ربما تبدأ حياة البعض بعد الستين.. لكن من المؤكد أن حياة الكل تبدأ بعدما يأتي الأحفاد.. تدب في الأجساد الواهنة القوة وتعود القلوب المتعبة لتنبض فرحا وتتبدل الأرواح اليائسة لتمتلئ بهجة وأملا.. يتغير لون الحياة القاتم لتصبح ألوانها أكثر إشراقا.. تهون كل هموم الدنيا أمام بسمة صغير.. وتتضاءل كل مهام الأجداد لتصبح مهمتهم الأحب هي سعادة ولد الولد.. صحيح أن بعضا منهم لايؤمن كثيرا بذلك المثل القائل بأن أعز من الولد ولد الولد لكن الكثيرين وأنا منهم يرون أنه تجسيد صادق لعلاقتنا بأحفادنا وحبنا لهم ومدي تعلقنا بهم.. فعشقنا لهم وولهنا بهم لحد الجنون يكمن في أنهم فلذة أكباد أولادنا من هنا كان حبهم مضاعفا وكبيرا.. أو ربما لأن دورنا معهم يختلف عن ذلك الذي لعبناه مع أبنائنا.. حيث المسئولية أكبر والهموم أكثر ودوامة الحياة أقسي واللهاث وراء تحقيق الذات والنجاح أشرس.. بعدما تطحننا رحي الحياة ونصل لمحطتنا الأخيرة وندرك مدي زيفها وعبث الصراعات التي خضناها وسراب الأحلام التي عشناها وضآلة الأولويات التي تبنيناها.. نشعر بوخز من ضمير يؤنبنا عن وقت ضيعناه بعيدا عن حضن أبنائنا، وجهد استنزفنا كانوا هم أولي به، وتفكير وذهن مشتت وعصبية كانت ضريبة دفعناها وحملناهم ثمنها دون ذنب لهم.. ندرك ذلك بعدما تقترب أعمارنا من نهايتها فنندفع لنحتضن أحفادنا بقوة علنا نعوض بهم مافاتنا مع فلذات أكبادنا.. أو ربما نعوض أولادنا تقصيرنا معهم بمزيد من العطاء لفلذات أكبادهم.. أيا ماكان السبب يبقي لضمة الأحفاد متعة لاتوصف .ويظل وقتنا الذي نمضيه معهم أكثر أوقاتنا بهجة وراحة.. بعيدا عن تفاصيل الحياة المملة وسخافات البشر المزعجة.. نهرب لأحباب الله ملائكة صغار بارعين في إثارة دهشتنا وبهجتنا بتصرفاتهم التلقائية المحببة التي يمتزج فيها الذكاء والخبث والبراءة وخفة الدم والشقاوة والحنان.. هم ابتسامة الأقدار لنا بعد رحلة متجهمة في زمن عبوس.. قبلة الحياة التي تبث في دنيانا النبض ونحن علي وشك الرحيل.. أدامها الله علينا نعمة ولايحرمنا أبدا من بهجة ولد الولد. وكل سنة ونحن في حضن أحفادنا بخير.