فيه ناس دموعها قريبة.. تتساقط كالمطر سريعا حزنا.. فرحا.. وجعا.. شجنا.. تعاطفا.. تندفع تلقائية غزيرة عصية علي التوقف غير قابلة لكبح جماح انطلاقها.. تحرج أصحابها كثيرا.. وتصيبهم بالضيق كثيرا وتشعرهم بالخجل كثيرا.. لكنها في الغالب لا تشعرهم بالضعف ليقينهم أن تلك الدموع ما هي إلا تعبير عن نفوسهم الجياشة في مشاعرها وتأثرها وأن تدفقها مجرد هدنة لالتقاط الأنفاس المتعبة وشحن النفس المجهدة استعدادا لمواجهة المتاعب والصعاب.. قناعتهم تلك تبدو في محلها تماما بعدما أثبتت الأبحاث العلمية أن للبكاء فوائد عديدة أهمها تخفيف الضغط العصبي والتوتر والاكتئاب والحزن وتنشيط الدورة الدموية وتنظيم معدل ضربات القلب إضافة إلي تحسين مستوي الرؤية وطرد السموم من العين.. يبدو أن اليابانيين انتبهوا أخيرا لكل تلك المميزات أو ربما دفعهم لذلك تلك الحياة الصارمة الجادة التي تدفعهم أحيانا للانتحار .. ولأنهم شعب عملي جاد في مواجهة مشاكله سري في مدارسه ومؤسسات عمله ما يعرف ب»مدرسي البكاء» مهمتهم تحفيز الطلبة علي البكاء من خلال مشاهدة الأفلام الرومانسية والاستماع للموسيقي الحزينة وغيرها من الوسائل المحفزة علي ذرف الدموع.. لا يعرف اليابانيون بالطبع أن لنا السبق ولنا باعاً طويلاً في حل مشكلة البكاء.. وحتي وقت قريب كانت هناك ندابات متخصصات يشعلن المآتم صراخا وعويلا بأصواتهن الملتاعة باحترافية وكلماتهن التي تشعل نيران الحزن في قلوب المعزين.. لو عرف اليابانيون بقدراتهن ماترددوا في الاستعانة بهن ومن المؤكد أن النتائج ستبهرهم.. لن تحتاج الندابات ولا أي مصرية تقرر العمل كمدرسة بكاء في اليابان إلي أفلام رومانسية ولا موسيقي حزينة.. يكفي أنها تحكي لهم عن يومياتها المليئة بالشقاء والوجع وقلة الحيلة.