بقلم : د. نادر نور الدين محمد [email protected] يقصد بالتعدي علي الأراضي الزراعية نقصان المساحات المنتجة للغذاء دوريا بدلا من زيادتها لملاحقة معدلات الزيادة السكانية ولحفظ حقوق الأجيال الحالية والقادمة في الحصول علي الغذاء بأسعار غير مرهقة تحقيقا لأهم مبادئ الإنسان وهو مبدأ الحق في الطعام دون مشقة أو أن يكون الفقر سببا في عدم إمكانية الحصول علي الغذاء وبالتالي موت البشر. فإذا كان البناء علي الأراضي الزراعية يستقطع جزءا من مورد لا ينضب لإنتاج الغذاء وبالتالي يقلص الإنتاجية الزراعية فإن تلوث مياه الري وانتقال هذا التلوث إلي الترب الزراعية يقلص أيضا من الإنتاجية الزراعية نتيجة لتدهور التربة بحيث تصل إلي نسب لا تتجاوز 75 إلي 50٪ فقط من قدرتها الإنتاجية بما يعد انتقاصا أو تعديا علي التربة بفقدان ربعها إلي نصفها. إن وجود نحو 4.4 مليار متر مكعب من مخلفات المصانع التي تلقي مباشرة في الترع والمصارف وجميعها تستخدم الآن في ري الزراعات القائمة بالإضافة إلي أكثر من خمسة مليارات متر مكعب سنويا من مخلفات الصرف الصحي تلقي أيضا في هذه الموارد المائية وتتوزع علي الترب الزراعية بما يفقدها خصوبتها مع مرور الوقت ويقلص قدرتها الإنتاجية بالإضافة إلي تقلص وتدهور القوة الإنتاجية البشرية للمزارعين الذين يتعاملون مباشرة مع هذه المياه والترب ثم المنتجات الزراعية الملوثة التي تحمل كل الميكروبات الممرضة والفلزات الثقيلة المهلكة والتي تؤثر مباشرا علي صحتهم. هذه الأمور هي التي جعلت الأممالمتحدة تتخذ شعار اليوم العالمي للمياه هذا العام "مياه نظيفة لعالم صحي" إيمانا منها وتعريف للكافة بأن المياه هي رأس مال جميع البشر فهي التي تحافظ علي صحتهم وتعطيهم القدرة علي العمل واكتساب الأموال من هذا العمل ثم تعطيهم القدرة علي إنتاج الغذاء اللازم للحفاظ علي حياتهم وصحتهم ويكتسبون أيضا أرباحا من بيعهم لهذا الغذاء، كما أن المياه هي رأس المال المباشر والأهم في الصناعة وبدونها لا تستقيم أي صناعة وبالتالي فإن الربح الناتج من الصناعة أيضا من المياه. فإذا كانت المياه العذبة هي رأس مال صحة الإنسان وغذائه ونشاطه البشري سواء في الصناعة والتجارة والنقل وغيرها فليس من العقل لمخلوق أن يهدر رأس ماله بمثل هذه البساطة التي نهدرها بتعمد تلوث مياهنا العذبة فنكون كمثل من يقوم بإشعال النار في أمواله ورأس ماله. تنامي التلوث خاصة في الدول النامية التي تصب بكل جهل 90٪ من صرفها الصحي و 70٪ من صرفها الصناعي في مواردها المائية العذبة كان السبب في مناشدة الأممالمتحدة لدول العالم للحد من التلوث ومنعه من المنبع لان إيقاف التلوث أرخص كثيرا من معالجة آثاره سواء بمعالجة المياه الملوثة أو استصلاح الترب المتدهور بالتلوث وفناء العديد من الأصناف النباتية أو علاج البشر من أمراض التلوث. هذا السبب أيضا كان وراء مطالبة منظمة الأممالمتحدة للمياه بطلب تسعير المياه طالما أنها رأس المال المنتج الحقيق الذي ينبغي الحفاظ عليه من التلوث أو الإهدار أو الفقد أو الاستخدامات غير العاقلة بحيث يتعلم البشر كيفية الحفاظ علي موارد العالم المحدودة من المياه والتي لا تتجاوز 0.3٪ من إجمال الموارد المائية العذبة والتي يحتبس جزء كبير منها في المناطق القطبية وقمم الجبال كجليد وجزء آخر يفقد أثناء الفيضانات والسيول المدمرة، وثالث تصب في البحار والمحيطات كنهايات للأنهار بالإضافة إلي كميات الأمطار التي تهطل في المحيطات والبحار مباشرة والتي تشكل 70٪ من مساحة كوكب الأرض، و97.5٪ من إجمال المياه المتاحة، وبالتالي فإن حتي المياه العذبة التي لا تتجاوز 2.5٪ من إجمالي المياه المتاحة لا يمكن الوصول والاستفادة إلا من 0.3٪ فقط بما يستوجب الحفاظ والاعتناء بهذه الكمية والتي تعد هي الحياة نفسها. إن الاستثمار في إدخال الصرف الصحي إلي كل بيت في مصر، والصرف الصناعي إلي كل مصنع والحفاظ علي الموارد المائية المتاحة من التلوث لهو الاستثمار الأمثل والأهم لنا في الوقت الحالي حفاظا علي حياة البشر وصحتهم وغذائهم وأن كل جنيها ينفق في إيقاف التلوث يعود علينا بالآلاف ويجمل الحياة ويحافظ علي هبات الخالق للخلق.