لم أكن اتخيل انني سأقضي ثلاث ساعات كاملة واقفا في طابور الاستفتاء.. فهذه هي المرة الأولي في حياتي التي اقف فيها كل هذه المدة من أجل الادلاء بصوتي.. كنت سعيدا بوقوفي اراقب القادمين الي مدرسة علي عبداللطيف بمنطقة العدوية ببولاق ابو العلا.. مشهد رائع.. وأروع ما فيه هو عدد الشباب الذي جاء متحمسا لاداء واجبه وتخليهم عن السلبية القديمة. قال لي أحدهم: لن أسمح بعد اليوم لاحد ان يقوم بالنيابة عني بالادلاء بصوتي بعد ان شعرت بأن لصوتي قيمة في تقرير مصير وطني.. هذه هي المرة الاولي ولن تكون الاخيرة بإذن الله.. ستري يا سيدي شباب مصر في كل محفل.. والاستفتاء هو الخطوة الاولي. حوار ساخن دار بين رجل في منتصف العمر وشاب حول رأيهما في التعديلات الدستورية قال الرجل: سأقول »لا«.. وعندي اسبابي الكثيرة.. وقال الشاب وانا ايضا سأقول »لا« ولكني مستعد لان ادافع عن حق من سيقول »نعم« للتعديلات حتي الموت.. لأن هذا حقه والديمقراطية تقتضي ذلك.. وإلا فأننا سنكون غير جديرين بها.. وسعدت جدا بهذا الشاب الذي اكد انه سيرضي برأي الاغلبية سواء كانت مؤيدة لرأيه او مغايرة له. أحسست وأنا أري سيدة مسنة جاءت مستندة إلي ذراع ابنتها للادلاء بصوتها ان هذا الشعب جدير بالحرية التي حصل عليها.. قالت السيدة عندما افسحنا لها الطريق.. للمرة الاولي رغم سنوات عمري التي تقترب من الثمانين أصمم علي ان اقول رأيي في مستقبل اولادي.. فربما لا اشهد انتخابات بعد ذلك.. أولاد البلد في بولاق أحسوا بمعاناة الواقفين في طابور الاستفتاء فأسرعوا باحضار زجاجات المياه المعدنية لإرواء عطشهم في يوم حار.. ورغم سخونة الجو وسخونة المناقشات لم يشعر أحد بالعطش الا للحرية والديمقراطية ولكن اللفتة الإنسانية جديرة بالتسجيل. اكتب هذا المقال بعد انتهاء الاستفتاء وظهور النتيجة ولكن ما شهدته في طابور الاستفتاء من صور وما سمعته من تعليقات ومناقشات جدير بأن يسجل فالمصريون ضربوا أروع الامثلة في التشبث بالحرية.. والسعي نحو الديمقراطية الحقيقية من أجل ان تقفز بلادهم قفزات إلي الامام لتصبح في مصاف الدول الكبري. والمطلوب منا في الانتخابات القادمة التشريعية والرئاسية أن نتمسك بهذه الروح.. كل منا حر في اختيار من يمثله.. وألا نري العصبيات والروح القبلية في الدعاية للمرشحين فكلهم مصريون يسعون في العهد الجديد لخدمة مواطنيهم.. لا نريد اتهامات بالخيانة او العمالة أو اتهامات بالفساد يتقاذفها المرشحون ويتلقفها الناخبون لانها ستشوه الصورة الجميلة لمصر الحديثة.. وان يبتعد الدين عن السياسة. لقد نجحنا في الخطوة الاولي نحو الديمقراطية.. فلا تعيدونا خطوات للوراء.. بل ادفعوا مصر نحو مزيد من الديمقراطية والحرية الانسانية.. والحياة الكريمة.. ومناخ جديد يقدس روح العمل والشفافية في كل عمل.. والحرية المسئولة لكل شخص في توجهاته طالما لا تضر وطنه او شعب مصر. ان مصر التي علمت العالم كله الضمير منذ فجر التاريخ وعلمت العالم اليوم كيف تثور.. عليها ان تعلم العالم غدا كيف تحافظ علي ثورتها البيضاء وكيف تنتقل بسلاسة الي الديمقراطية الحقيقية.