منذ أيام.. فوجئ عشاق أم كلثوم.. بالغاء محطة »روتانا زمان« التي كانت تقدم مساء كل ليلة.. حفلة لأم كلثوم.. تحت شعار (ع الاصل دور)! ملايين المصريين.. في الداخل.. وفي الغربة كانوا يتطلعون بعيون الحنين لحفلات أم كلثوم.. ليس فقط للاستمتاع والاستمتاع دائما لمشاهدة.. ما كانت عليه أحوالنا.. أيام أم كلثوم.. وما آلت اليه أحوالنا في ظل جمهورية شرم الشيخ! أيام أم كلثوم.. كانت قاعة الحفل مشحونة بجمهور من السيدات الانيقات اللاتي يرتدين الملابس النظيفة.. الانيقة.. المتشابهة.. بحكم تجانس المجتمع.. والثقافات التي تحكمه وتحكم الآداب والاصول التي توارثناها.. عبر اجيال من عظماء الفكر والأدب والعلم. كانت قاعة حفلة أم كلثوم.. هي التجسيد الحي.. لقوة مصر.. ووحدتها.. وقوتها المجتمعية.. وقدرتها علي مواكبة العصر دون استجداء المساعدات والمعونات والقروض.. والاطعمة في دول الغرب.. تارة.. ومن دول الشرق تارة أخري. أيام أم كلثوم لم تكن في حاجة لان يقوم أرباب العمائم بالجولات الخارجية.. لتحسين صورتنا.. وتصحيح صورة الاسلام والمسلمين.. لأن نظرة واحدة لحفلة أم كلثوم كانت كافية للكشف عن نسيج الوحدة الوطنية.. ورقة الطباع.. ولطف الشيم والعادات.. وسرعة التأثر والانفعال بالكلمة.. والنغمة.. والاعتدال في ابداء الاعجاب.. واعتدال الصفوف عند الجلوس.. والسير علي اطراف الاصابع بعد الوقوف. لم تكن حفلات أم كلثوم تشهد.. مظاهر تمزق الأمة بين مختلف الاديان والمذاهب.. فيما يرتديه الجمهور من ملابس وازياء.. وما تصدر عنه من صرخات وحركات وسكنات.. تعكس الضوضاء والعشوائية.. وتدهور آداب ابداء الاعجاب. لم تكن الازياء الوافده الينا قد اطاحت بقيمة نظافة الاجساد.. ونظافة البيوت.. ونظافة الشوارع.. وطهارة القلوب.. وشيوع حالات العفونة التي تصدر في بعض الاجساد. اريد ان اقول ان حفلات أم كلثوم.. كانت من قوانا الناعمة.. التي نباهي بها الامم والشعوب.. ولذلك فلم يكن من المثير للدهشة.. ان يقوم النظام الاجرامي البائد.. ببيع تراث مصر الغنائي.. بما فيه من حفلات أم كلثوم.. وافلامنا التراثية لشركة (روتانا) في اطار سياسة النهب والتخريب.. والتدمير التي سار عليها الرئيس المخلوع حسني مبارك. باع أنس الفقي.. تراث مصر الغنائي.. للشيخ صالح كامل.. كما باع حسني مبارك مليون فدان من اراضي توشكي للامير الوليد بن طلال.. برخص الارواح البشرية في صروحنا العلاجية. ثروات لاتباع.. ولكن حكامنا ضعاف الادراك باعوها.. في غفلة من الضمير والحس الوطني والاحساس بالمسئولية وجهلهم بمعني كلمة »تراث«! باعوا ثراث مصر الفني.. ضاربين عرض الحائط بحقوق الملكية الفكرية وجمعية المؤلفين والملحنين في اكبر جريمة عرفتها مصر في تاريخها الحديث. باعوا تاريخنا.. كي يحرموا الاجيال القادمة.. من حقيقة الوطن العظيم الذي نعيش علي أرضه.. لكي تخيل علي هذه الاجيال مقولة (ان مصر قد ولدت يوم ولد حسني مبارك). باعوا تاريخنا.. للقضاء علي مشاعر الولاء والتضحية والموت واللصوصية والندالة.. وتعميق الاحساس بان كل شيء قابل للبيع.. وكل شيء قابل للفصال والمساومة.. ومن يدفع أكثر (يشيل)! باعوا تاريخنا.. كي تنقطع صلة الاجيال الجديدة برموز هذا الوطن العظيم.. من نجوم الغناء امثال أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.. وشادية.. ونجاة الصغيرة واسمهان! ولكي تنقطع الصلة بسلوكيات الآباء والامهات والاحباء الذين جلسوا في حفلات ام كلثوم.. يستمتعون في شموخ وطني عظيم.. تحولت فيه فلاحة بسيطة بائسة.. الي نجمة في سماء الفن.. تحمل ارفع الاوسمة وتنحني لها الرءوس في العالم العربي.. من خليجه الي محيطه. هذه هي مصر التي حاولت عصابة