عندما ألقي القبض علي مدير صندوق النقد الدولي -دومنيك شتروس كان- لتورطه في الاعتداء الجنسي علي عاملة تنظيف في فندق بنيويورك، تفرغت كبريات وصغريات الصحف الأمريكية لتغطية هذه الفضيحة العظمي، نظراً لعالمية السياسي والوزير الفرنسي الأسبق، ومدير صندوق النقد الدولي آنذاك، والمرشح الاشتراكي الأكثر حظاً لمنافسة اليميني »نيكولا ساركوزي« في انتخابات رئاسة فرنسا في عام 2102. فور الكشف عن الفضيحة.. بادر أنصار »شتروس كان« بالتشكيك فيها، واستحالة تورط »رئيس فرنسا القادم« بالاعتداء علي »خادمة أفريقية هربت من الفقر في بلدها إلي الولاياتالمتحدة لتعمل في أحد فنادقها«. وسمعنا، وقرأنا تعليقات بلسان أصدقاء ومعارف »شتروس كان« أكدت وجود »مؤامرة« قام بها خصومه السياسيون - سواء من أحزاب اليمين أو من منافسيه في الحزب الاشتراكي- لوقف مسيرته في اتجاه قصر الإليزيه الرئاسي(..). صحيفة »نيويورك تايمز« نشرت مقالاً -آنذاك- يسخر كاتبه فيه من »هؤلاء الفرنسيين المجانين« الذين يشككون في صحة الاتهامات التي وجهها المدعي العام الأمريكي لشتروس كان، والزعم بوجود »مؤامرة سياسية« للإطاحة بمدير صندوق النقد الدولي. الفضيحة أصبحت حديث العالم كله، خاصة مع تلاحق أحداثها والكشف عن وقائعها والإسراع في إجراءاتها والأمر بحبس المتهم، ثم الموافقة علي خروجه من السجن بكفالة مليون دولار، وبضمان مالي -5 ملايين دولار- ضد هروبه، مع وضع قلادة حديدية الكترونية حول قدمه لمراقبة تحركاته علي مدار الساعة ليس هذا فقط.. بل حكموا عليه بالإقامة الجبرية داخل شقة استأجرها وتحت حراسة مشددة علي مدار الساعة وعلي نفقته، وعدم مغادرته الشقة إلا للقاء محاميه أو لزيارة الطبيب. وقيل إن إيجار الشقة وتكاليف أفراد الحراسة بلغت ما يقرب من ربع مليون دولار شهرياً.. تدفعها زوجة المتهم الثرية، كما سبق وسددت ال6 ملايين دولار ككفالة وضمان عدم مغادرة البلاد! إجراءات قضائية، وترتيبات أمنية، غير عادية، ولا مسبوقة، وهو ما أقنع الجميع بأن »شتروس كان« مدان بكل الجرائم التي وجهها إليه المدعي العام الشهير، والذي اكتسب شهرته وشعبيته عبر كسب قضاياه ضد المشاهير والأثرياء وأصحاب المناصب العليا والنفوذ السياسي. لم يكتف الإعلام العالمي -خاصة الأمريكي والبريطاني- بالمشاركة في البحث والتنقيب في الحياة الخاصة للسياسي الفرنسي ومدير صندوق النقد الدولي لتسليط الأضواء علي سلسلة »غرامياته« و»تحرشاته« بالنساء -وما أكثرها بالفعل.. والرجل سبق أن صرح لصحيفة فرنسية قبل أيام من فضيحة فندق نيويورك- بأنه »يحب النساء فعلاً.. وماذا بعد؟!«. أقول لم يكتف الإعلام بكشف أسرار المتهم، وإنما اهتم أيضاً بجمع المعلومات عن الضحية الفقيرة، المسكينة، التي هربت من بلادها خوفاً من العسكر الذين قاموا باغتصابها، ولجأت إلي شقيقتها المقيمة في نيويورك وتكسب قوتها وقوت ابنها من وظيفتها المتواضعة في تنظيف غرف وأجنحة فندق »سوفيتيل«. كما نقلوا عن جيرانها ومعارفها أنها »سيدة جادة، ملتزمة، متدينة، ولا تغادر غرفتها عادة بعد رجوعها من الفندق«. معظم المتابعين للقضية، والمشاركين في استطلاعات الرأي المتتالية، وقفوا إلي جانب الضحية البائسة التي افترسها المتهم المتوحش الذي توهم -كما قالوا- أن ماله ونفوذه ومنصبه سيحول دون إدانته في جرائم تصل أحكامها المتوقعة إلي السجن لمدة لا تقل عن 07 عاماً. وصباح أمس الأول -الجمعة- فاجأتنا الصحيفة الأمريكية الكبري -نيويورك تايمز- بخبر صاعق يؤكد »انهيار قضية شتروس كان« بعد أن اكتشف مكتب الادعاء أن الضحية ليست كما كان يظنها، وأنها كاذبة في أقوالها، مما يعني إخلاء سبيل المتهم بدون كفالة تمهيداً للنظر في تبرئته! .. وهذه قصة أخري، أكثر إثارة. إبراهيم سعده [email protected]