جاءت القواعد المنظمة لنشأة الأحزاب الجديدة واضحة ومحددة لتحقق عدة ضوابط أهمها:- الجدية : وذلك باشتراط عدد 5 آلاف مؤسس. الانتشار : وذلك باشتراط أن يكونوا من عشر محافظات علي الأقل لكل محافظة 300 عضو علي الأقل. القدرة علي الاستمرار والاعتماد علي النفس برفع الدعم المالي الذي كانت تقدمه الحكومة للأحزاب. التعبير عن حالة شعبية وطنية، وليست حالة طائفية أو جهوية أو فئوية أو دينية . وحتي الآن ليس واضحاً هل سيتم تطبيق تلك القواعد علي الأحزاب كلها، حديثها وقديمها بحيث إذا لم يحقق أي حزب قائم شرط ال 5 آلاف عضو علي الأقل فسيتم إعادة النظر في وجوده أو يتم السماح بالدعاوي القضائية حتي يتم تنظيف الساحة الحزبية من الفطريات التي توالدت عن طريق أجهزة الأمن أو أمانة الحزب الوطني السابق أو ما عرف باسم "أحزاب الأنابيب" أو " أحزاب بير السلم " أو " دكاكين أمن الدولة". أما الأحزاب الجديدة التي ستخوض الانتخابات القادمة فقطعاً سيتم تطبيق القواعد القانونية الجديدة عليها. تم الإعلان عن رغبات عديدة ونوايا واضحة لإنشاء أحزاب جديدة أهمها: 1 حزب الحرية والعدالة الذي أعلن الإخوان المسلمون عن تأسيسه. 2 حزب »المصريون الأحرار« الذي أعلن وكيل مؤسسيه المهندس نجيب ساويرس عن تأسيسه ويضم أسماء لامعة من النخبة وهو ليبرالي التوجه. 3 حزب لليسار المصري بعد ما انسحب قادة من حزب التجمع القائم وأشهرهم عبد الغفار شكر، وأبو العز الحريري وانيس البياع. حزب الحرية والعدالة هو الحزب الذي قرر مجلس شوري الإخوان منذ عام 1989 تأسيسه وكلّف مكتب الإرشاد باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشائه، وتعذر ذلك من زمن بعيد بسبب إصرار الرئيس والنظام السابق ولجنة الأحزاب والمحكمة علي منع قيام أحزاب حقيقية... إذن هو حزب عمره أكثر من ربع قرن تقريباً، وحانت لحظة إضفاء المشروعية القانونية علي وجوده .. كيف؟ لقد مارس الإخوان المسلمون الحياة السياسية الحزبية منذ عام 1984م وحتي الآن. شارك الإخوان بقائمة مرشحين (حوالي 17 مرشحاً) عام 1984م مع حزب الوفد باتفاق بين المرحومين الأستاذ/ عمر التلمساني وفؤاد باشا سراج الدين. ولقد عشت لحظات الاتفاق ولمست بنفسي الجهد الكبير الذي بذله التلمساني لإقناع مكتب الإرشاد ومجلس الشوري وعموم الإخوان بذلك القرار، وكنت أصغر أعضاء الوفد الإخواني الذي ذهب إلي لقاء الباشا في قصره بجاردن سيتي برئاسة المرحوم / الحاج حسني عبد الباقي المليجي وعضوية المرحومين حسن الجمل ومحمد المطراوي ومحمد المسماري النواب السابقين (84 1987). ثم حاول الإخوان مع بقية القوي السياسية إقناع زعامة الوفد بأن نكون جميعاً في قائمة واحدة هي قائمة الوفد في انتخابات 1987 بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الانتخابات (المادة المتعقلة بالقائمة النسبية دون حق الأفراد في الترشيح) . فشلنا بسبب أمرين : التفسير القانوني الذي قدّمه المرحوم أ.د. وحيد رأفت وزعم أنه يهدد القائمة بالبطلان لأنها تضم أعضاء من أحزاب أخري، أما الإخوان فهم أفراد يحق لهم الترشح علي أي قائمة . التفسير السياسي الذي يتبنّاه العلمانيون المتطرفون في الوفد والذين استقال زعيمهم فرج فودة غفر الله له بعد تحالف الوفد والإخوان، وهؤلاء دفعوا في اتجاه : إذا كان الوفد قد احتوي الإخوان وضمهم تحت جناحه فكيف يتحالف مع شيوعيين واشتراكيين .. الخ. عاصرت وعايشت تلك التجربة التي انتهت بالتحالف الإسلامي بين الإخوان المسلمين وحزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987م بعد مفاوضات عسيرة بين المرحومين الهضيبي وإبراهيم شكري، وتميّز ذلك التحالف بعدّة أمور : وضوح البرنامج وإسلاميته، ولخص البرنامج عشر نقاط وعددا من الشعارات أهمها وأشهرها: "الإسلام هو الحل" . توزيع النسب