في بداية عصر الانفتاح الساداتي، بث من خلال التليفزيون إعلان يقول صاحب الصوت الرهيب فيه: أحذر شرب ماء النيل ثم يتوجه بالدعاية لشركات المياه المعدنية، التي ثبت فيما بعد من خلال بيان لوزارة الصحة أنها وهم بين، لا معدنية ولا نقية، رغم ذلك وتحت الالحاح الإعلاني، اصبحت المياه المعبأة في زجاجات جزءاً من ثقافة المجتمع، وتجاوز سعر اللتر من المياه ثمن لتر البنزين. كان الامر يتعلق بأرباح مهولة تصب في جيوب المحاسيب، وسمعنا أمورا يقصر عن مثلها الخيال الروائي، ومن ذلك مشروع هائل لتحلية الماء المالح وبيعه للمصريين يديره الرجل الاسطوري حسين سالم، ولهذا السبب كان تخريب العلاقات المتعمد مع اثيوبيا. وتحويل النيل الي مجري قذر. لا يصلح للشرب ولا للسباحة، امور أقرب الي اللا معقول. لا ندري هل نصدقها ام نتردد قليلاً. ولكن المؤكد أن النهر تعرض لإهانة وسوء استخدام لم يسبق لهما مثيل في التاريخ. كان المصري القديم يتعلم احترام النهر منذ الطفولة، من تعاليم الدين، ومن مناهج التعليم، وفي المحكمة الاوزيرية والأخروية كان أول قسم للمصري المتوفي »أنا لم ألوث ماء النيل«، وظل هذا الاحترام سارياً حتي العصر الحديث، وفي أحد الليالي خلال الستينيات سمعت سيدة قرب سوهاج تشكو زوجها للنهر، وكانت تخاطبه بقولها: يا كبير، ربما بتأثير معتقدات قديمة، كان السد العالي نقطة تحول هامة في تاريخ النهر. وفر للمصريين الامن المائي، ولكن كانت له آثار جانبية، اهمها اختفاء الطمي وتراكمه في قاع بحيرة ناصر وسيفاجأ الاحفاد بظهور دلتا هائلة فجأة في الجنوب بعد أربعة قرون كما هو مقرر.. أحد الاثار الجانبية انتهاء الخوف من النهر، كان الفيضان يوحد المصريين - كما يري الابنودي - وجري التعدي علي الأرض المنخفضة والبناء فيها، وفي المسافة بين الاقصر واسوان يوجد ستمائة فندق عائم، تصب مخلفات الزبائن ليلاً. ويرشون الكولونيا في الهواء حرصا علي أنوف السائحين، اما المصانع فتصب الاف الاطنان من المخلفات الحاوية لمواد مسرطنة.. أهين مصدر الحياة في مصر بشكل منظم وممنهج، وفي مناهج النيل اختفي ذكر النهر تماماً، وتوالي علي وزارة الري أعرق مؤسسة في الدولة المصرية عدد من الوزراء الذين ارتكبوا اخطاء جسيمة، وفي ذروة تعقد المواقف في افريقيا نهاية العامة الماضي ارتدي احدهم الجلباب وراح يرقص بالعصا في مسقط رأسه. لأن انتخابات الحزب الوطني أهم من النهر، فماذا تبقي من احترام النهر.