الجمعة: ظللت اتصل كل ساعة بصالة تحرير الاخبار واسأل.. هل ظهرت نتيجة التصويت لجائزة النيل المرشح لها احمد رجب؟ وحتي الثامنة مساء كان كل ما حصلنا عليه من اجابة هو ان الزميل علاء عبدالهادي نائب رئيس التحرير موجود بالمجلس الاعلي للثقافة لمعرفة النتيجة. واخذت اتصل بالزميل العزيز علاء علي المحمول.. وارجوه ان يبلغني النتيجة فور اعلانها. وبعد انتظار تصورت انه طويل جدا.. دق جرس التليفون وجاءني صوت علاء مهللا.. احمد رجب فاز بالجائزة. شعرت وكأنني انا التي فزت بالجائزة.. فاحمد رجب هو صديق العمر الوفي منذ سنوات لا اريد أن احددها حتي لا ينكشف عمرنا.. ومع ذلك استطيع ان ابوح بأن هذه السنوات تزيد علي الخمسين تصوروا صداقة عمرها يتجاوز النصف قرن! وقفزت إلي ذهني صور قديمة جدا.. صورة احمد رجب زميلي في كلية حقوق الاسكندرية الذي كان لم يبلغ العشرين من عمره.. وكنا نلتقي غالبا في ترام الرمل »ابو دورين« فقد كنت اسكن في بولكلي واركب ترام خط باكوس وهو نفس الخط الذي كان يركبه احمد رجب.. وكان احمد رجب مثلما هو الان شديد الحرص علي اناقته.. ويختار ربطات عنق زاهية اللون.. ويضع في فمه »بايب« أو غليون يدخنه وكأنه يريد ان ينسلخ من طبقتنا الوسطي ليبدو في صورة لورد انجليزي.. أو ربما شرلوك هولمز.. وكان واضحا منذ البداية انه طالب متفرد.. فقد كان رئيسا لتحرير مجلة الكلية »اخبار الجامعة« التي كشف فيها عن موهبته في الكتابة التي اتضح مع مرور الزمن انها معشوقته الاولي وكانت »اخبار الجامعة« فرصة لكي يسخر فيها احمد رجب من زملائنا الطلبة والمعيدين والاساتذة والحياة الجامعية بأسرها. وفي هذه المرحلة من العمر كان احمد رجب يعرف تماما ما يريد لنفسه في المستقبل.. كان يردد انه لن يعمل إلا بالصحافة.. وصحافة »اخبار اليوم« بالذات.. صحافة علي ومصطفي امين اللذين ظل مخلصا لهما علي الدوام.. وكانت له جملة شهيرة يرددها هي انه يشعر بان الدم الذي يجري في عروقه ليس دما.. وانما هو حبر المطابع. وعندما حصل احمد رجب علي الليسانس من الاسكندرية اتجه فورا إلي القاهرة.. إلي دار اخبار اليوم.. إلي علي ومصطفي امين اللذين كانا صيادي مواهب.. وقد ادرك الاستاذان بحسهما الصحفي العالي انهما امام موهبة صحفية نادرة وقماشة صحفية مدهشة.. وخلال عامين استطاع احمد رجب ان يقفز السلم الصحفي وان يصبح نائب رئيس تحرير مجلة »الجيل« التي كانت احدي اصدارات اخبار اليوم الاخت الصغري لمجلة اخر ساعة.. في زمن كان الوصول إلي المناصب الصحفية في ظل المعلمين علي ومصطفي الكبيرين شديد الصعوبة.. ويحتاج إلي جهد كبير وموهبة غير عادية وكان لكل مجلة أو جريدة نائب رئيس تحرير واحد وليس عشرات من نواب رئيس التحرير مثلما يحدث الان. ولم يكن هناك في هذا الزمن تليفزيون أو نجوم للتوك شو.. كان الصحفيون هم نجوم الاعلام.. ولم يكن هناك سوي ثلاث أو اربع جرائد يومية قومية.. وعدة مجلات من اهمها اخر ساعة وروزاليوسف وصباح الخير والكواكب والجيل التي صار احمد رجب كاتبها الاول.. فكانت مقالاته هي السبب الرئيسي في زيادة التوزيع.. وقد بدأ اسلوب