرورة الروح هي أغلي هبة منحها الله لنا، وبدونها تصبح حياة الإنسان بلا قيمة.. لكن تعدد حالات الانتحار بصور مختلفة خلال الفترة الماضية، يؤكد أن هناك خللا عميقا في إدراك البعض لقيمة الحياة، ومواجهة أعبائها وضغوطها، فيلجأون إلي الهروب منها بأسهل طريقة وهي الانتحار، لكنه للأسف الشديد هروب من عناء الدنيا إلي جحيم الآخرة.. ورغم أن كل الأديان حرمت قتل النفس، إلا أن الحوادث الأخيرة للانتحار تؤكد أنه بات الحل الأسهل لدي كثيرين، فهناك من انتحرت بسبب ضغوط الثانوية العامة وآخر قتل زوجته وبناته خوفًا من الازمات المادية.. وأخري ألقت بنفسها أمام عجلات المترو.. جميعهم اختاروا أسرع الطرق للهروب من الأزمة وفقدوا حياتهم وبقيت الأزمة. عزلة.. اضطراب وضعف إيمان.. أهم أسباب ظاهرة الانتحار، المواجهة والاندماج في المجتمع والرضا أهم أسباب العلاج.. هذا ما حدده الخبراء الذين سألتهم »الأخبار» عن أسباب انتشار حوادث الانتحار، وكيفية مواجهتها. في البداية يوضح د. محمد عبد الظاهر، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة طنطا، أن الانتحار له أسباب نفسية ومجتمعية متعددة ولكن السبب المباشر والأكثر شيوعًا هو حالات الاكتئاب، ذلك لأن الاكتئاب يولد نوعا من فقدان الأمل وشعور الشخص برغبته في التخلص من حياته وأيضًا فقدان الهوية، وتصبح الحياة بالنسبة لذلك الشخص الذي يعاني من تلك الحالة صعبة شبه منتهية لأنه يشعر بأنه عديم القيمة وعديم الجدوي وبالتالي يتجه للتخلص من الذات والحياة، لافتا إلي أنه يوجد بعض حالات الانتحار تأتي من الإحباط المفاجئ أو نتيجة حدوث صدمة أو حادثة مفاجئة تؤدي إلي وصوله إلي الشعور بالإحباط الشديد وذلك الإحباط يولد نوعًا من العدوان، ومن المعروف أن العدوان إما أن يتجه نحو العالم الخارجي والآخرين والمجتمع أو يكون اتجاه الذات والنفس، لذلك يُعد الانتحار عدوانا موجها إلي الذات.ويضيف أنه من أجل زيادة الوعي بخطورة هذه الظاهرة يجب عمل برامج وحملات توعية في وسائل الإعلام المختلفة بهدف بث الأمل ونشر الطاقة الإيجابية لدي المواطنين، وسيكون لهذه الحملات فوائد عديدة منها تعريف الشخص كيفية الخروج من الأزمة بالخطوات الصحيحة سواء كانت أزمة مادية أو اجتماعية أو أيا كان أسبابها فيجب ألا ينساق الشخص إلي هذه الطاقات السلبية وعليه في هذه الحالة الخروج من حالة العزلة أيضا لأنها تفجر كافة الطاقات السلبية وتجعله يقدم علي هذه الخطوة، فالانخراط داخل المجتمع والتعامل مع الأشخاص هو أحد أبواب العلاج. عزلة وضغوط ويقول د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية إنه إذا تعرض كل شخص لأزمة أو ضغط نفسي فلجأ إلي الانتحار لانتهي العالم في أقصر وقت، فهذه الخطوة هي وسيلة الضعفاء للتخلص من مشاكلهم فالإنسان عليه أن يواجه أزماته مهما كانت مشاكله وضغوطه وألا يضطر إلي الهروب منها ويتخذ أسرع الوسائل والتي يدفع ثمنها غاليا سواء في أسرته أو في الانتحار فنسبة 90% من حالات الانتحار يعانون من حالات الاكتئاب الشديد واليأس، بجانب أن حالات الانتحار الأخيرة كانت كلها محاولات لجذب الانتباه مثل الانتحار من علي برج أو أمام المترو وذلك يدل علي أنهم يعانون نوعا من الاضطراب والتشتت. ويضيف صادق أن نسبة حالات الانتحار في مصر منخفضة مقارنة بالدول الأوربية وذلك بسبب عامل أن الدين الذي يحرم الانتحار أو إزهاق الروح منعا باتا ولكن كثرة الضغوط الحياتية هي التي أدت لانتشار الظاهرة في الفترة الأخيرة، مثال علي ذلك موظف بسيط لديه أطفال لا يستطيع تحقيق متطلباتهم يلجأ إلي أن يقتلهم ثم ينتحر وذلك يحدث كثيرًا في الطبقة المتوسطة نتيجة الضغط عليهم. ويؤكد علي أن دائمًا الشخص المنتحر يكون لديه مؤشرات مثل عدم وجود أصدقاء له وانعزاله عن كل من حوله والإحساس بالوحدة وعدم القيمة في المجتمع. ذنب كبير ولم تختلف آراء علماء الدين بخصوص هذه الظاهرة وأسبابها فيقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن هناك عوامل متداخلة تتسبب في جرائم الانتحار علي رأسها ضعف الوازع الديني لدي البعض فمن يقدم علي مثل هذه الخطوة لا يعلم أن جسده وروحه أمانة