نبدأ القصة من الآخر كدليل علي أن الفساد حسب المأثور الشعبي: ما لوش رجلين وأنه سيكشف في يوم ما مهما طال الزمن.. وفي هذا السياق تلقي المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام منذ أيام تقريرا من المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وذلك ضمن عدة تقارير رقابية سبق للمستشار الملط إرسالها الي الجهات المختصة التي ينص عليها قانون الجهاز حول هدم فندق الونتر بالاس الجديد في الأقصر المملوك للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق "إيجوث" وإنشاء مبني بديل. أكد الملط أنه سبق أن أرسل مذكرة عاجلة بهذا الشأن الي رئيس الجمهورية السابق منذ نحو أربع سنوات أي في عام 2007 معترضا علي موافقة رئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف علي هدم الفندق بما يمثل إهداراً للمال العام ولا يحقق الصالح العام.. كما أرسل جهاز المحاسبات مذكرة أخري إلي الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار السابق في مارس 2007 تكشف الفساد وإهدار المال العام في موضوع هدم الفندق. حديقة الونتر القديم بدأت الجريمة - وفق مصدر مطلع علي ملف هدم الفندق - بقرار رئيس الوزراء د. أحمد نظيف في نوفمبر 2005 خلال رئاسته اللجنة الوزارية الخاصة بالتشغيل في قطاع السياحة، بإزالة فندق الونتر بالاس الجديد بالاقصر بدعوي عدم مناسبته وكونه عائقا أمام المخطط الجديد لتطوير مدينة الأقصر والذي تضمن إقامة ساحة وممر في المدينة واستغلال أرض الفندق بعد هدمه في توسيع حديقة الونتر بالاس القديم حيث يعيق الفندق الجديد رؤية معبد الكرنك علي الضفة الثانية من النيل. شركة إيجوث المالكة للفندق رفضت وتقدمت بمذكرة رسمية تفيد بان الحديقة الحالية للفندق القديم التاريخي مساحتها تكفي 400 متر مربع.. وتضمنت المذكرة الخسائر التي ستترتب علي هدم الفندق وتشريد عشرات العاملين .. وبناء علي هذه المذكرة طلب وزير الاستثمار السابق الدكتور محمود محيي الدين بصفته مشرفا علي قطاع الأعمال العام في اجتماع للجمعية العامة للشركة القابضة للسياحة المالكة لشركة إيجوث إعادة عرض الأمر علي اللجنة الوزارية مرة أخري.. لكن مسئولاً بالشركة القابضة قطع قول كل خطيب حيث قال: إن رئيس الوزراء سأله منذ أيام عن الفندق وقال له: "يتهد يعني يتهد". خسائر بالجملة ورصدت مذكرة للشركة المالكة للفندق خسائر عن هدم الفندق تتراوح بين 10و20٪ من إجمالي دخل العاملين يتم توريدها لضرائب الحكومة ومن 1 إلي 3٪ ضرائب خصم وإضافة لكل الموردين و5٪ من جميع الأتعاب المهنية التي يتقاضاها المتعاملون مع الفندق.. كما نوهت المذكرة بنقص الموارد السيادية لمدينة الأقصر من الرسوم المحلية التي تصل إلي 2٪ من الإيرادات مع تخفيض الطاقة الفندقية بالأقصر بما يعادل 136 غرفة فندقية من إجمالي 2609 غرف تمثل 5.2٪. وقدرت المذكرة ذاتها القيمة البيعية لمباني الفندق بحوالي 34 مليون جنيه .. بجانب أن هدمه يخفض إيرادات الشركة 2.5 مليون جنيه سنوياً مع تحملها أعباء عمالة زائدة 156 عاملاً أجورهم السنوية 3.7 مليون جنيه.. وحال خروجهم للمعاش المبكر تتحمل الشركة 16 مليون جنيه.. علاوة علي تحمل إنشاء مطبخ بديل عن القائم بالمبني المراد هدمه تكلفته 10 ملايين جنيه. فندق بديل وبعد مداولات تم تعديل خطة هدم الفندق واستغلال الأرض في توسيع حديقة الونتر بالاس القديم إلي هدم الفندق ويبني محله فندق بديل بنموذج معماري يتناسب مع الفندق القديم التاريخي مما يحقق عائدا للشركة المالكة وفي الوقت نفسه ينفذ قرار رئيس الوزراء.. وهنا اعتبرت كلا من شركة ايجوث المالكة للفندق والشركة القابضة للسياحة أن الأمر بالنسبة لهما لا يعد إهدارا للمال العام لأنه سيتم بناء فندق بديل يحقق عائدات للشركة. كما أنهما في واقع الأمر ينفذان سياسة الدولة ممثلة في رئيس الحكومة. وبالمنطق نفسه.. برر المسئولون في الحكومة الذكية هدم الونتر بالاس الجديد بأنه في واجهة لمعبد ومانع للرؤية وإنه كان مبني للاتحاد الاشتراكي وليس تحفة معمارية مثل الونتر بالاس القديم.. وحتي إذا كانت الخسارة 50 مليوناً فإن أهمية تطوير المعبد وما سيجنيه أكبر خاصة أنه سيكشف الونتر بالاس القديم علي ساحة المعبد ما سيعطي له قيمة