منذ قرابة الشهر حين خرجت الملايين من ابناء الشعب المصري الي الشوارع تطالب برحيل مبارك، جلست جيهان السادات في منزلها الذي يبعد بضعة كيلومترات عن ميدان التحرير، وشاهدت المظاهرات بارتياح. مبارك الذي خلف زوجها الراحل في رئاسة مصر لم يكن مقبولا تماما لدي السيدة جيهان.حين طلبت منها تقييمه تهربت بدبلوماسية لكن العيون ولغة البدن باحت بكل شيئ. مبارك لم يكن الخليفة المناسب لزوجها انور السادات الذي حفر اسمه في صفحات التاريخ. في المقابلة الخاصة التي اجراها معها " ملحق السبت" بجريدة يديعوت احرونوت قالت: "لم اتحدث مع مبارك منذ الثورة. في الواقع كان آخر حديث جري بيني وبين مبارك قبل اكثر من عشرين سنة. الوحيدة من اسرته التي بقيت علي اتصال معها علي مدي السنين هي زوجته سوزان. لكن لا تطلب مني ان اتحدث عنه بشكل سيئ" هكذا ناشدت المراسل يانيف خليلي. أما من قاموا بذلك نيابة عنها، فكانوا ابناء العائلة الذين وقفوا كل يوم تقريبا بميدان التحرير بجوار الجماهير التي احتجت علي نظام حكم مبارك. "ابنتي وحفيدتي تظاهرتا هناك. أرادتا مشاركة الشباب وجدانيا، والشعور بأنهما جزء من "الحدوتة". منذ اللحظة الأولي للثورة غمرني التفاؤل بأنها ستأتي بأفكار جديدة، بالحرية، بالديموقراطية، بقيم مهمة" " شاهدت في ميدان التحرير أناسا من كل فئات الشعب يقفون كتفا بكتف ويناضلون من أجل فكرة، لقد كان مشهدا مذهلا. الشباب المصري يريد ان يكون كغيره من الشباب في كل العالم. لقد أرادوا التغيير وحصلوا عليه. علي مدي ثلاثين عاما كانوا يرون نفس الوجوه بالحكومة، وبعد كل هذه السنين ارادوا رؤية صورة جديدة علي رأس الدولة. لقد رفضوا تعيين نفس الوزراء من ايام حكومة مبارك حتي في الفترة الانتقالية. وأنا اؤيدهم ، لابد من التغيير وتجديد الزعامة في مصر". هل خرجت انت ايضا في المظاهرات؟ كلا لقد تقدم بي العمر علي التظاهر أظنني قد اديت رسالتي. ليال لم ار فيها النوم في اكتوبر القادم تتم ثلاثون سنة علي اغتيال زوجها الراحل الرئيس انور السادات. ثلاثون سنة واظبت فيها حرم السادات علي الترويج للأفكار التي حاول زوجها الراحل الدفع بها: السلام في الشرق الأوسط وتمكين المرأة في العالم العربي. هذا الأسبوع جاءت لزيارة مركز القابالاه بلندن والحديث مع كارين برج زعيمة الحركة علي مستوي العالم في إطار مؤتمر السلام. توافد الي القاعة حوالي 300 شخص لينصتوا الي كلماتها. كان هناك شيوخ من الإمارات ، ابناء الطائفة اليهودية المحلية، السفير الفلسطيني بلندن، وزعماء المنظمات المختلفة. خليط فريد من البشر عادة مايجلسون علي طرفي نقيض، إلا ان نساء من امثال جيهان السادات وكارين برج فقط هن اللاتي ينجحن في جمعهن للجلوس معا والتصافح. هي في السابعة والسبعين من عمرها، لكنها لاتبدو فقط اصغر من سنها كثيرا ، إنما تبدو في قمة الحيوية وتجوب العالم. وتبقي جيهان السادات هي الصاري الذي ترتفع عليه راية السلام منذ 30 عاما وتظل رؤاها الحمائمية تمنح الطاقة المجددة في ظل انتشار تيار التشدد الذي ساد منطقة الشرق الأوسط . إذا ما أردنا تسجيل انطباعاتنا من واقع ردود أفعال الحاضرين في ندوة الأسبوع الماضي تصبح جيهان السادات في أوج تألقها. حين حدثت الثورة المصرية قبل اسابيع امام عينيها التزمت الصمت وأقلت من الكلام. وامتنعت عن توجيه النقد المباشرلمبارك الذي يعد امتدادا لمسيرة زوجها. الآن ايضا تسير سفينتها بحذر بين موجات العاصفة لكنها لا تخفي روح الفورة التي أمدتها بها الانتفاضة الشعبية بمصر. تقول:" لقد مرت علي ليال لم اذق فيها النوم. لأسباب عديدة لم يكن من السهل علي اسرتي ان نري ما حدث في مصر. لكني كنت متفائلة طيلة الوقت. انا فخورة بالشعب المصري الذي خطط ونفذ الثورة التي وصلت إلي مسامع الجميع. لم يرحلوا او يتنازلوا حتي عندما قتل المتظاهرون وأصيبوا. لقد نجحوا في نقل مصر الي عهد جديد تصطف فيه بجوار الديموقراطيات الأخري في العالم. هذه فترة الحرية والسلام. حتي الجيوش الكثيرة المسلحة لاتستطيع ان توقف فكرة انضجت زمنها. هذا ما حدث بالضبط في مصر وفي تونس. لم يستطع احد صد فكرة التغيير ، لأن هذين الشعبين كانا محتاجين لإرساء وتحقيق الديموقراطية والحرية. ان التاريخ يتشكل من اشخاص اقوياء حاولوا التسلط علي الجماهير بالقمع والتدمير. اشخاص مثل هتلر وصدام حسين والقذافي. اعتقدوا