دوما ما تكون المهنة هي الأصل ويمر عليها كثير من صور ممتهنيها, فتحافظ الصورة علي الأصل أو تجعلها الظروف تندثر, ككثير من المهن التي اختفت من عصر لعصر, ونحن في تلك السطور نبحث عن الأصل ونستعرض معكم صورة.. الندابة أو المعددة.. مهنة قد تكون في طريقها للاندثار إلا أنها علي الصعيد العام تشهد انتعاشا وبصفة خاصة في مجالي الإعلام والسياسة.. فالبكائيات التي تتواكب مع الأحداث لا تخلو منها قناة فضائية ومشعلو الحرائق منتشرون ينعون وضعا أو حالا لا يتعاطفون معه في أحيان كثيرة شأن المعددة ولكن الوضع بمثابة مصدر رزق لهم أيضا وبما أن ذلك كذلك فالمعددة التي تنتمي جذورها بالعهد الفرعوني مازالت كائنة بيننا في صورة جديدة. لم تخلو قرية من تلك المهنة الندابة أو من يسميها البعض المعددة وهي امرأة تحترف استدرار البكاء والعويل في أحزان الآخرين وفي الماضي القريب لم يختلف في ذلك الأغنياء عن الفقراء, ولكن الفقراء أحيانا ما كانوا يستعينون بواحدة من نساء العائلة, لتقوم بتلك المهمة, فالأغنياء يمنحونها نقودا وهي تغادر مكان العزاء وشنطة بها لحوم وأرز وفطائر وكيلو بن, بينما الفقراء فيعطونها من أصناف الطعام التي طهيت للمعزيين ثلاثة أوان الأول به كيلو لحم والثاني أرز والثالث خضار ويكون في الغالب بطاطس. وعن تاريخ المهنة تذكر كتب التاريخ أن نساء الفراعنة هم أول من لجأ إلي التعبير عن الحزن بالعويل والعديد والنواح.. فحسب المؤرخ هيرودوت فإن المعددة أو من يمتهن الغناء الحزين في الطقوس الجنائزية كان الفراعنة يلقبونهم ب( مانيروس) وهم نوع من الكهنة تخصص في بكاء الموتي واستدرار الدموع فيصطفون حول المقبرة وهم يغنون ويرتلون أغنيات جنائزية وبمرور الوقت باتت هناك طائفة عملها هذا النوع من الغناء وهم دائما من النساء, وأطلق عليهم المصريون وصف العديد وصاحبة المهنة هي المعددة( التي ترثي الميت بشعر مغني), ويستأجرها أهل المتوفي للتغني بصفاته الحميدة.. وقد استوقفت تلك الظاهرة العديد من المؤرخين والباحثين في التراث الشعبي المصري أبرزهم في العصر الحديث جاستون ماسبيرو( وهو عالم فرنسي بالآثار المصرية عاش في مصر مطلع القرن العشرين وحرص علي جمع الأغاني الشعبية في صعيد مصر) أما صورتنا اليوم فهي نبوية سيد احمد تبلغ من العمر45 سنة من قرية في الصعيد تسمي العسيرات وهي تحلم بتزويج أولادها حتي تشعر بأنها اكملت رسالتها وخاصة أن زوجها متوفي وهذا هو السبب الرئيسي لعملها بهذه المهنة والسبب الثاني ان امها كانت معددة وعن أجرها حدثتني نبوية عن أن المقتدرين يعطونها نقودا وغير المقتدرين يعطونها ما يجودون به فهي لا تحدد أجرا ولكنها تقول كل واحد يدفع قيمته وقيمة الميت وغلاوته هناك ناس تشتري خزينا مفتخرا فسألتها عن معني ذلك لتجيب بيشتروا زفر مع الزيت والسكر والدقيق والشاي حاجه معتبره. ونبوية رغم بساطتها وطيبتها فهي تسعد لأحزان الآخرين دون قصد فهذا مصدر رزق لها ولأبنائها, وعندما سألتها هل يطلبك الناس في أحزانهم قالت إن هناك من يدعوها وأحيانا أخري تتطوع من تلقاء نفسها لأن الناس في تلك الأحداث تكون ملهية. ولما سألتها عن رأي أبنائها في مهنتها أجابتني نبوية انتي جيتي علي الوجيعة يا بنتي ابنائي معترضون علي هذه المهنة لأنها شؤم والناس تخاف منها وأيضا يقولون لأولادها يا أولاد المعددة وكمان مش عارفين يتزوجوا لان كثيرا من الناس ترفض المهنة لكن انا كنت اعمل اية يعني علشان اربيهم.,. اما عن سؤالي لها عن اعباء المهنة قالت هي مهنة صعبة جدا لأنها تحتاج الي مجهود كبير بمعني لازم يكون صوتي اعلي من اصوات الحاضرين علشان اشعلل الميت فهذا يحتاج الي طبقة صوت عال علشان كدا انا قبل كل ميت او اثناء تواجدي هناك اشرب كوب ماء كبير مغلي وعلية أربع أو خمس معالق سكر كبير علشان يعطيني قوة ومجهود واقدر أقاوم. وعما تقوله نبوية من تعديد وعويل تقول أنها أخذت بعضه عن أمها رحمها الله ولكنها فاجأتني أيضا إنها قبل الذهاب إلي المأتم يجب أن تعرف معلومات عن الميت لتحضير الكلام الذي ستقوله هناك وبعدها تقوم نبوية بوصلة التعديد والله طلعت مهنة صعبة ولازم لها ترتيبات.. أكل العيش صعب.