كان الرئيس الراحل أنور السادات أول من أطلق وصف »المجنون« علي العقيد معمر القذافي بعد أن تأكد من اختلال عقله، وغرابة أفكاره، وتضارب قراراته، ونرجسيته المضحكة التي أقنعته بأنه الأمين علي الشعوب وممول ثوراتها ومصفي خصومها ليس فقط داخل ليبيا وجاراتها، وإنما علي مستوي قارات الدنيا الخمس! كم أضحكتنا أفكار كاتبنا الكبير أحمد رجب، وبريشة فناننا المبدع مصطفي حسين في الصفحة الأخيرة في »الأخبار« اليومية، والصفحة الأولي ل»أخبار اليوم« الأسبوعية ويظهر فيها الأخ العقيد في ملابس »الجنرال« بدليل عشرات الأوسمة والنياشين والنجوم والسيوف علي كتفيه وصدره.. رغم أن ثقافته العسكرية لم تزد علي رتبة الملازم! وازدادت السخرية من القذافي عندما أظهرته ريشة مصطفي حسين والتيتينة »البزازة« داخل فمه، وجالسا علي »القصرية« الشهيرة! كانت تصريحات القذافي، وخطبه، وأحاديثه المذاعة والمرئية تثير الضحك والحزن معا. الضحك من رئيس دولة لا نفهم معظم كلماته، وإن فهمنا بقيتها كنا نذهل من صدورها عن رئيس دولة، ونستغرب استسلام الليبيين لحكم هذا المهووس بنرجسيته الدموية، وصبرهم وصمتهم علي ما وصلت إليه بلادهم من تدهور علاقاتها وسمعتها ومصداقيتها في عيون الدنيا كلها؟! لن أقدم جديدا إذا تحدثت عن حماقة ودموية نظام حكم القذافي. فما أكثر ما عرفناه، وسمعناه، وقرأناه، عن جرائم هذا النظام علي امتداد أكثر من أربعين عاما. وحتي بعد أن استيقظ الشعب الليبي أخيرا جدا ونجح في هدم القذافي واسقاط نظامه، لايزال المهووس يعاند ويكابر ويحارب ويهدد بحرق بلاده وشعبه ليتركها خرابا ودمارا من بعده. القديم / الجديد الذي كثيرا ما توقفت أمامه حائرا في تفسيره هو هل يمكن لمخلوق لا تفهم جملة واحدة مما يقوله ورغم هذا استمر يحكم بلدا وشعبا خلال هذا العمر الطويل؟! مرات عديدة رأيت فيها الزعيم الليبي سواء في خيمته التي ينصبها في »سرت« أو غيرها من المدن الليبية، أو خلال بعض زيارات القذافي للقاهرة. أول لقاء كان في قاعة الاجتماعات بدار أخبار اليوم، حيث طلب القذافي من الرئيس السادات أن يلتقي بالصحفيين في مقارهم ليسمع منهم ويقول لهم. تم اللقاء، بدعوة من أستاذنا الراحل موسي صبري وحضره العديد من كتاب وصحفيي أخبار اليوم، كما حضرته الأستاذة القديرة الراحلة: أمينة السعيد رئيسة مجلس إدارة دار الهلال آنذاك.. بدأ الضيف القذافي يتحدث بصوت خافت زاد من صعوبة سماعه، وهو ما اضطر أحد الزملاء إلي تنبيه القذافي إلي رفع صوته حتي نسمعه. ورفع القذافي من نبراته ويا ليته لم يفعل. فقد ترك مقعده وأمسك باصبع طباشير وتراجع إلي الوراء ليكتب كلمات ويرسم خطوطا علي سبورة كبيرة لشرح نظريته المبتكرة في لماذا المرأة تحبل والرجل لا يحبل؟! وبالطبع.. صعق الحاضرون مما يقوله القذافي مستخدما أوصافا وألفاظا نابية يشرح بها »نظريته« الشخصية في الحمل والولادة.. لم نفهم منها شيئا ولا معني وهو ما جعل الأستاذة أمينة السعيد تبدي اعتراضها علي ما يقوله القذافي الذي لم تفهم منه سوي تلك الألفاظ والمسميات غير اللائقة ولم تتوقع سماعها من رئيس دولة ولا في لقاء له مع صحفيين وكتاب! صدم القذافي وتوقف عن الحديث، وعن »شخبطته« علي السبورة. تكهرب جو اللقاء.. وابتسمنا جميعا: اعجابا، وتأييدا، لما قالته الأستاذة أمينة السعيد وعبرت تماما عما كنا نقوله لأنفسنا، أو نسمعه همسا من بعضنا لمن يجاوره. وعلي الفور سارع الأستاذ موسي صبري بلباقة وطرح سؤالا مفاجئا يتعلق بمشكلة أو قضية لا أتذكرها الآن وكان موسي صبري يعرف اهتمام القذافي بها وحرصه علي تكرار رأيه ونظرياته وتوقعاته لحلها. وبالفعل.. تجاهل القذافي صفعة أمينة السعيد، وأطلق العنان للسانه ليقول الكثير جدا مما لا يفهمه أحد.