بين القوي الثلاث علي هذا النحو: 40 ٪ للإخوان 40 ٪ للعمل ، 20 ٪ للأحرار. وجود ماكينة انتخابية واحدة، لها رأس مركزي، وفروع في كل الدوائر تقوم بالدعاية والتنسيق ووضع قواعد وضوابط لاختيار المرشحين وترتيبهم في القوائم مع مراعاة التوزيع الجغرافي وقوة الشخصية والشعبية .. إلخ. كنت مشاركاً في اللجنة المركزية لإدارة الانتخابات، وفاعلاً في المفاوضات بين أطراف التحالف حتي قرر الشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله الترشح بصورة نهائية قطعية علي المقعد الفردي، فترأست القائمة في الدائرة الثانية بمحافظة الجيزة : (مركز إمبابة، قسم إمبابة، مركز الجيزة) وانسحب من إدارة الانتخابات لأتفرغ للمرور علي الدائرة الواسعة. بعد نجاح 37 مرشحاً للإخوان المسلمين أصبح لهم كتلة برلمانية مستقلة يرأسها المرحوم المستشار محمد المأمون الهضيبي ولها أمين عام هو المرحوم فؤاد حجاج وكيل الوزارة السابق ويعاونه المرحوم رشاد نجم الدين وكيل وزارة ومعه عدد من كوادر إدارية عليا غير متفرعين في السياحة والزراعة والإدارة المحلية .. إلخ . هنا اتخذ مجلس الشوري القرار السابق بإنشاء حزب سياسي للإخوان ، وكان هذا القرار بمثابة تحوّل تاريخي في حياة الإخوان الذين كان من أبرز قواعد العمل السياسي رفض الحزبية لأنها تفرق الأمة وتؤدي إلي التعصب المذموم وسيثرها الاحتلال والقصر (قبل عام 1952) لصالح الإفساد السياسي السبب الرئيسي كان هو حاجة الإخوان الواقعية لحزب رسمي بدلاً من اللجوء إلي أحزاب قائمة. لم يكن مقبولاً السعي في تنفيذ القرار دون مراجعة فكرية ودعوية لذلك التوجه السياسي الفكري الذي استمر منذ الأربعينيات وحتي تلك الفترة. طرحنا علي المرشد السيد محمد حامد أبو النصر رحمه الله ومكتب الإرشاد فكرة عقد عدة ندوات وورش عمل لمناقشة القضية وحسمها من الناحية الفقهية الشرعية ومن الناحية السياسية الفكرية. تشكلت مجموعة عمل برئاسة المرحوم الهضيبي وكنت معه ضمن آخرين، عملنا علي محوْرين : الأول: إنشاء مركز للدراسات الحضارية يشارك فيها المفكرون المستقلون من خارج الإخوان لعقد ندوات عديدة حول العديد من القضايا ومنها تلك المسألة. شارك في إدارة المركز 5 أفراد، رأسهم الأخ الحبيب أ.د.محمد السيد حبيب عضو مكتب الإرشاد، ومعه المستشار البشري، وأ. فهمي هويدي ، وأ. د.سيد دسوقي، وأ. د.محمد سليم العوا، ود.عصام العريان، وكان يدير المركز د.محمود عاكف، المدرس آنذاك بكلية التخطيط العمراني. وكان فريق العمل من الشباب المتميز مثل عبد الحافظ الصاوي، وهشام جعفر وإبراهيم البيومي غانم، وغيرهم. كان أشهر تلك الندوات ما أثار ضجة عندما أفصح المرحوم مصطفي مشهور عن تعجبه أنه في ظل نظام إسلامي يتم السماح للأحزاب العلمانية والشيعوية بالعمل والنشاط، وهو ما عارضه كل المشاركين في الندوة وندوة أخري عن غزو العراق للكويت وتداعياته. وتمت طباعة أعمال المركز في كتيبات توقف بعد ذلك عن النشاط عقب محاكمتنا عسكرياً عام 1995م. الثاني: عقد جلسات حوارية مع عدد متميّز من المفكرين والفقهاء الذين يرحبون بالحضور إلي مقر الإخوان ( 1 ش سوق التوفيقية) لأن الكثيرين كانوا يتحفظون علي ذلك. أشهر من حضر الندوات الفقيه الكبير أ.د أحمد طه ريّان، والمفكر الإسلامي الشهير د.محمد عمارة. حضر تلك الحوارات غالبية أعضاء مكتب الإرشاد، انتهت تلك الجهود إلي إصدار وثيقة هامة عن التعددية السياسية في المجتمع المسلم، أقرت عدة ضوابط فكرية هامة تستند إلي اجتهاد فقهي جديد منها: التعددية السياسية الحزبية حق للمجتمع المسلم في ظل الدستور والقانون ولا حكم علي بقاء الأحزاب السياسية إلا للشعب أو القضاء. الأمة هي مصدر السلطات. تداول السلطة بصورة سلمية عبر الانتخابات الدورية الحرّة. تحديد مدد رئيس الجمهورية بدورتين فقط.