أكبر.. والدليل أن سعر الغرفة في الونتر الجديد في الأعياد 120 يورو أما الونتر الأصلي 1200 يورو ويتوقع أن تصل إلي 2000 يورو بعد أن أصبح الونتر القديم يطل علي معبد الكرنك. وتابع المسئولون ذاتهم أن هذه المشروعات تمت بمعرفة رئيس الوزراء واللجنة الوزارية القائمة علي تطوير الأقصر وهي مكونة من رئيس الوزراء ووزراء الثقافة والسياحة والإسكان والزراعة والتنمية الإدارية والاستثمار. فندق اكور هذه هي مبررات الحكومة والمسئولين لكن الشارع كان له رأي آخر حيث تردد ان قرار أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق بهدم فندق الونتر بالاس الجديد يرجع لكونه يحجب رؤية نيل الأقصر عن فندق أنشأته شركة اكور المملوكة لأحمد المغربي وزير الإسكان السابق وتديره مقابل 55٪ من إيراداته.. وثارت أقاويل أيضا عن مخطط لم يكتمل لبيع الونتر بالاس القديم إلي شركة اكور الذي يمتلك أحمد المغربي حصة من أسهمها. ورغم كل الاعتراضات وإرسال جهاز المحاسبات لعدة جهات وعلي رأسها الرئيس السابق وقعت الفأس في الرأس وتم الهدم بالفعل في 31-12-2008 علي أن يتم إنشاء فندق بديل بمستوي خمس نجوم يحتوي علي 74 غرفة وجناحا ذي طابع معماري مماثل لقصر "فندق ونتر بالاس القديم". وفي التاسع عشر من فبراير 2010 وضع الدكتور أحمد نظيف حجر الأساس للفندق البديل البالغة تكلفته 170 مليون جنيه.. وتم تقسيم العمل بالمشروع إلي 4 مراحل..الأولي مرحلة رسومات الرخصة وتبدأ من 15 يناير 2010 وحتي 15 مايو من العام ذاته.. والمرحلة الثانية استخراج الرخصة وتبدأ من 15 مايو وحتي يوليو 2010.. والمرحلة الثالثة أعمال الطرح والإسناد وتبدأ من أغسطس 2010 حتي 30 أكتوبر.. والمرحلة الأخيرة تنفيذ المشروع وتبدأ من ديسمبر 2010 وحتي يونيو 2013 . وفي الزيارة ذاتها التي تم خلالها وضع حجر الأساس في فبراير 2010 دعا الدكتور نظيف زوجته الحالية زينب زكي قبل عقد قرانهما حيث تم التعارف بين العائلتين.. ونزل نظيف وضيوفه في الونتر بالاس. ساركوزي وناعومي وأثارت تداعيات هدم الونتر بالاس الجديد مخاوف علي الونتربالاس القديم الذي شيد عام 1886 علي الطراز الفيكتوري وبه 7 أجنحة سكنية تطل علي النيل وحديقة بها أشجار نادرة.. إضافة إلي ملاعب تنس وحمامات سباحة.. وإزاء ذلك وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية عام 2008 علي تسجيل مبني فندق الونتر بالاس القديم وملحقاته بالأقصر ضمن قائمة الآثار الإسلامية والقبطية بناء علي تقرير علمي أكد أن القصر القديم بالفندق يحظي بقيمة تاريخية وفنية وللتخوف من العبث به بحجة التطوير والترميم. ويعني ذلك خضوع الفندق لقانون حماية الآثار ولا يمكن التعامل معه سواء بالتطوير أو التعديل دون الرجوع إلي اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلي للآثار. ويمتلك الونتر بالاس القديم شهرة عالمية واسعة ونزل به العديد من الملوك والرؤساء وهو الفندق الذي شهد أول ظهور علني للرئيس الفرنسي ساركوزي وزوجته كارلا بروني.. كما قضت فيه عارضة الأزياء العالمية النجمة السمراء ناعومي كامبل في نوفمبر 2010 أيام مع خطيبها الملياردير الروسي فلاديسلاف درونين وذلك لعمل ترتيبات حفل زفافهما في معبد الأقصر.. وبدأ تشغيل الفندق القديم "القصر" عام 1895 وتم إضافة ملحق البافيلون وبدأ تشغيله عام 1997. وتدير الفندق شركة أكور..وتبلغ الطاقة الكلية للغرف 218 وحدة تسكين تعادل 244 غرفة. خصخصة الفنادق وكانت لقضية هدم فندق الونتر بالاس الجديد وكذلك الجدل الكبير حول فداحة الخطأ في خصخصة عدد من الفنادق العامة في القاهرة مثل المريديان وكذلك في الغردقة ونجاح أسلوب فصل الملكية عن الإدارة في الفنادق العامة وراء تطبيق سياسة جديدة تعتمد تطوير وتحديث الفنادق العامة خاصة التاريخية وعدم بيع أية فنادق مملوكة للدولة تاريخية أو غير تاريخية.. ومن أبرز الفنادق التاريخية الجاري تطويرها حاليا باعتبارها تراثاً تاريخياً ومعماريا ولزيادة إيراداتها وأرباحها: فندق ماريوت القاهرة وفندق مينا هاوس أوبروي الهرم والنيل هيلتون الذي تولت إدارته ريتز كارلتون العالمية ليتغير اسمه إلي النيل ريتز كارلتون وفندق كتراكت أسوان.. بجانب فندق الونتر بالاس القديم وفندق الأقصر في الأقصر.