الرئيس المتخلي حسني مبارك بيعها.. والالقاء بها بين براثن جماعات النصب والاحتيال التي ترفع الشعارات الدينية.. لاشاعة الفتنة والشقاق بين البشر. كانت مصر في زمن أم كلثوم.. هي قلعة منيعة ضد عصابات التطرف.. او تحقيق المكاسب الدنيوية عن طريق شغل ابناء الامة الواحدة. عن قضايا العمل والبناء والتقدم.. وتحقيق الانجازات العلمية والثقافية والفنية الكبري التي تضع الوطن في مكانه الصحيح بين الامم الراقية. في زمن أم كلثوم.. كانت سماء الوطن تلمع بالنجوم في كل المجالات بأسماء طه حسين وعباس محمود العقاد وأنيس منصور.. والتابعي واحسان عبدالقدوس وحسين فهمي وكامل الشناوي وعبدالرحمن الخميسي وسامي داود.. ومصطفي أمين.. وعلي أمين.. ومصطفي مشرف. كانت قلعة القوة الناعمة في مصر.. تحول دون ظهور.. ديدان التطرف.. التي وصلت لحد ادعاء ملكية بيوت الله.. وتحويلها لقلاع خاصة لتكديس الاسلحة.. وأدوات القتال والعدوان.. عندما تحين ساعة الانتفاض علي الوطن.. وتمزيق أوصاله. بيع التراث الفني لمصر.. لم يكن من قبيل الصدفة! حرمان المواطن المصري من مشاهدة هذا التراث علي قنواته الوطنية.. لم يكن صدفة! المواطن المصري الذي يحن لمشاهدة هذا التراث كان يلجأ لقنوات (روتانا) العربية.. كي يشعر في كل لحظة بالانكسار.. وفي الاوقات التي تختارها وتتحكم فيها القنوات الاجنبية علي خط (زواج المسيار)! وفي اطار الصفقات الاجرامية التي عقدها أنس الفقي لبيع حفلات أم كلثوم لقناة (روتانا).. باع الفقي اكثر من أربعة الآف فيلم انتجتها مصر خلال مائة سنة.. واستطاعت رءوس الاموال العربية ان تحتكر تاريخ مصر السينمائي موزعا بين قنوات (روتانا) و(ايه. آر. تي). واصبحت روتانا تمتلك اكثر من ثلاثة آلاف فيلم مصري وتمتلك القناة الاخري 0021 فيلم.. كانت الافلام المصرية.. تقدم للاجيال الجديدة.. في مصر.. القواعد العامة للاخلاق التي افتقدناها.. و(الاصول) التي يتعين علينا ان نحافظ عليها.. والملابس العصرية التي كانت سائدة في مصر دون ان تتحكم في اختيارها فتاوي طائشة.. تصدر من أرباب عمائم لم يحصلوا علي الحد الادني من الثقافة العامة.. ولم يتربوا في بيئات طبيعية تسمح لهم بالحب.. ويشعرون في كل لحظة بالعديد من العقد النفسية التي تجعلهم يتفرغون لمحاربة كل ماهو جميل في الحياة.. علي اساس ان النظر الي ماهو جميل.. فهو حرام. كانت الافلام المصرية القديمة تبهرنا بالشوارع الفسيحة والارصفة الآدمية.. وتثير اعجابنا بالاحياء الشعبية ونظافة البيوت في الداخل والخارج.. لتقدم لنا القدوه التي يتعين علينا الحفاظ عليها ونقلها من جيل الي جيل. كانت الافلام القديمة.. التي بعناها.. تقدم لنا الحدائق الفسيحة التي يتنقل عبدالحليم حافظ وشادية بين اشجارها وهو يقول لها: تعالي اقول لك!.. وهي ترد بدلال: بتقول إيه؟ دون ان تطل عليهم عيون التلصص لسماسرة المذاهب.. وتدعو لاحراق دار العرض.. بمن فيها من الكبار! والطريف في الموضوع ان الدنيا لم تنقلب رأسا علي عقب عندما رأينا راقية ابراهيم تقول لمحمد عبدالوهاب: سنتي بتوجعني.. شوف لي علاج حالا! لم يخرج علينا رجال البحث والتدقيق في المعاني الخفية للكلمات التي تحتمل التأويل والالتباس بفتاوي التحريم.. خصوصا بعد ان اعترف عبدالوهاب.. بانه »مش شايف غير صفين لولي!!« وطالبوا بقطع لسان عبدالوهاب.. وأذن راقية ابراهيم! اختصار الكلام.. نحن في حاجة لاستعادة تراثنا الفني بأسرع وقت ممكن.. وتخصيص القناة لاذاعة حفلات ام كلثوم كل يوم.. كي نستعيد مناخ الحب القديم.. واجواء الابداع وتزويد الجميع بشحنات كهربائية من العشق والهيام.. ومعها صوت راقية ابراهيم.. وهي تطلب من عبدالوهاب ان يشوف لها علاج حالا!