احمد رجب الساخر في التبلور في الجيل حيث بدأ في اطلاق اسماء ساخرة علي بعض الشخصيات المعروفة.. مثل الاسم الذي صار علما علي القارئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذي كان وسيما انيقا ويضع عمامته علي جانب رأسه.. وهو ما جعله محل اعجاب النساء.. فأطلق عليه احمد رجب اسم الشيخ عبدالباسط براندو.. نسبة إلي النجم السينمائي الشهير في تلك الايام مارلون براندو.. وبدأ بعدها احمد رجب في اختراع اسماء ساخرة للمخرجين الهابطين والمطربين اصحاب الاصوات النشاز ولاعبي الكرة الفاشلين فاصبح من نجوم المجلة مثلا كل من المخرج خميس فجلة ونجم الكرة علي بارباطوز وقليل الذمة علي سحلول الخ.. وكان ذلك بداية لان يكتب احمد رجب عددا من الكتب الساخرة الرائعة لعل احبها إلي قلبي كتاب »الحب وسنينه« الذي يسخر فيه احمد رجب من الحب والمحبين.. وقد تحول هذا الكتاب إلي سهرة تليفزيونية اعتبرها من امتع وارقي الاعمال الكوميدية التي قدمها التليفزيون المصري في تاريخه.. وهناك ايضا السهرة الرائعة »فوزية البورجوازية« التي سخر فيها كاتبنا العبقري من محترفي السياسة والمصطلحات الايديولوجية.. وفي رأيي ان توقف التليفزيون عن تقديم اعمال درامية لاحمد رجب كان من اكبر الخسائر التي لحقت بالتليفزيون وبعشاق الكوميديا الراقية.. التي هي اصعب ألوان الكتابة. واخيرا استقر احمد رجب علي عرش الكتابة الصحفية عندما عثر علي ذلك الشكل المتفرد في الكتابة وهو باب »2/1 كلمة« وفي هذا الباب الذي اصبح اشهر باب في الصحافة المصرية والعربية والذي يقرأه الملايين مع فنجان القهوة كل صباح ويدمنون عليه اتضح ان احمد رجب ليس كاتبا فقط وانما هو فيلسوف وحكيم وناقد ومبدع وسياسي ومثقف من طراز ليس له مثيل وقد كان من حسن الحظ ان يلتقي مع فنان رائع اخر هو المبدع مصطفي حسين.. فقدما للقراء ثنائيا احتلا به اغلي مكانة في عالم الافكار الكاريكاتورية الساخرة. واذا كان احمد رجب قد وصل إلي منصب نائب رئيس التحرير وهو مازال في العشرينيات.. فقد رفض منصب رئيس التحرير وهو في قمة النضج.. وهو الصحفي الوحيد الذي اعرف انه يرفض هذا المنصب الذي يحلم به كل من يعمل في بلاط صاحبة الجلالة.. لان احمد رجب لم يرد ان تضيع موهبته الفذة في الادارة وفي الغوص في مشاكل التحرير والمحررين.. فقد اخلص لفنه الراقي الذي جعل الصحفيين علي اختلاف توجهاتهم يجمعون علي انه فارس الكلمة الاولي في مصر والوطن العربي.. ذلك ان بضعة سطور من 1/2 كلمة يمكن ان تهز اقوي العروش. ويا عزيزي احمد رجب.. مبروك لك.. ولكل الذين يحبونك. وهم بالملايين والحمد لله الذي احيانا حتي رأينا اسمك يحتل مانشيت الجريدة التي كرست عمرك من اجلها.. والشكر لرئيس التحرير الشاب الذي يعرف قيمة الكبار. في مسألة التهجم علي النساء السبت: واضح ان المرأة المصرية حظها قليل مع الرجل المصري. وليس ادل علي ذلك مما يحدث للمرأة المصرية هذه الأيام.. وقد كنا نأمل بعد ان شاركت المرأة من جميع الطبقات والثقافات في ثورة يناير.. وبعد ان قامت بدورها كاملا كمواطنة تتفجر حماسا وغيرة علي الوطن