تعتبر اختناقات القاهرة المرورية من أحد الأسباب الرئيسية التي تؤثر علي إنتاجية الأفراد وأدائهم الوظيفي بسبب تعرضهم اليومي للإنهاك الجسماني والعصبي جراء الزحام اليومي للمواصلات بما فيه من ضوضاء وتلوث سمعي وبصري ومشاحنات ومنازعات أصحاب المركبات بالشارع. هذا بالإضافة إلي التأثير السلبي للزحام علي حالة الأفراد المزاجية نتيجة شعورهم بالضيق و بالملل والضجر من طول الانتظار في إختناقات الطريق، وتأخرهم علي مواعيد عملهم وبالتالي علي تقديم الأعمال في مواعيدها مما يشعرهم دائما بالضغوط النفسية وعدم قدرتهم علي إنجاز الأعمال بنشاط وهمة أو عدم الرغبة في التواصل مع الآخرين، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي تدني مستوي أداء الأفراد وضعف إنتاجية المؤسسات بصفة عامة. وتعتبر القاهرةالمدينة الأولي في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية من حيث عدد السكان وتحتل المركز السابع بين مدن العالم ازدحاماً حيث يسكنها حوالي 15 مليون نسمة وتشهد شوارعها أكثر من 20 مليون رحلة يوميا ويوجد حوالي 5 ملايين سيارة من جميع الأنواع والماركات والطرازات تسير في شوارعها، بالاضافة الي مئات الكباري فوق الارض و تحتها (الانفاق) مما جعل القاهرة تتحول الي جراج متحرك يسير مثل السحلفاة و يتسبب في أمراض الشيخوخة بسبب الاختناقات والتلوث البيئي وفقد الوقت واستنزافه أثناء السير في الطرق. وتشير الأرقام إلي أنه يتم ترخيص 210 الف سيارة جديدة سنويا بالقاهرة، ووفقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فإن عدد السيارات في مصر وصل الي 3 ملايين و230 ألف سيارة، منها مليون و11 ألفا و450 سيارة في القاهرة وحدها، وتتحمل مصر خسائر كبيرة جراء الزحام المروري الذي تخلفه هذه السيارات حيث تقدر وفق دراسة أجرتها وزارة النقل بالتعاون مع وكالة التعاون الدولي اليابانية بجايكااب 400 مليون دولار سنويا. كما أكد خبراء الاقتصاد أن الدولة تخسر يوميًّا ما يفوق عن 20 مليون جنيه نتيجة عدم حضور الموظفين في أوقاتهم ونتيجة زيادة استهلاك السيارات والبنزين، كما يتكبَّد المواطن من 25 إلي 35 من راتبه لإنفاقه علي أي وسيلة مواصلات عامة من سكنه إلي عمله، ويستغرف يوميا ما يقرب من 40٪ من وقته اليومي بين الإنتظار أو التحرك البطيء في زحام المواصلات. ولقد كشفت دراسة حديثة في مجلة "التنمية الإدارية" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، عن أن الازدحام المروري يؤدي إلي استنزاف الأشخاص علي الصعيد المادي والمعنوي وإلي سوء المزاج، ويسهم في اعتلال الصحة العامة مما يؤثر سلباً علي أداء الموظفين وعلي إنتاجية المؤسسات بشكل عام. كما كشفت أيضا دراسةٌ أجرتها وزارة النقل اكدت فيها أن الاقتصاد المصري يتحمل خسائر سنوية تبلغ 400 مليون دولار لفقد الوقت نتيجة الزحام المروري، وزيادة تكاليف تشغيل المركبات أثناء السير في الشارع المصري. وقد طرح المفكرون اطروحات مختلفة عاجلة لحل زحام القاهرة من واقع تجارب بعض الدول مثل: 1- وقف إصدار تراخيص المركبات بالقاهرة لحين مع تقنين نظام التقسيط للمركبات للحد من أعداد المركبات التي تسير في شوارع القاهرة. 2- فرض رسوم عالية علي دخول السيارات الأماكن المزدحمه بالقاهرة في وقت الذروة مثلما يحدث في المانيا والنمسا وبعض دول أوروبا. 3- توفير وسائل نقل عامة مريحة في أنحاء القاهرة كالأتوبيسات،الميكروباصات أو التوك توك) مثل دبي وتركيا 4- السماح للمركبات الفردية للسير في القاهرة في أيام مختلفة عن المركبات الزوجية مثلما يطبق في سنغافورة واليابان كوسيلة لتخفيف التلوث البيئي. 5- التدرج في نقل الخدمات المختلفة خارج القاهرة بالمدن الجديدة. 6- التوسع في توفير الخدمات الالكترونية بالقطاع العام والخاص أو فتح منافذ لها لتقليل تردد المواطنين علي المصالح المختصة . 7- تفعيل فكرة تقديم الخدمات الحكومية أو الخاصة في أوقات مختلفة علي مدار اليوم لتقليل حدة الزحام وقت ذهاب العاملين ورجوعهم من العمل. 8. تخصيص حصة للوقود لكل صاحب مركبة طبقا لمتوسط رحلته اليومية من وإلي مكان عمله. وأعتقد أن الحلول لا يمكن أن تأتي من قبل الحكومة وحدها دون مشاركة مجتمعية من قبل الأفراد ومنظمات المحتمع المدني للتخفيف من حدة المشكلة من خلال إدارة جيدة للأزمة وتكوين مجموعات عمل لحشد الجهود المجتمعية لها ومتابعة حلها من خلال: 1- تفعيل بعض الأفكار الحديثة مثلما يتبع في بعض دول أوروبا مثل مبادرة " نركب سوا " التي تم تجريبها في مصر لتناوب استخدام السيارات الخاصة فيما بين مجموعات من الأفراد الذين يرتادون نفس الطريق للذهاب الي العمل بهدف الاقتصاد في استهلاك الوقود وتخفيف تلوث البيئة والمساهمة في دفع أقساط السيارة حيث اشترك في المبادرة ما يقرب من 450 شخصا.