وكأن قلبي ينقصه مزيد من الأوجاع. لأفتح عيني في الصباح. علي رسالة جاءتني علي تليفوني المحمول من كلمتين اثنتين »فاروق مات«!؟ »فاروق.. مات«؟ فاروق من؟ الملك فاروق؟ الملك مات منذ سنوات بعيدة وشبع موتا. فمن هو فاروق الذي مات؟ دموع مفاجئة سقطت داخل قلبي المليء أصلا بالدموع. ليس في حياتي سوي فاروق واحد.. هو صاحبي ورفيق مشوار الصحافة. المصور الفنان فاروق إبراهيم. إذن فاروق إبراهيم المصور هو الذي مات.. آه أيها الموت! سامحني يا فاروق لانني لم أسرع إلي المستشفي لألقي النظرة الأخيرة علي جثمانك. قدماي لا تقدران علي حملي في مشوار كهذا.. وأنت يا صاحبي أيضا تعرفني جيدا. تحطمني لحظات الوداع. وسامحني أيضا إذا لم استطع المشاركة في جنازتك. لأن عندي جنازة حزينة بدأت في قلبي. جنازة تمشي في صفوفها ذكرياتنا الطويلة معا. عرفتك يا »روقة« في أولي خطوات مشواري في شارع الصحافة. وعرفت اسمك قبلها. بهرتني صورك الرائعة علي صفحات »أخبار اليوم« و»الأخبار« و»آخر ساعة« صورة عبدالحليم حافظ وهو ينحني ليقبل يدي أم كلثوم وصور كوكب الشرق وهي تغني. وكاميرتك تجعل من صورها لوحات فنية مبدعة. وهي تشرق بقسمات وجهها. وهي تعانق منديلها الحريري. بأطراف أصابعها! عرفت فاروق إبراهيم أيامها وكان يحمل شهرته كمصور خاص لأم كلثوم. ثم كمصور خاص لعبدالحليم حافظ. قلت لي يوما إن العندليب الأسمر آمن بموهبتك واشتري لك أغلي الكاميرات. وكان لا يتحرك في مصر أو خارجها بدونك. بعدما اصبحتما صديقين حميمين! ورأيتك وأنت تحمل الكاميرا وكأنك تحمل طفلك الصغير. وعرفت لماذا كنت من مشاهير التصوير الصحفي في مصر. سافرنا معا إلي لبنان لنغطي آخر أحداث الحرب الأهلية اللبنانية. ويوم وصلنا بيروت كانت الصحف اللبنانية قد اعلنت في صفحاتها الأولي عن وصول »المصور الرئاسي المصري فاروق إبراهيم« إلي لبنان! ولم يخترك فقط المشاهير وكبار الشخصيات والرموز المصرية. لتلتقط لهم صورهم الفوتوغرافية مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وغيرهما. بل كنت المصور الخاص للرئيس الراحل أنور السادات. والرئيس السابق حسني مبارك. ولا ينسي أحد صورك الشهيرة التي صورت فيها يوما كاملا في حياة أنور السادات. منذ أن يفتح عينيه في الصباح. وهو يمارس الرياضة الصباحية بملابسه الداخلية. ثم وهو يحلق ذقنه بنفسه أمام المرآة! وكدت تدفع الثمن غاليا يا »روقة«، بعدما لم تعجب هذه الصور الجريئة. السيدة جيهان السادات. لكنك وبحيوية وحب للحياة واصلت عملك. وظلت الكاميرا دائما في يدك! اذهب يا »روقة« إلي مقرك الأخير اليوم بدون كاميرا استرح من هموم الزمن والمرض والدنيا التي تغيرت. وليتك تعرف. ولا أعرف كيف ستعرف. أنني اليوم قد مات جزء من روحي. ومات جزء من جسدي أيضا. بسبب الرسالة التي لطمت قلبي في الصباح. »فاروق مات«!