سيسأل عنها كما ذكر الله تعالي في كتابه الكريم »إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا»، وأيضا قد أكد علينا رسولنا الكريم علي ضرورة الحفاظ علي أرواحنا والاهتمام بهذه الأمانة وعدم تعذيبها فيقول في حديثه الكريم »من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسي سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجيء بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا». ويقول إنه إذا تمت تقوية الوازع الديني ستقل الجريمة بطبيعة الحال وهذا يتوقف علي قوة إيمان الشخص نفسه ورضاه بما قسمه الله له، مشيرا أن الإقبال علي هذه الخطوة ذنب كبير لصاحبه ويجب توعية المواطنين بخطورته من خلال التوعية في الخطب الدينية عن الصبر والابتلاءات وكيفية مواجهة الضغوط وجزاء من يقبل علي الانتحار. ويقول الشيخ إبراهيم رضا من علماء الأزهر الشريف، إنه من الناحية الدينية لا يجب إصدار حكم علي الشخص المنتحر لأنه قد يكون فاقد الوعي أو يعاني من مرض نفسي، مشيرًا إلي أن الحكم علي الانتحار عامة أنه حرام وهو عمل مُجرم شرعًا لا يرضي عنه الله ولا يقبله الرسول فقد قال الرسول في حديثه »من قتل نفسه بحديدة عُذب بها في نار جهنم يوم القيامة». لافتًا أن الانتحار عمل محرم وعندما يُقدم الإنسان علي الانتحار عامدًا بكامل قواه العقلية وحالته الصحية فهذا يُعد من أبواب الكفر بالله سبحانه وتعالي لأنه بذلك لديه ضعف إيمان بالله. إصابة بالإحباط تقول د. نجوي كامل الخبير الإعلامي إن تعدد حالات الانتحار لأي سبب إن كان اجتماعيا أو اقتصاديا أو نفسيا هل يخضع لإحصائية معينة معدة من الجهات المختصة لكي يتناولها الإعلام أم أن بعض الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة أصبحت تسلط الضوء عليه بشكل يختلف عن الأوقات السابقة بهدف تحقيق الربح ونسبة المشاهدة المرتفعة.. وتضيف د. نجوي أن دور الإعلام في مواجهة تلك الظاهرة يجب أن يكمن في البداية من خلال تقليل التركيز علي مثل هذه الحالات والتي تصيب كافة المواطنين بالإحباط خاصة وأنها ظاهرة موجودة بالفعل علي أرض الواقع سواء سلط الإعلام الضوء عليها أو حتي تجاهلها لأن ذلك سيدخلنا في قضية التكفير من عدمه ونبدأ في تقسيم وتشتيت المجتمع.. وقدمت الدكتورة نجوي كامل الخبير الإعلامي روشتة علاج يقدمها الإعلام للحد ومواجهة ظاهرة الانتحار تبدأ بدراسة أسباب الظاهرة لوضع الخطط الإعلامية البناءة لتجريمها ولدعم قرارات المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية وبعد التركيز علي الأسباب يأتي تقديم الحلول من خلال تشكيل وعي الأسر التي إذا كان لديها شخص يعاني من مرض نفسي وإن كان خفيفا يجب أن يخضع للعلاج بشكل عاجل وفوري حتي لا يتطور الأمر إلي انتحار جماعي له ولأسرته التي تري كل أشكال الخطر بسببه. المعايير الأخلاقية ومن جانبه يؤكد د.محمد وهدان »رئيس قسم الإعلام بجامعة الأزهر» أن نقل الأخبار المتعلقة بالانتحار لابد أن تخضع للمعايير الأخلاقية، وقال: »يجب عدم المبالغة والإثارة بنشر هذه الأخبار ونشرها ضمن الحد الأدني بما يوفر المعلومة للقارئ أو المشاهد من دون ذكر أداء الجريمة أو الخوض في التفاصيل أو أجواء الجريمة أو الإساءة لكرامة الأفراد وأقارب المنتحر»، وأضاف أن »التركيز الإعلامي علي حالات الانتحار يعد أمراً إيجابياً، ولكنه يعتمد علي الطريقة التي بها يتم تناول الموضوع إعلاميا، أما في حال كان تداول الموضوع بشكل سلبي فإن ذلك قد يشكل انعكاساً سلبياً علي الجمهور ويصل حد العدوي بين الناس». واختتم بأنه علي وسائل الإعلام يجب أن تتجنب اللغة التي تطبّع مع الانتحار كحل للمشكلات وتجنب صياغة العناوين المثيرة والابتعاد عن الصياغة الرومانسية التي تمدح المنتحر، كما تشير إلي ضرورة الابتعاد عن التفاصيل المتعلقة بطريقة الانتحار والحذر في اختيار الصور ومقاطع الفيديو حول الحادثة، مشيرا أنه يجب تشديد الرقابة علي مشاهد العنف والقتل والانتحار في محتوي الأفلام والمسلسلات التي يتم عرضها علي وسائل الإعلام المختلفة من أجل حماية المشاهد وعدم تسليط الضوء علي مثل هذه المشاهد والجرائم.