»اللهم انصرنا علي أعداء الإسلام والمسلمين».. »اللهم اشف مرضي المسلمين».. مثل هذه الكلمات وغيرها تتردد أدعية علي ألسنة الكثيرين وتصدمنا أكثر حين نقرأها عناوين صفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي.. وأتعجب كيف يتم التعايش وسط هذه الأدعية في وجود غير المسلمين.. ومحاولات ربط الإسلام بالعروبة رغم وجود عرب أصحاب ديانات سماوية أخري.. ووسط مناهج تعليمية تغازل الغالبية وتتعمد نسيان أن في كل المجتمعات »العربية» تنوعات دينية ومذهبية، فهناك يهود ومسيحيون وبهائيون وصابئة وزرادشتيون وبوذيون ولادينيون من مختلف التيارات الفكرية والفلسفية يجب احترامهم علي اختلاف طوائفهم، لأن هذا الاختلاف تنوع طبيعي يُغني مجتمعنا ويوحدنا في خدمة العالم الإنساني. من هنا يأتي مكمن الخطورة وهو تعميق فكر المؤامرة والتفريق لدينا.. ويتصور البعض أننا أعددناها كل وسائل التقدم والانطلاق لكن المؤامرة تقف حائلا ولولاها لكنا في مقدمة الأمم.. وننسي أننا عمقنا التفرقة وفكر المؤامرة بهذه الأدعية والتربية غير المستنيرة التي ترسخ فينا فكر المؤامرة خاصة في ذهن الطفل »العربي» والتصور الوهمي الشمولي بأن العرب كلهم مسلمون، لتصبح قضية العرب قضية دينية وإسلامية..! والنتيجة أنه حين يري الإنسان العربي المسلم عربيًا آخر يحمل هوية دينية أخري تشمئز نفسه ويراه عدوًا له ولأمته ولدينه رغم أنه من بني وطنه وناطق بلغته.. ويربي طفلنا العربي علي أنه إذا اتحد »العرب» وطبقوا الشريعة فسوف يتقدمون إلي درجة عليا تفوق قوة الغرب بمراحل، وينتشرون في كل البقاع ويسودون العالم وهذا ما يُرعبُ قادة الغرب.. وعلي هذا النمط تتشكل صورة ذهنية تجعل من »العرب» أصحاب سلاح قوي خارق قادر أن يمكنهم من السيطرة علي العالم بأكمله، بينما العالم الغربي يتآمر ضدهم ليعجزهم عن استعمال هذا السلاح. بهذا الفكر المنطوي علي نفسه، الخائف من الآخر المتصلب نفتقد الفكر العربي النقدي ونحن في القرن الحادي والعشرين، وبالتالي نفتقد الفكر الحداثي بسبب نوع التربية التي نتلقاها، سواء في المنزل أو المدرسة ولهذا نبتلع كل أنواع أطباق الفكر المقيد والمتطرف بدون أي تساؤل، كما ندافع عن الإسلام بالعصبية وعدم الليونة والجدال، وبالتالي نعتبر الفكر النقدي الحداثي عدوًا للإسلام.. وحين نلقي أنفسنا في مؤخرة القطار، نتهم الحداثيين بالمؤامرة ضد الإسلام، وتصبح قناعة حقيقية ولا نبحث في وسائله وكيف تعطلت.. المجتمعات التي اخترعت فكر المؤامرة هي التي اخترعت هذه الأشباح وهذه الهلوسة ووقعت في الآخر في فخها ولم تعد قادرة علي السيطرة علي الفكر الذي اخترعته. هذا الفكر هو الذي يدمرها من الداخل، وبالتالي تُسقطه علي أشباح أعداء لكي تخدع شعوبها ويرونها هي الأخري ضحية المؤامرة.. ويصبح أي نقد لأي فكرة قديمة أم جديدة هو بالضرورة مؤامرة.. لذلك لم أتعجب حين سمعت وزير التربية والتعليم في مداخلة فضائية لبرنامج »الحياة اليوم» يؤكد »أن هناك مؤامرة علي التعليم المصري ولم أكن أؤمن بنظرية المؤامرة حتي رأيت الهجوم علي التعليم المصري الجديد»..!