بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أسعار الدواجن اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    أسعار العملات اليوم الجمعة 17-5-2024 مقابل الجنيه المصري بالبنوك    أسعار الحديد اليوم الجمعة 17-5-2024 في أسواق محافظة المنيا    مراسل القاهرة الإخبارية: العدوان الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يتصاعد    "حزب الله" يشن هجوما جويا على خيم مبيت جنود الجيش الإسرائيلي في جعتون    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية شرق جباليا    الخضري: لا بد من مشاركة شحاتة أساسيا مع الزمالك.. وأخشى من تسجيل نهضة بركان لهدف    مستقبل تشافي مع برشلونة في خطر.. الأجواء تشتعل    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة المنيا    أيمن صفوت يفوز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي من مهرجان الفيمتو آرت بأكاديمية الفنون    مي عز الدين تحتفل بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام على طريقتها الخاصة (فيديو)    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    تشكيل النصر والهلال المتوقع في الدوري السعودي.. الموعد والقنوات الناقلة    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    فصائل فلسطينية: قصفنا تجمعا لآليات الاحتلال وقوة إسرائيلية فى جباليا    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    الفن المصرى «سلاح مقاومة» لدعم القضية الفلسطينية    فرصة استثمارية واعدة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاحتلال يُجرف مناطق في بيت حانون    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزار قباني المتحدث الرسمي للحب
نشر في الأخبار يوم 09 - 09 - 2018

كانت البنات يتأثرن بحلو الكلام وعفاف الغزل ورقة المشاعر ولم تدخل في قاموس الحب كلمة (تحرش)
-1-
ظلت الخطابات العاطفية الزرقاء ردحاً من الزمن هي لغة الحب في جيلي والأجيال المتعاقبة كانت بعض عبارات الخطاب مطموسة ويصعب تفسيرها لأن دمعة خذلت صاحبها وسقطت علي السطور. كنا نعتز بخطاباتنا المبللة بالدموع وكان وصول الخطاب المعطر في أغلب الاحيان هو مشكلة المشاكل. معظمنا كان يلجأ لصبي المكوجي كرسول لحبيبة القلب وبعضنا كان يلقي بالخطاب المغلق بمشبك غسيل نرميه أمامها دون وسيط، فتنحني وتلتقطه ثم تخفيه في صدرها وكم كان »صدرها»‬ مخبئا لدرر الكلمات وحلاوة العبارات. كم كان صدرها مكاناً أميناً لاسرار صغيرة ولحظات ارتعاشات. تستعاد في الذاكرة!
وفي صباي كانوا يشهدون لي بطلاوة اسلوبي في موضوعات الانشاء حيث كنت الجأ كثيراً للمحسنات البديعية من استعارات وتشبيهات وكان خطي جميلاً ليس مثل روشتات الاطباء وتعليمات الصيادلة. كان خطي مقروءاً واكتشف أولاد الحتة في مقبل ببني سويف أني قادر علي التعبير عن مكنون قلبي، فكلفني أكثر من صديق أن اكتب لحبيبته خطاباً عاطفياً يجعلها »‬طوع يديه»! كنت اتفنن في كتابة الخطاب مع أن قلبي كان خالياً ولكني بدأت دون أن ادري أحب من طرف واحد كل (حبيبة) كنت أوجه لها خطاباً وكانت مشكلة تصلح فيلماً سينمائياً!
كان اصدقاء الحتة أي حي مقبل ينتظرون بفارغ الصبر الرسائل العاطفية الفتاكة من عينة (في حياتي حياتك وفي مماتي مماتك) وكنت اعلم انهم يعيدون كتابة خطاباتي باقلامهم ويستعيرون مشاعري الملتهبة. وفي ذلك الزمان كانت البنات يتأثرن بحلو الكلام وعفاف الغزل ورقة المشاعر ولم تدخل في قاموس الحب كلمة (تحرش) مع ان البنات كن يرتدين جوبات قصيرة فوق الركبة ببضعة سنتيمترات وكان في العيون خجل أو قل أدب أو قل احترام. كان الحب عفيفاً قبل أن يدخل غريب اسمه الموبايل فيمزق المشاعر ويبعثر الاحاسيس ويلغي الخطابات الزرقاء التي لا تعوض ويشدنا الحنين لها.
