الأربعاء: ماذا حدث في يوم »الاثنين الأسود« في حرب أكتوبر الذي دخل في سجلات الجيش الاسرائيلي تحت هذا الاسم؟ وماذا جري في جبهة سيناء يوم الثامن من أكتوبر عندما منيت قوات الجنرال جونين بفضيحة عسكرية وسقط اللواء المدرع وقائده عساف ياجوري أسيرا في أيدي القوات المصرية؟ والجواب يجئ من خلال شهادة الكولونيل ياجوري نفسه ويقول: »أريد أن أعرف لماذا تركوا صدورنا عارية في هذا اليوم علي جبهة الفردان وعن دوافع هذا الهجوم المضادالذي أمر به الجنرال جونين قائد جبهة سيناء.. إنني لا أعرف حتي اليوم كم عدد خسائرنا الحقيقية، وأثناء فترة الأسر كنت أعيش علي أمل أن يكون معظم زملائي في هجوم »الاثنين الأسود« قد وجدوا طريقهم إلي النجاة بعد أن حطم المصريون هجومنا المضاد، ولكنني عندما عدت من الأسر أذهلني حجم الخسائر التي وقعت في صفوفنا- القوات الاسرائيلية- لقد أصبح الثامن من أكتوبر يوم الدم وخيبة الأمل والألم العظيم، إنه أشد الأيام كآبة وأكثرها إحباطا علي الجبهة الجنوبية »في سيناء«..! لقد كنت أرابط مع قوات اللواء المدرع في الساعة 0041 داخل المنطقة التي حددها لي الجنرال آدان شرق الفردان وكنت حتي هذه اللحظة قد خضت معركة متصلة بدأت بعد وصول آدان يوم الأحد 7 أكتوبر واستلامه قيادة النطاق الشمالي من جبهة القناة، وكانت هذه المعركة قد تركت بصماتها علينا جميعا وبينما نحن علي تلك الحال جاءنا أمر آدان بالاقتحام في اتجاه الفردان تنفيذا لأوامر الجنرال جونين بشن الهجوم المضاد العام في سيناء.. وكان تحت قيادة آدان ثلاثة ألوية دبابات وقع عليها عبء تطهير النطاق الواسع بين الطريق العرضي رقم 2 وضفة القناة وإنقاذ من بقي حيا في حصون خط بارليف المنهارة وفتح الطريق لنقل المعركة إلي أرض العدو »المصريين« غرب القناة بقوات الجنرال شارون والجنرال مندلر! وانتشرت ألوية آدان المدرعة علي الطريق العرضي بين بالوظة في الشمال والكاسة في الوسط وكان عليها أن تواصل الهجوم المضاد حتي حافة القناة - فيما بين القنطرة والفردان- وأن تحتل المعابر الثلاثة التي نجح المصريون في إقامتها شمال البلاج وكان نصيبي منها كوبري الفردان.. وحوالي الساعة 5141 تخيل جونين أن هجوم آدان يسير طبقا للخطة الموضوعة فأمر شارون بالاستعداد للاندفاع غربا بين الطاسة وممر الجدي لاستغلال نجاح ألوية آدان المدرعة.. وفي الساعة 0341 بدأت الألوية الاسرائيلية في التحرك، وعلي التو انقلبت الدنيا رأسا علي عقب.. إذ كان المصريون في انتظارنا وبمجرد دخول دباباتنا في مرماهم المؤثر انطلقت نيرانهم بكثافة مذهلة وتصويب محكم، فذاب هجومنا المضاد في لحظات! لم تكن المهمة تتناسب مع الموقف الفعلي في الميدان وعرضت وجهة نظري علي الجنرال آدان ولكنه رفضها وكرر أمره بشن الهجوم المضاد- واسمه الرمزي »شاحف«- ووقعت علي قواتي مهمة الاستيلاء علي كوبري الفردان ووعدني آدان بمعاونة المدفعية الثقيلة والطائرات، ولكن ظل أحد الألوية الثلاثة في مكانه دون حراك بحجة أن الأمر بالهجوم لم يصل، وفي حين شغل اللواء الثاني نفسه بأعمال ثانوية في ذات المكان الذي كان يرابط فيه، وبينما أصدرت الأمر إلي قواتي بالهجوم طبقا للخطة.. وكان علينا تطهير الأرض التي تفصل بيننا وبين مياه القناة وأن نحتل الكوبري ثم نعبره.. وبمجرد أن اقتربت دباباتي وقعت تحت نيران الفرقة الثانية المشاة »المصرية« التي كانت ترابط في مواقع جيدة علي الضفة الشرقية في انتظار هجومنا المضاد ولم ينج من دباباتي إلا »أربعة« وهي التي أفلتت من هذا الجحيم! وعندما علم جونين بما وقع لقوات آدان المدرعة، حث شارون علي سرعة العمل لتخفيف الضغط الواقع عليه ولكن شارون تلكأ ورفض الانصياع لان العلاقات بينهما سيئة.. ومع تفاقم الأمور وصل الجنرال ديان وزير الدفاع والجنرال إليعازر إلي مركز قيادة جونين واجتمعا بقادة مجموعات العمليات الثلاث وبدأ آدان بالشكوي من جسامة خسائره في الدبابات، وأعقبه شارون فهاجم الجميع بلسانه السليط »وفي هذه الاثناء كان عساف ياجوري قد وقع أسيرا في مصيدة قوات اللواء أبوسعدة« وعندما انفض الاجتماع في قيادة الجبهة خرج ديان يجر رجليه وكأن العمر تقدم به عشر سنوات.. وقال الأسير الكولونيل عساف ياجوري: لقد كنت أشعر طوال اقترابي من القناة وكأني اتحرك وفوق كتفي حمل ثقيل هو نيران المدفعية المصرية! وقد اعترفت المصادر الاسرائيلية بأحداث هذا اليوم الأسود، وقالت: ان الجنرال ديان قد انهار في اليوم الثالث من الحرب عندما حطمت القوات المصرية جميع هجماته المضادة في سيناء.. وفي العصر دخل الجنرال بارليف علي جولدا مائير فوجدها تجلس منكسة الرأس وقد تملكها اليأس.. وراحت تحكي له كيف اعترف لها ديان بخطأه بعد عودته من جولة علي الجبهات وقال: جولدا لقد أخطأت في كل شئ.. إنني انتظر كارثة، وسوف نضطر إلي الانسحاب من الجولان حتي الحافة ومن سيناء حتي المضايق حيث سنحارب حتي آخر طلقة!