التطور الايجابي هو تكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة للحكومة باعداد وثيقة مباديء حاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية لاعداد دستور جديد، واصدار هذه الوثيقة في شكل اعلان دستوري جديد بعد توافق الأحزاب والقوي السياسية. والتطور الايجابي هو اعلان الدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء، ان الحكومة تعمل علي ارساء وثيقة مباديء دستورية تجمع بين جميع الوثائق التي طرحتها القوي السياسية وعرضها علي الرأي العام لكي يصدر بها اعلان دستوري في حالة التوافق عليها.. والغريب ان بعض القوي اعلنت رفضها القاطع لإصدار هذه الوثيقة، وهددت بالنزول إلي الشارع وتنظيم مظاهرة مليونية جديدة. وقال هؤلاء انهم سيواجهون هذه المباديء الدستورية »بكل قوة« وسوف يتحركون بكل ما يملكون من قوة »لدفع هذا الضرر« والدفاع عن الارادة الشعبية »وتصعيد الاحتجاجات«. وهناك من اعتبر أنه يمثل إرادة الشعب المصري وبالتالي سيكون هناك »رد قوي« بمجرد إصدار الوثيقة المذكورة. ومرة اخري ترددت المزاعم بأن الشعب »قال كلمته في الاستفتاء« وغير مسموح »بالالتفاف علي الإرادة الشعبية«، كما ان اصدار مثل هذه الوثيقة »سيهدد استقرار البلاد وأمنها لأنه يعد خروجاً علي الشرعية«!!.. وقبل ان نتناول بالتعليق تلك »الصدمة« التي شعرت بها قوي معينة لدي سماعها عن هذه الوثيقة.. نستعرض خطوات ايجابية أخري من المنتظر تحقيقها مثل الاتجاه الي تخفيض عدد المتقدمين بطلب تأسيس حزب سياسي جديد إلي ألف عضو فقط بدلا من خمسة آلاف - كما جاء في قانون الاحزاب - والاتجاه إلي تطبيق نظام القائمة النسبية في الانتخابات في ثلثي مقاعد مجلس الشعب. أما عن ردود الفعل الساخطة علي مشروع وثيقة المباديء الدستورية فانها تثير الدهشة، وخاصة بعد ان أصبحت كلمة »الدستور« تجعل هؤلاء الساخطين يصابون بحالة عصبية هستيرية كما لو كان الدستور عملاً مضادا للإرادة الشعبية.. رغم ان الدستور هو الذي يحدد كيفية توزيع السلطة بين الهيئات المختلفة داخل الدولة، كما ان الدستور هو الوثيقة الأسمي التي تصوغ فيها الأمة إرادتها لتنظيم العلاقة بين السلطات وبين الحكام والمحكومين. وأي دستور يتضمن من الاحكام نوعين: نوعاً يتعلق بالمقومات الاساسية للمجتمع وحقوق الافراد وحرياتهم والنوع الثاني يتعلق بتنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية ورئاسة الدولة. ويري المستشار الدكتور عبدالعزيز سالمان رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا انه من غير الجائز ان تكون الاحكام المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الافراد محلاً للتعطيل، لأنها احكام تعلو فوق الدستور - حتي لو تضمنها هذا الدستور - باعتبارها، بسبب طبيعتها لصيقة بالمواطن ولا تقبل وقفاً او تعطيلاً أو انتقاصاً. ويري الدكتور محمد كامل ليلة، في كتابه »القانون الدستوري« انه حتي في حالة سقوط الدستور عقب نجاح الثورة، فإن ذلك لا يترتب عليه المساس بحريات الافراد وحقوقهم، ذلك ان النص علي هذه الحقوق والحريات ورد في ميثاق دولي هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقرته الأممالمتحدة في العاشر من ديسمبر عام 8491، وبذلك اصبحت مباديء الحرية والحقوق الفردية مقررة في نصوص وضعية دولية تجعلها أسمي من الدساتير وغير مرتبطة بوجودها أو الغائها. وقد ظهرت عدة اتجاهات فور نجاح الثورة: هل يسقط دستور سنة 1791 فورا من تلقاء ذاته، ودون حاجة إلي تشريع محدد يقرر ذلك السقوط أم انه مازال موجودا.. أم انه معطل، والمعروف ان الثورة تتم خارج الاطار القانوني والدستوري ومع ذلك فإن الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس الأعلي ويتضمن 36 مادة بينها المواد التي جري الاستفتاء عليها.. كان يشتمل - في نفس الوقت - علي أكثر من 04 مادة من دستور سنة 1791.. وكلنا نعرف ان دستور سنة 1791 كان مؤامرة ضد الشعب وضد الديمقراطية لأنه جعل البرلمان خاضعا للسلطة التنفيذية، وهذه السلطة كانت تخضع، بدورها لرئيس الجمهورية، الذي كان فوق القانون وفوق المساءلة والمحاسبة رغم سلطاته المطلقة، وكان يتخذ من الدستور مطية لاهوائه، ويجد فيه من الثغرات ما يمكنه من تحقيق اغراضه غير المشروعة. ومن هنا قلق الرأي العام من احتمال ظهور اية مواد في دستور مصر القادم تكرس لسلطة رئيس الدولة علي نحو يخل بتوازن السلطات او يعيد الحياة الي دستور سنة 1791 مرة اخري، رغم ان أهم الاسباب التي أدت إلي تفجر ثورة 52 يناير هي الاستبداد السياسي وتركيز السلطة ومنع تداول هذه السلطة، وقهر المعارضة السياسية، وتزوير التعبير عن الارادة الشعبية في الانتخابات، وانتشار الفساد المالي، والعدوان علي المال العام، واستئثار فئة محدودة بالثروة الوطنية وثمار التنمية، وانسحاب الدولة من المجالين الاقتصادي والاجتماعي عن طريق الادعاء بأن هذا ما تفرضه حرية السوق، وتخلي الدولة عن واجبها في حماية الفئات الضعيفة اقتصاديا، وإهدار الحريات الشخصية، واعتقال الآلاف وامتهان كرامتهم الإنسانية في ظل حالة طواريء دائمة، كما يقول الدكتور يسري العصار، استاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. وفي تقدير المستشار ماهر سامي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، انه لم يغب عن نظر لجنة التعديلات الدستورية، التي صدر قرار من المجلس الأعلي بتشكيلها في 41 فبراير 1102 انها »لا تكفي بتشكيلها في ذلك الوقت لتمثيل جميع أطياف المشهد السياسي بما يتيح لها التعبير عن توافق شعبي تملك بموجبه التصدي لمراجعة كافة نصوص الدستور«. وما استفتي عليه الشعب هو تخفيف القيود علي الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وتحديد فترة شغل هذا المنصب بما لا يجاوز مدتين، وتقرير الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات، والغاء المادة 971 التي كانت تجيز اتخاذ اجراءات مقيدة للحريات بحجة مواجهة الإرهاب. وقد تم ادراج تلك المواد في الاعلان الدستوري الصادر عن المجلس الاعلي بتاريخ 03 مارس 1102، مما يعني اننا لم نكن في حاجة الي الاستفتاء علي هذه المباديء الدستورية المشار اليها. ويقول المستشار الدكتور محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، ان الاعلان الدستوري يختلف، في عدة نقاط عن التعديلات الدستورية التي جري الاستفتاء عليها.. فالاعلان لم يتضمن حكم الفقرة الاخيرة المضافة الي المادة 981 من دستور 1791 رغم ان الشعب قد استفتي عليها ووافق عليها.. فقد تجاهل الاعلان الدستوري هذا الحكم في نصوصه. في التعديل الدستوري كانت الصياغة تتضمن اضافة فقرة اخيرة إلي المادة 981 تجيز - كحكم عام - ان يطلب رئيس الدولة، بعد موافقة مجلس الوزراء او نصف اعضاء مجلسي الشعب والشوري اصدار دستور جديد تتولي صياغته جمعية تأسيسية من مائة عضو ينتخبهم اعضاء المجلسين في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع خلال خمسة عشر يوما من اعداده علي الشعب للاستفتاء عليه. اما في الاعلان الدستوري - المادة 06 - فإن الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري يتم بدعوة من المجلس الاعلي للقوات المسلحة خلال ستة اشهر من انتخاب اعضائهما بقصد انتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو لإعداد مشروع دستور جديد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها. كلمة السر هي محاولة فرض الوصاية علي الشعب.