كان يري ان اصعب الاشياء ان تكتب بطريقة مستقيمة وبأمانة ونزاهة.. وان تقول الحقيقة السبت: رسالة من المذيعة »رانيا هاشم« حول زيارتها لتركيا قبل أيام تحتوي علي ملاحظات مهمة جديرة بالتأمل جاء في الرسالة: »عندما تزور تركيا لا تستطيع ان تنام، فهي تجذبك ليلاً نهاراً لكي تقرأ أسرارها.. الضحكة لا تفارق المواطن التركي.. تمنيت من كل قلبي ان أجد هذه الضحكة علي وجه المواطن المصري. حاولت ان أعرف سر الابتسامة والبهجة والتفاؤل في ملامح وجه المواطن التركي، وقادتني المشاهد الي الاستنتاجات التالية: »شبكة المواصلات الدولية تحظي باهتمام كبير من جانب اجهزة الدولة، فهي باختصار سهلة وتمتد الي كل الانحاء، ولا ترهق المواطن.. فهي - كخطوط للنقل العام - مرضية ومريحة للجميع، وكلها مكيفة الهواء.. فلا تشعر بالتوتر أو العناء. وتستطيع ان تستقل سيارة الاوتوبيس بالكارت الممغنط، المدفوع مقدما، والذي سيتم تعميمه قريبا، علماً بأن كل المحطات والمسافات بسعر موحد. وغير مسموح بأن يتولي السائق الحصول علي أجرة الركوب حتي لا ينصرف عن القيادة. ولا توجد سيارات اوتوبيس متهالكة في شوارع المدن التركية.. احتراماً وتقديراً للمواطن الذي يحق له ان يحظي بخدمة محترمة، وحتي لا تكون السيارات القديمة سبباً في عرقلة حركة المرور أن انبعاث عوادم تلحق الضرر بصحة المواطن. »وقطارات المترو التركية وسيلة حيوية للانتقال، والكثيرون من الاتراك يتركون سياراتهم ليستخدموا المترو نظراً لسرعته. وتستطيع ان تضع ثمن التذكرة. في جهاز الدفع الالكتروني وتحصل علي باقي نقودك إذا وضعت مبلغاً يتجاوز ثمن التذكرة. ويلفت النظر وجود لافتات ارشادية كثيرة تقودك إلي المحطات التي ترغب في التوجه اليها. وتوجد اللافتات في داخل المحطات وفي داخل عربات المترو نفسها، بالاضافة الي صوت يعلن اسم المحطة قبيل وصول قطار المترو اليها. أمنيات كثيرة لدي »رانيا هاشم« من بينها اقامة دعوي علي المسئول الذي لا يرصف الطرق، والامتناع عن فرض ضرائب باهظة تثقل كاهل المواطن، والمطالبة بإلغاء ضريبة المبيعات التي تمثل عقوبة للمواطن الذي يشتري سلعة معينة، ويكفي ان تقتصر علي السلع الترفيهية المهم انها تريد إعادة الابتسامة والتفاؤل الي المواطن المصري. ذكريات حادث انتحار الاحد: قبل بضعة اسابيع من عيد ميلاده الثاني والستين انتحر الكاتب الامريكي الشهير »ارنست همنجواي«. كان ذلك في صباح الثاني من يوليو عام 1691. في ذلك الصباح، تناول كاتب »العجوز والبحر« بندقية الصيد المفضلة لديه، وأطلق رصاصة علي رأسه. خمسون سنة مرت علي رحيل هذا الكاتب الكبير، الحائز علي جائزة نوبل، والذي شارك في خمس حروب.. بين نظامية وأهلية، وكان رائدا للتحقيقات في ميادين الحروب في العالم. فقد كتب عن الحربين العالميتين وعن الحرب الاهلية الاسبانية.. وتوجه طواعية مع قوات الحلفاء لمتابعة عملية الإنزال الكبري بمقاطعة نورماندي الفرنسية التي كانت بداية التحول في الحرب العالمية الثانية ضد هتلر. وكان همنجواي في باريس عند تحريرها من القوات النازية الالمانية. وهذا الروائي وكاتب القصة القصيرة، وأحد أهم الشخصيات في الادب الامريكي في القرن العشرين.. كان نموذجا للرجل الجريء الذي ترك شجاعته انطباعاً قوياً لدي كل من حوله. عندما كانت تصرخ صفارات الانذار.. يظل في جلسته هادئاً تماماً ولا يهرب إلي أقرب مخبأ كما يفعل بقية زملائه. كان يفعل كل ما في وسعه لكي يكون بين المقاتلين من أجل الحرية. في رائعته »لمن تقرع الأجراس«؟ يروي وقائع وبطولات القوي المناهضة للفاشية في الحرب الاهلية الاسبانية، وهناك من يعتبرون أن كل مؤلفاته.. انتقادية للمجتمع، فقد كان شخصية جادة تحمل افكاراً جادة.. وخلال وجوده في اسبانيا في عامي 7391.8391 عمل في إعداد الفيلم التسجيلي »الأرض الاسبانية« مع المخرج الهولندي اليساري »جوريس أيفنز«. وقد تأثر همنجواي بالاديب الامريكي الكبير مارك توين، ولكن همنجواي نفسه كان له تأثير كبير علي الأديب الفرنسي - من أصل جزائري- »البير كامو« ، وكذلك علي الفيلسوف الفرنسي الوجودي »جان بول سارتر«. كوبا هي البلد المفضل لديه. ولم يتوقف عن العودة اليها، بل هي التي أوحت إليه برواية »العجوز والبحر«، رغم ان باريس، في عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي، شهدت أولي خطواته الأدبية، ولها نكهة مميزة لدي الكاتب، فهي عاصمة للثقافة العالمية. وكوبا.. هي التي منحته الهدوء والعزلة.. والمكان الذي يكتب فيه كل رواياته الكبيرة.. مثل »الشمس تشرق ايضاً (6291و »وداعاً للسلاح« (9291) و »لمن تقرع الأجراس«؟ (0491). المفاجأة في ذكري موت همنجواي هي المعلومات الخطيرة التي كشف عنها صديقه وكاتب سيرته »ارون ادوارد هوتشنر« في صحيفة »نيويورك تايمز« الامريكية يوم 2 يوليو الجاري (اي في يوم الذكري).. كان الفهم السائد ان حالة الاكتئاب التي عاني منها الكاتب وحالة الاضطراب النفسي التي سيطرت عليه وشعوره بأنه فقد الالهام الذي يدفعه إلي الكتابة، الي جانب مشكلاته المادية والصحية والزوجية.. هي التي دفعته الي الانتحار. الآن يقول »ارون ادوارد هوتشنر«، صديق همنجواي الحميم خلال السنوات الاربع عشرة الاخيرة من حياته، ان كل هذه الافتراضات والتفسيرات لانتحار الكاتب.. غير صحيحة. اما السبب الحقيقي للانتحار، فأنه يرجع الي الواقعة التالية: عندما عاد همنجواي إلي كوبا عام 9591، لكي يكتب مقالا طلبته منه مجلة »لايف« الأمريكية. كان المعروف أن الكاتب علي علاقة طيبة بنظام فيدل كاسترو، الزعيم الثوري الكوبي الذي تولي السلطة بعد نجاح ثورته. وقد صرح همنجواي لصحيفة »نيويورك تايمز« بأنه مسرور بالاطاحة بنظام حكم الديكتاتور »باتيستا« في كوبا الذي ساندته الولاياتالمتحدة. وربما يكون هذا التصريح هو الذي دق جرس الانذار في مقر مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكية. وربما تذكر رجال مكتب المباحث الفيدرالية ما صرح به همنجواي في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي من أنه كان يرغب في اندلاع ثورة اجتماعية عقب الحرب العالمية الاولي. يقول ارون ادوارد هوتشنر، صديق الكاتب، ان المباحث الفيدرالية كانت تشك في وجود علاقة تربط همنجواي بالنظام الكوبي بزعامة كاسترو، ولذلك وضعته تحت مراقبة دقيقة ومستمرة. وهذا ما يؤكد الملف السري للمباحث الفيدرالية، الذي نشر في عام 3891، ويقع في 721صفحة، وجاء فيه ان رئيس المباحث الفيدرالية الشهير »ادجار هوفر«، اليميني المتطرف الي درجة الهوس، كان يجد متعة خاصة في متابعة عملية مراقبة همنجواي. وقبيل انتحار الكاتب، قام هوتشنر بزيارته في منزله في كيتشوم بولاية ايداهو الامريكية.. وخلال الزيارة سمع هوتشنر.. علي لسان همنجواي العبارة الآتية: (أنني أعيش أقسي أنواع الجحيم. أنهم يتنصتون عليّ في كل مكان، وسيارتي مليئة بأجهزة التنصت، كل شيء تحت المراقبة، من المستحيل ان اتصل بالهاتف.. ورسائلي تصلني مفتوحة«!.. واستمرت هذه المراقبة حتي أثناء وجود همنجواي في مستشفي سانت ماري بولاية مينيسوتا التي دخلها عام 0691 لتلقي العلاج. ويعترف هوتشنر بأنه لم يقدر يومها حجم »الرعب« الذي كان يعيشه همنجواي بسبب رجال المباحث الفيدرالية. ويقول أنه يعتقد الآن ان الكاتب كان يشعر بالقلق من المراقبة مما ساهم في تفاقم حالة الاكتئاب التي كان يعاني منها مما دفعه الي الانتحار. والمعلومات المؤكدة الآن تشير إلي ان »ادجار هوفر« وضع همنجواي تحت المراقبة ابتداء من الاربعينيات، أي.. حتي قبل انتصار ثورة كاسترو.. وفي السنوات التالية.. كتب عملاء المباحث مئات التقارير عن همنجواي وسجلوا المئات من محادثاته الهاتفية. لم يكن هذا غريبا علي سلوك المباحث الامريكية.. فقد كان همنجواي يقول ان »وظيفة الكاتب ان يقول الحقيقة«.. كذلك كان يقول: »ان أصعب شيء تفعله في العالم هو أن تكتب بطريقة مستقيمة وبأمانة.. وبواقعية نزيهة حول الكائنات البشرية«. كان الكاتب يصارح قراءه بأننا.. »الآن ونحن نعيش في زمن يسوده العنف والزيف والخداع والشهادة الزور والأغلاط والافتراءات والأكاذيب من أجل شهوة المال، فأنني سأقضي بقيمة حياتي في محاولة أن أكون عادلا. وهذا لا يعني - رغم ذلك - انهم اشخاص لا يستحقون الشنق إقراراً للعدالة«. والحقيقة ان همنجواري أمضي بقية حياته وهو يصر علي ان يكون عادلاً وان يقول الحقيقة.