مدة ثمانية عشر يوما وليلة حتي حققت الثورة الشعبية هدفها الاول بتنحي الرئيس السابق.. بل ودفعت فيه ضريبة الدم والشهادة مثلها مثل الرجل. كنا ننتظر ونأمل ان يكون للمرأة المصرية حظ اوفر في وضع خريطة طريق المرحلة القادمة.. وان يكون لها مكان في مواقع صنع القرار.. لا ان يصل الامر إلي تجاهلها سواء في عضوية وزارة الدكتور عصام شرف.. أو في اللجنة التي قامت بوضع الاستفتاء علي بعض مواد الدستور أو في لجنتي الوفاق والحوار القومي، ولكن للاسف فان ما يحدث الان هو ان يتباري اصحاب الاجندات المتخلفة في التهجم علي النساء.. ورفع الصوت بالحديث عن المرأة الحائض.. والمرأة الحامل.. وكيف يمكن للحائض ان تكون رئيسة للجمهورية.. وكيف يمكن للحامل ان تجلس علي كرسي القضاء؟ وهؤلاء الذين يتصورون انفسهم بهذه المقولات المتخلفة يتحدثون باسم الدين.. انما هم في حقيقة الامر يعترضون علي صنع الخالق وعلي اعظم عملية للخالق التي لولاها لفنت البشرية مثل هؤلاء الاشخاص الذين يريدون جر المجتمع المصري إلي عصور الظلام والجاهلية والذين يتشددون في منع المرأة من ان تنزع ولو شعرة من حاجبيها يحتجون علي العمليات الفسيولوجية التي خلقها الله تعالي في المرأة لكي يستمر للخلق.. يتبجحون ويعتبرون ان صنعة الله فيها تقصير يستحق ان تخجل منه المرأة.. وينفر منها المجتمع وحاشا لله أن يخلق ما يمكن ان يثير النفور أو الخجل وليت الامر وقف عند هذا الحد من محاولة ايذاء شعور المرأة بالفتاوي التي لا علاقة لها بالدين وانما انتهز البعض الفرصة للمناداة بحرمان المرأة من المكاسب الضئيلة التي حصلت عليها في الثلاثين عاما الاخيرة زاعمين ان كل مكسب حصلت عليه المرأة مهما كان شكليا واجرائيا وليس في الموضوع وراءه زوجة الرئيس السابق سوزان ثابت.. وكأن كفاح ملايين النساء المصريات من اجل تحسين اوضاعهن واوضاع اسرهن علي امتداد السنين ليس له حساب.. وكأن الاحصاءات الرسمية عن تعداد النساء المتعلمات والعاملات لا اهمية له.. وكأن الاحصاءات الرسمية التي تقول بان ثلث الاسر المصرية تعولها امرأة ليس دليلا علي تقدم المرأة وعلي قصص الكفاح البطولية من نساء معظمهن مهمشات.. ان ما يجري في المجتمع هذه الايام تجاه المرأة هو قسوة غريبة من الرجل المصري.. ورغبة من بعض الرجال غير المسئولين أو المستنيرين من قهر المرأة والعودة بها إلي الخلف.. إلي حد ان البعض يطالب بإعادة النظر في قانون يعتمد اساسا علي نص في القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.. فهم يعترضون علي قانون الخلع.. وايضا علي قانون الطفل الذي صدر لحماية أطفال مصر من ان ينضموا إلي ملايين من اطفال الشوارع الذين تحولوا بعد ان كبروا إلي البلطجة.. وإلا فمن هم البلطجية الذين يشكو منهم الناس ويخافونهم هذه الايام؟ أليسوا هم اطفال الشوارع الذين كبروا وترعرعوا في شوارع القاهرة والمدن المصرية؟ ان محاولة الادعاء بان بعض الاصلاحات الضئيلة التي عدلت بها بعض قوانين الاحوال الشخصية انما هي من وحي امرأة واحدة هي سوزان مبارك هو قلب للحقائق.. واهانة لتاريخ المرأة المصرية.