قبل ذلك كان عنوان كتاب قد شدني هو (طفولة نهد) فاشتريته من سور الأزبكية وأضفته إلي كتابين اخرين أحدهما (ايران فوق بركان لمحمد حسنين هيكل) و (عقلي وعقلك لسلامة موسي) وطفولة نهد للشاعر نزار قباني الذي سهرت الليالي اقرؤه وأعيد قراءته واشعر بمتعة -2- من نوع خاص تفوق كل المتع!
-2-
عرفت نزار قباني في بيروت، وكنت في فجر الاشتغال بالصحافة حددت معه موعداً وتلاقينا. قال لي إني (مختلف) في طرح الاسئلة فقد اقتربت كثيراً في صباح الخير من الشاعر صلاح عبد الصبور والشاعر أحمد حجازي وفهمت قضايا كثيرة تخص الشعر والشاعر ولهذا صغت اسئلتي علي نحو مختلف. لكن اعجاباً كبيراً بنزار قباني تملكني وهو يريني في بيته ذكري كل قطعة قد اقتناها من كل بلد اشتغل فيه دبلوماسيا وكانت هذه المعلومة اضافة لي. وبعد الحوار الذي سجلته دعاني للغداء في مطعم اسباني وزخذ يحدثني عن جنون الرقص الاسباني وشهقات الاصابع! املك ان اقول (حدثت بيننا كيمياء وتقارب) في العام الذي يليه جمعتنا ليالي جميلة ضمت غادة السمان وبشير الداعوق وبلقيس ونزار وآمال العمدة وانا. كنا نلتقي في سوق الحميدية أو حديقة دمر وفي المساء يدعونا نزار الي مطعم دمشقي لا أضواء فيه سوي الشموع! اقتربنا اكثر حين سافرنا - عماد أديب والمصور فاروق ابراهيم وأنا - الي لندن لإجراء حوار مطول مع نزار نشر في مجلة كل الناس وكان عماد اديب صاحب الفكرة ومهندسها. فيما بعد كانت اللقاءات العائلية هي الطابع لعلاقتي بنزار وبلقيس وكنت حاورته علي شاشة تليفزيون مصر.. وذات ليلة دعانا الموسيقار عبد الوهاب ونهلة هانم القدسي علي العشاء. كنا - يوسف ادريس وحرمه رجاء وجلال معوض وحرمه ليلي فوزي ونزار قباني وحرمه بلقيس الراوي وآمال العمدنا وانا- سهرنا الي ما بعد منتصف الليل وكان الحوار عن الحب والغرام والفراق والزواج. يومها قال الموسيقار عبد الوهاب بصوته الواثق من نفسه (أنت المتحدث الرسمي للحب) وفرح نزار باللقب وأضاف (وأنا محامي المرأة دون ان تطلب محامياً)! وضحكنا، ثم طلبت نهلة القدسي ان نسمع آخر قصائد نزار، فقال لا أعرف كيف أتلوها الا في جمع كبير كالأمسيات الشعرية في عواصم العالم وفي مصر في مناسبة عيد الكتاب. كان نزار في تلك الليلة كالنجوم وكان العالم العربي مشغولا به. بقصائد مقبولة وقصائد ممنوعة وقصائد أثارت جدلاً. وقصائد سياسية صادرتها بعض الانظمة. كان نزار محور الاحاديث يومها قال يوسف ادريس ان نزار فهم المرأة المخملية ولم يعرف قلب ام أو قلب امرأة مطحونة او قلب بطلته في رواية الحرام. وهنا قال جلال معوض: ما رأي المحكمة مشيراً إلي الموسيقار عبد الوهاب الذي قال ان يوسف علي حق في جهل نزار بمشاعر نساء الطبقة المتوسطة وحينئذ قال نزار (ان لكل امرأة قلبا ووجدانا. والمطحونة مثل الخملية تشتاق وتجرب اللوعة ولكن بشكل آخر)! كنت اشعر أن هذه الحوارات هي المتعة الحقيقية التي لا تتكرر في أي زمن وللعلم افتقدها بجنون.
