الدين اختيار لا جبر »من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر«.. والتدين إلتزام لا إلزام »لست عليهم بمسيطر«.. كما أن التدين في مجمله »سلوك شخص«.. بينما السياسة »سلوك عام«.. ومن كل هذا يتضح ضرورة عدم الخلط ما بين آليات الدين وآليات السياسة.. حتي لا نصل الي تلك »الخلطة الميكافيلية«.. التي تؤكد علي أن الغاية تبرر الوسيلة.. ولعل ما فعله معاوية بن أبي سفيان في حرب صفين عام 73 هجرية.. مع الامام علي إبن أبي طالب كرم الله وجهه يؤكد هذا الطرح.. حيث رفع معاوية »راية قميص عثمان«.. مدعيا أنه يسعي الي القصاص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان.. وأدلي هذا المسعي الي محنة الفتنة الكبري.. التي بدأت بإنقسام صحابة رسول الله.. ووقوفهم بالسيوف أمام بعضهم البعض.. ومن موقعة الجمل الي موقعة حطين التي كادت أن تنتهي لصالح الإمام علي.. فسارع كل من معاوية وعمرو بن العاص الي استدعاء كل مخزون المكر والخديعة لديها.. فرفعا مع جنودها المصحف علي أسنة الرماح طلبا لتحكيم القرآن.. وانتهت هذه الخدعة -التي ينطبق عليها كلمة حق يراد بها باطل- بمقتل الإمام علي.. واعتلاء معاوية سدة الحكم.. لتبدأ معه كارثة توريث الحكم في العالم الاسلامي.. وإذا ما نظرنا الي ما حدث في ميدان التحرير يوم الجمعة 92 يوليو الماضي.. لوجدنا مشهدا أقرب ما يكون من مشهد معاوية وعمرو في مواجهة الامام علي.. حيث تم خلط الدين بالسياسة.. وحاولت بعض التيارات الاسلامية وخاصة التيار السلفي استعراض العضلات.. وإثارة النعرات.. واحياء الفتن.. سواء مع أقباط مصر - أو مع التيار الصوفي.. وغيره من التيارات الاسلامية الأخري.. ومثل هذا السلوك الصدامي المتباهي بالقوة لا يمكن أن يعبر إلا عن حالة »مراهقة سياسية«.. إذا ما أضفناها الي حالة التشدد الديني لدي التيار السلفي.. فإن المحصلة لن تكون إلا خسارة لكل الأطراف. وفي النهاية فعلي التيار السلفي إذا ما أراد أن »يلعب سياسة« ان يتعلم هذه المرة من معاوية بن أبي سفيان - فقد يكون السلفيون اكثر تدينا من معاوية. ولكنهم أقل كثيرا في فهم السياسة منه.. فهو القائل »لو أن بين وبين أمتي شعرة ما انقطعت.. إذا شدوها أرضيتها.. وإذا أرخوها شددتها«. فأين هذا من سلوكيات السلفيين الذين يعمدون الي تقطيع حبال الود والتواصل مع جميع قطاعات المجتمع. انطلاقا من فهم خاص للدين.. ويجب الا يكون ملزما لغيرهم.