أحاول أن أتمالك نفسي وهي تنزع بي ناحية الخوف المرابض في كل مكان من أرض الوطن، وبسبب لا يجهله أحد تقريبا أصبحت مصر مهددة من الداخل يطارد الأشرار نورتها ويقضون مضجعها ويشوهون بهاء شهدائها الذين أصبحوا عقدا أخيرا من الأحجار الكريمة يطوق جيدها. مصر الآن تصرخ في الطرقات وتستغيث لأن الأهداف العظيمة والتي من أجلها ثار الشعب تبتعد يوما بعد يوم، ويشرع هؤلاء المختبئون في الشقوق والجحور في تكدير صفوها وإذاعة الفوضي بين ربوعها، ومن هم أولئك الذين خلفهم النظام الساقط من ورائه حتي تخرجهم ونكشف وجوههم الملثمة أمام الشعب الذي لا ينام من جراء ما يصنعون به. ولا تحسبنهم هؤلاء المأجورين المدججين بالأسلحة البيضاء وأدوات البغي المختلفة وحدهم، إنما جيوش البلطجية هي جانب واحد قد أعدوه ومهدوا به شرعية زائفة، وأحكموا بهم القبضة علي الشارع واستطاعوا من خلال خلايا فاسدة زُرعت في جميع مؤسسات الدولة أن يكملوا الدائرة ويجعلوا أعزة الوطن أذلة، وأن يخربوا كل ما بناه الوطنيون الشرفاء خلال مسيرة العمل الوطني، من أجل ذلك، فوجئ أبناء مصر بهذه المأساة المروعة حين تهاوي النظام بمجرد أن تنحي رجل واحد علي رأسه، فهل كان ذلك نظاما حقيقيا أم أن شيئا غامضا كان يدور من وراء ستار فأدي إلي هذا المنظر المرعب والذي استمر حتي يومنا هذا يعمل علي مقاومة تيار الثورة بطريقة خبيثة، وهي إحدي وسائل الثورة المضادة التي تحاول انهاك الشعب وإثارة الرعب بين أبنائه وإشاعة الفوضي والانفلات في شوارع الوطن وداخل مؤسساته. هذا ما يدور بالضبط، فالثورة يتم استدراجها إلي تفاصيل من الأحداث ترغم الأطراف جميعا علي الاستغراق فيما لا طائل من ورائه لينفق الجهد ويبلغ اليأس منه مداه، ويتم تفكيك أهم منجزات ميدان التحرير، وهو التكاتف والتعاضد والجسد الواحد الذي وقف وقفة تاريخية »إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي«. وكأني أسأل نفسي لازلت، هل بدأت الثورة تستعيد نفسها من جديد يوم الجمعة 8 يوليو، أم أن الذين يريدون بها شرا قد نجحوا في عرقلة المسيرة حتي يتفرغوا ويستعدوا للانقضاض عليها وإظهارها أمام العالم شائهة مكسورة، هل هي الفكرة القديمة التي تحاكي ما فعلته قريش في غزوة أحد أو ما فعلته إسرائيل »بالدفرسوار« وأحدثت الثغرة التي أعاقت تقدم مصر وأربكت المنتصرين، لعل ذلك يبدو من بعيد ومن بين ثنايا الأحداث التي نراها اليوم نجدنا أمام أمرين كلاهما مر، فإما أن نصبر علي هذه الموجات المتلاحقة من ضربات البلطجية ومن يمولونهم بالملايين والسلاح ويرسمون لهم الخطط الجهنمية، وإما أن يكون الرد علي المخططين والممولين وراء السجون أو خارجها حاسما وقاطعا ورادعا للمرجفين والسفهاء والخونة الذين يتربصون بالأبرياء والآمنين في الشوارع والبيوت. لقد أغراهم هذا الذي قد يبدو علي أنه بطء في الإجراءات وقد يبدو انه تخبط في موضع آخر في تكييف التهم وإعداد العدة القانونية التي سوف تدفع قتلة العزل من شباب الوطن ولصوص الأرض والمال والعرض، وليس هناك شك في أن الثورة المصرية تحتاج لكل الشرفاء في وقفتنا هذه وفي يومنا المجيد الذي نريد له أن يصبح يوم تصحيح المسار إلي الأمام وتجاوز الصغائر التي تشبه غنائم الحروب فالتفت إليها أناس لم يقدروا الثورة حق قدرها ولم يعلموا أن نجاح الثورة أهم بكثير من الأحزاب والأشخاص، فلا مجد يليق بأي واحد منا إذا ضاع مجد هذه الثورة في الانقضاض علي الغنائم الزائلة، عرض الدنيا، ومصر الباقية لايدنو منها ومن عزتها أي كسب هزيل سوف ينقضي ويمضي كما تفعل الأيام بالهشين بعد أن كان نباتا يانعا أصابه الغيث وصار إلي زوال. إنني ومعي جموع المصريين نشعر بأن هناك علي بعد أسابيع يقبع وحش مفترس يريد أن يفتك بالثورة العظيمة، يبث المزيد من الخوف في قلوب البسطاء، والمتخذين موقعا محايدا من الحياة بسبب ثلاثين عاما من العزلة واليأس من أن يأتي عليهم يوم يكون لصوتهم قيمة أو لوجودهم نفسه شيء من قيمة، ومن هنا ينبغي أن يستمع إلينا العقلاء الذين ساندوا الثورة وحموا صفوفها، وأن يدفعهم حب الوطن إلي مزيد من الانصات إلي صوت العقل بعيدا عن أي شك. دفتر أشعار الثورة ليس هذا ثمن الموت شهيدا أن ينثروا فوق لحدك بعض الذهب أو يطلقوا اسمك المجيد علي بعض الشوارع أو يرسموا وجهك فوق العلب ليس هذا قدرك أن يسيل دمك زهيدا أو تباع المعاني النبيلة باسمك بين كلام الخطب إنما أنت روح الوطن الجميلة وأنت الحياة التي ليس يدنو إليها العطب.