قلت لنزار: هل في دمشق حوارات أدبية؟
قال: حوارات دمشق تغوض في السياسة لشوشتها وحوارات بيروت ادبية وحوارات القاهرة مفجرة لقضايا ومناقشات (يطلع علينا الفجر ولا ندري)!
-3-
خذله جسده بعد ان كان قامة ممشوقة، وكنا نلتقي في مهرجان المربد العراقي أيام كان لوجه الفن والادب فقط. لم تكن اطماع صدام في الكويت قد بدأت بعد. كنا نلتقي في مقهي المثقفين في بيروت وتلاقينا في امسيات شعرية كان يشعل فيها نزار المشاعر. كان في قصائده يخاطب القلوب وكان في فترة يخاطب العقل وكان نثره ينافس شعره. ثم بعد أكثر من خمسين عاماً في الشعر، تعب الدمشقي الذي احترف الهوي. كان حافظ الأسد قد نفذ وصية نزار ان يدفن في غوطة دمشق وهو مدفون في كل غوطة عربية! صحيح ان الشاعر كائن استثنائي، ولكن يستثني من ذلك موقفه من الموت. ياما اتهموه بأنه شاعر »‬التنهدات والحلمات» لأنه أكثر الشعراء شعبية وشهرة. ورد عليهم نزار بشعر سياسي ولا تزال قصيدته في رثاء عبد الناصر (قتلوك يا آخر الانبياء) حاضرة.
كان نزار هو شاعر »‬تفاصيلنا» الصغيرة. فنجان قهوتنا الصحيفة الملقاة فوقها نضارة النظر. أصابعنا المبصرة كان اقدر المحامين عن المرأة لأنه كان يعتبرها قضية وهو يريد أن يرفع الغبن عنها. يوم رحل نزار، انتحبت القصائد وأضربت الدواوين الشعرية ونكست جمهورية الحب الديمقراطية اعلامها وأعلنت ان نزار لم يمت لأن الشعراء لا يموتون. هو الذي يملك في مكان ما غير معلوم مناجم كلمات يصوغها وينحتها وترصع حروفها بمصنعية نزارية! كان نزار قباني يرقد تحت شرفة كل عاشق وعاشقة يشاهد الحكاية منذ كانت نظرة حتي صارت أرقا ووجعاً بين الضلوع. لا أنسي ما قاله لي الشاعر الماغوط يوماً (نزار خلص اللغة من الرسميات وهو المؤسس لجمهورية الشعر) كان شعر نزار يعتذر عن ركاكة الحياة في بعض جوانبها. يكفي نزار اننا كنا نستعير عبارته الأدبية في خطاباتنا لحبيباتنا. حتي عندما اقتحم الموبايل حياتنا (كنا نختلس مقاطع شعرية من قصائدك) ونتهاتف بها. وعندما غني عبد الحليم حافظ قصائده وصل الجمال الي قمته والرقي الي منتهاه. عاش نزار احزاناً هائلة. ابنه توفيق ورفيقة دربه بلقيس. كان يحزن بحضارة ويخفي عن العيون ذلك الالم بعرض الافق.
قصائد نزار العاطفية ترقد علي صدور المحبين وفوق رفوف قلوبهم وقصيدة بلقيس - كما قال لي مرة - صارت حزب معارضة. ظلت الدهشة تعمر قلبه وابدا لم تهاجر الطفولة من صدره.
نزار قباني، شاعر عربي يستحق جائزة تحمل اسمه لأجمل القصائد وليس سرادقات كلام في مناسبة ميلاده أو ذكراه. ولعلهامير شعراء العصر الحديث.
عطر قصائد نزار، لا يذهب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.