ليس تجاوزا علي الحقيقة القول بأن مصر لم تُقدم ابدا علي اي عمل يمكن وصفه بالعدائي ضد دولة ايران فهو الامر الذي يجعلنا نتساءل عن الاسباب التي تجعلها تتبني العديد من السياسات والمبادرات غير الودية تجاهها علي مدي الثلاثة عقود الماضية منذ اندلاع ثورة خوميني. ان من سوء النية وضيق الافق وعدم التقدير الصحيح لأصالة مصر وقيمها الراسخة بناء هذا العداء علي قبول مصر - السادات- ان تكون ملجأ لامبراطور ايران المخلوع بعد الثورة الاسلامية أواخر ثمانينات القرن الماضي بعد ان ادارت الولاياتالمتحدة - اقرب حلفائه- له ظهرها. لم يكن هذا الموقف الاخلاقي جديدا علي الدولة المصرية بتاريخها العريق وحضارتها الانسانية والاسلامية الممتدة لآلاف السنين. في هذا الاطار ظلت ابواب مصر مفتوحة دوما لاستقبال اللاجئين السياسيين من كل انحاء الدنيا حتي من ايران نفسها في عهد حكم الشاه الراحل وهوما يعني ان ما قام به الزعيم الراحل انور السادات متفق تماما مع الاصالة المصرية الإسلامية. لم يكن مقبولا ولا معقولا ان ترفض مصر تأمين مكان لاقامة الشاه الذي كان يعاني من مرض عضال قال الاطباء انه لا علاج له وهو ما حدث بالفعل حيث قضي نحبه بعد شهور قليلة. ان ما اقدم عليه السادات الزعيم الذي هزم اسرائيل المدعمة امريكيا وقاد قواتنا المسلحة الباسلة إلي نصر اكتوبر المجيد لتحرير كل الارض المصرية المحتلة.. ليس سوي تجسيد للشهامة والاصالة المصرية. ان استضافة مصر للامبراطور رضا بهلوي شاه ايران المخلوع بعد ان اصبح لا حول له ولا قوة وموافقتها علي توفير مكان لدفن جثمانه علي ارضها بعد وفاته يجب ان يحسب لها ويلقي كل الاعزاز والتقدير وليس هذا الحقد والعداء الذي لا معني له من جانب نظام الحكم في ايران علي مدي اكثر من ثلاثين عاما. تمثلت هذه المشاعر العدائية من جانب حكام ايران في التهليل المؤسف لاغتيال الزعيم انور السادات وذهبت بمشاعرها العدائية إلي حد اطلاق اسم قاتله علي احد الشوارع الرئيسية في العاصمة طهران. انهم لم يكتفوا بذلك وإنما استمروا بكل الوسائل في دعم ومساندة كل الاعمال التي تستهدف هز استقرار وأمن مصر وضرب مصالحها. وقد جاءت الفرصة لإصلاح العلاقات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك إبان تولي الرئيس خاتمي لشئون الحكم في الدولة الايرانية في بداية القرن الجديد عندما التقيا علي هامش مؤتمر الاتصالات الدولية في جنيف.. ولكن القوي المناوئة في الداخل الايراني وضعت العراقيل امام اتمام ما تم الاتفاق عليه. لم يقتصر الموقف الايراني العدائي لمصر علي الممارسات المباشرة ضدها وانما اصرت ايضا علي ان يشمل مصالحها المرتبطة بجهودها لحل القضية الفلسطينية وكذلك التآمر علي الدول العربية الشقيقة في منطقة الخليج. ورغم ذلك ظلت مصر علي عدم اتخاذ اي خطوة سياسية- ايمانا بالاخوة الاسلامية- يُشتم منها معاداة الدولة الايرانية. تمثل ذلك في موقفنا من ازمة الملف النووي لايران ومعارضتنا لأي عمل عسكري موجه ضدها رغم ذلك فقد التزمت السياسة الايرانية بعدم مراعاة المصالح الوطنية والقومية لمصر كما بدت في بعض المواقف متناقضة مع ما تعلنه من مباديء وسياسات. ان ما يدل علي هذا التناقض مساندتها لثورة 52 يناير المصرية وهو سلوك محمود والذي أراه بانه لم يكن حبا في هذه الثورة وانما نكاية في نظامها الحاكم الذي سقط وأملا في ركوب الموجة ليكون لها موضع قدم وهو ما فشلت فيه تماما. في نفس الوقت فانه لم تمض سوي اسابيع قليلة ووجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه وتنكشف حقيقتها عندما ثار الشعب السوري علي النظام الحاكم الحليف لها. لم تخجل طهران من رفض هذه الثورة واعلان دعمها وتأييدها لكل الاجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطات السورية وادت إلي سقوط مئات القتلي وآلاف الجرحي. لقد حان الوقت لان تدرك ايران ان اقامة علاقات سليمة وسوية مع مصر ومع العالم العربي تتطلب توافر الثقة القائمة علي نبذ التآمر والقبول بالتعاون المجرد من الأطماع ونزعات التسلط والهيمنة.