كان أحمد بهاء الدين يسمي الإنسان: حيوان له تاريخ. وذلك في مقدمة كتابه البديع: أيام لها تاريخ. إن التاريخ الذي يحمله المصري علي ظهره حسب تعبير سيد عويس في مذكراته هو ما يميزه عن باقي الكائنات الأخري. وعلينا الآن أن نتعلم من درس العدوان الإسرائيلي المعبر عن غرور القوة المفرطة. ما يمكن أن يفيدنا ويجعلنا ننطلق إلي الأمام متمثلين عبارة آرنست هيمنجواي: كل ما لا يقتلني يزيدني قوة. إن أكبر رد علي مشروع الإهانة الصهيونية وأعمق محاولة للخروج من النفق المظلم الذي يريد الصهاينة دفعنا إليه. وأهم موقف ضد التأييد المطلق الذي أبداه باراك أوباما تجاه العدوان الإسرائيلي علينا عندما تحدث عن قتل الصهاينة ووصفهم بالأبطال. ثم تجاهل شهداء مصر وشهداء فلسطين. ولعل هذا هو السبب الذي دفعني وغيري كثر من المثقفين المصريين لمقاطعة حفل إفطار القنصل الأمريكي الجديد في مصر. تعبيراً عن الاحتجاج علي هذه النظرة المهينة التي ينظر بها رئيس أمريكا لمصر التي علمت الدنيا كلها ماذا تعني كلمة حضارة. أتحدث عن الرد المصري علي الإهانة الصهيونية المدعومة أمريكياً الموجهة لقلوبنا وضمائرنا. والرد هو أن نجعل من سيناء قضية عصرنا. وأن نسمي محاولة تطهيرها من الخارجين علي القانون بالتحرير الثاني لسيناء الذي يجعلها قلب مصر وليست أطرافها وعمق مصر وليست شرقها. سيناء هي الكلمة الأولي والكلمة الأخيرة في الدروس المستفادة من العدوان الصهيوني الجديد. والمهم الآن أن تظل سيناء ساخنة بداخلنا حاضرة في خيالنا محلقة أمام أحلامنا وألا يصبح الاهتمام بها مرتبطاً بمنطق الفعل ورد الفعل. عندما كنا مع الفريق سامي عنان في لقائه مع المثقفين بشرنا بأن قانون تنمية سيناء سيصدر في القريب العاجل وبموجبه ستصبح سيناء في حبة قلب مصر. وعرفنا أن القانون في مجلس الوزراء وأن أسبوعا لن يمر قبل صدوره. ويوم أن يصدر سيكون هناك كيان خاص بسيناء داخل مجلس الوزراء يعمل من أجلها ويحل مشاكلها ويجعلها جزءاً أصيلاً وجوهرياً من مصر. يمكن لنا أن نعتبر سيناء مشروعنا القومي مثلما التف المصريون حول بناء السد العالي وجعلوه أغاني وحكايات وروايات ونمط حياة. سيناء تصلح لأن تلعب هذا الدور في وجداننا. ولأن المؤرخ الكبير آرنولد توينبي قال عن المصريين أن الذي يحركهم ثنائية التحدي والاستجابة. فعندما يكون أمامنا تحد كبير فإن حجم الاستجابة لهذا التحدي هو الذي يحرك المصريين ويحفزهم علي الإبداع. ما زلت أذكر كلام جمال حمدان بعد عودة سيناء في أوائل الثمانينيات عندما تحدث مطولاً عن تصوره لمستقبل سيناء. وقد كتبه مرات. لكن لم يتوقف أحد أمامه. قال الرجل إن الجيوش عندما تتقدم لمعاركها يكون وراء كل جيش مؤخرة. فيها الزاد والزواد العتاد والذخيرة. لماذا لا نجعل من سيناء مقدمة لمصر؟ فكرة الرجل بسيطة. لكنها عملاقة أن تنشئ كل محافظة مصرية مقدمة لها في سيناء. تأخذ مساحة من الأرض. تنقل إليها مواطنين من أبنائها يعيشون فيها. وبذلك تلخص سيناء الأمة المصرية بعاداتها وتقاليدها. بقضها وقضيضها. بفقرها وغناها. بخيالها وارتباطها بالأرض. ثم إن الأجيال التي ستولد في سيناء ستصبح جزءاً من رمال سيناء. وقد تنسي مع قادم الأيام أن الآباء والأجداد أتوا من محافظات أخري من قلب مصر. في هذه الحالة سيختلط علي رمال سيناء البحاروة والصعايدة. الفلاحون والبدو الرحل. أهالي المواني وسكان البنادر. وستسمع أجواء سيناء لهجات آتية من كل مكان في بر مصر. لا أحب التعامل بخفة مع هذه الفكرة العميقة. لأن المطلوب الآن لسيناء قبل اللحظة الراهنة كيف نزرعها بالبشر؟ كيف نستنبت الناس في كل قطعة من أرضها؟ كيف تظلل كل حبة رمل شجرة مصرية وارفة توفر لها الظلال والحياة والإحساس بالأمان؟ بدون هذا ستظل سيناء خطراً يهدد الأمن القومي المصري. لا أحب أن أتوقف أمام أخطاء الماضي التي ارتكبت في حق سيناء. فقد كانت جزءاً من أخطائه في حق مصر كلها. لقد تصوروا أن الفنادق والقري السياحية يمكن أن تعمر سيناء. مع أنه تعمير كاذب. والسائح الذي يأتي لا يعنيه من المكان الذي يقضي وقته فيه أي شئ. ربما لا يتذكر إسمه. لكن من يعش في المكان ويحيا فيه يصبح هذا المكان جزءاً من حياته. أنا لست ضد السياحة. ففي سيناء إمكانات سياحية هائلة. منها السياحة الدينية وسياحة المؤتمرات والسياحة العلاجية وسياحة الآثار والحضارة وسياحة الحوافز. لكن كل هذه السياحات لا قيمة لها ما لم يكن لدينا مصريون هناك يملأون كل جزء في سيناء. ويجعلونها عامرة بالبشر كل لحظة وكل دقيقة تمر. هذا الكلام لا يمنع من أن يكون أحد أهدافنا القومية تعديل معاهدة كامب ديفيد المهينة وأن يكون من حق مصر إدخال قوات مسلحة وليس رجال شرطة ولا عناصر أمن إلي المنطقة ج. وذلك من أجل أمن مصر القومي. ومن أجل أن يصبح أمن سيناء قبل أمن القاهرة وقبل أمن الإسكندرية وقبل أمن أي مكان في بر مصر كلها. إن المستفيد الأول والأخير من وضع سيناء الراهن هو العدو الصهيوني. فلا نقدم له هذه الفرصة النادرة علي طبق من الفضة.