ان قوتهم ستنجح في قمع جماهيرهم وان ابناء شعوبهم ستقتنع بأن حياتهم ستكون أفضل في ظل حكام أقوياء. نهاية مثل هؤلاء الحكام كانت متطابقة لقد تم تحطيمهم. علي العكس يذكر التاريخ زعماء آخرين مثل المهاتما غاندي ونلسون مانديلا وانور السادات الذين استخدموا قوتهم في المحبة وتحسين أوضاع الآخرين. انهم الدليل علي انه لا قوة تفوق المحبة والسلام. كثيرون يخشون من الثورة في مصر ويرون انها فرصة لصعود المنظمات المتشددة والسيطرة علي الدولة. وفي مصر هناك من يدعو لمراجعة اتفاقيات السلام مع اسرائيل. أعرف هذه المزاعم ولقد سمعتها اكثر من مرة في الآونة الأخيرة . إن مصر تمر الآن بفترة حرجة للغاية . فترة انتقالية نحتاج خلالها للتمسك بالثورة ونقلها لشيئ أكثر استقرارا وثباتا. اعتقد عموما انه ينبغي الانتظار سنة علي الأقل حتي نتوجه للانتخابات ونختار حكومة جديدة. يتحدثون الآن عن فترة نصف سنة ، انما من أجل ضمان استقرار الدولة لا بد من الانتظار مدة أطول قليلا. في رأيي أهم قيمة بالنسبة لمصر في هذه الأيام هي حرية التعبير. الناس سعداء من قدرتهم علي الكلام دونما خوف من التعرض للأذي أو الاعتقال.وهذا يجعل الكثير من المصريين متفائلين مثلي. لاأعتقد ان المتشددين المسلمين سينجحون في السيطرة علي الدولة، لأن الشعب المصري واع تماما لهذا الاحتمال . واثناء المظاهرات بميدان التحرير اراد اعضاء الإخوان المسلمين الحصول علي مصداقية من الثورة. ورفعوا الأعلام والشعارات بأن الإسلام هو الحل وقد أجبرهم المتظاهرون علي إزالة هذه الشعارات وقالوا لهم لسنا هنا للتظاهر من أجل الدين ولكن من اجل الثورة والحرية. طبيعي ان يرغب كل واحد في الحصول علي قطعة من الكعكة. لكني لا أعتقد انهم سيسمحون للأخوان المسلمين بحكم مصر. لا تنس ان لدينا قوات الجيش التي تحكم البلاد الآن حتي يتم تشكيل حكومة جديدة. وأنا موقنة بأنهم سيمنعون وصول العناصر المتشددة للسلطة. الدين يجب في رأيي ان ينفصل عن السياسة.وهذا هو المنهج الذي كان يقوله زوجي طيلة الوقت. الدين ينبغي ان يبقي علاقة خاصة بين المرء وربه ولايجب استغلاله لإضفاء قوة سياسية أو التأثير به علي الناس. الدين أيضا هو لب المشكلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ عدم الاستقرار بالشرق الأوسط هو الأمر الذي يصيبني ويصيب العالم كله بالقلق. هناك كثيرون يفترضون ان الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو صراع بين الأديان او أنه مسألة سياسية، لكني اعتقد ان اصل المشكلة يكمن في الخوف، في السيطرة ، وفي القوة. كل طرف يخشي من ان يسيطر الطرف الآخر عليه، لا يجب ان نظل أسري لوهم الخوف.زوجي كان يقول دائما ان الخوف هو أفضل وسيلة لتدمير روح الفرد والجماعة. لكن كيف لا ترقب ذلك ، إن الاهتمام العالمي دائما ما يعود الي المشكلة الاسرائيلية الفلسطينية لأن هذا وضع صعب يتطلب حلا عاجلا. ما الحل؟ انا موقنة بأن الفلسطينيين يتطلعون للدولة والحرية، وأن الإسرائيليين يتطلعون للعيش في أمان بجانب جيرانهم. لكن اولئك الذين يعيشون فيها لا يحيون بسلام فيما بينهم. لكني أعود وأقول انه لا يجب ان يبقي وضع احتلال في اي دولة بالعالم. ولا ان يحيا اي شعب تحت سلطة شعب آخر. ليس هناك مالا يمكن عمله او تغييره. فإن اراد نتانياهو تحقيق السلام فسيحققه. وكان بإمكانه ان يصنع السلام لو تحلي بالمرونة . عليه ان يتصرف مثلما كان بيجين يفعل . وأنا أناشده بأن يتحلي بالشجاعة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. فنتانياهو وبيجين ينتميان لنفس الحزب. بيجين لم يكن سهلا. لقد كان رجلا صعبا للغاية. لكنه كان شجاعا وصاحب رؤية. بمقدور نتانياهو ان يصبح مثله ويسطر اسمه في كتب التاريخ. لكن ينبغي ان يرغب في ذلك في قرارة نفسه. أنا واثقة انه لو كان رابين علي قيد الحياة لتحقق السلام منذ وقت طويل.لقد ضحي زوجي بحياته في سبيل تحقيق السلام وأريد ان اري ثمار هذه التضحية في اتفاق سلام مع الفلسطينيين. ربما يكون الحل هو قيام ثورة في اسرائيل مثلما حدث في مصر؟ تضحك جيهان : كلا لا تقل اني قلت هذا. لكن اتعرف؟ يحق للشباب الإسرائيلي ان يعيش في سلام. وهو واجب نتانياهو تجاه الشباب من ابناء شعبه ان يحقق لهم السلام. علي الزعماء من كلا الجانبين ان ينسوا انفسهم ويتنازلوا عن اولوياتهم الشخصية لصالح شعوبهم الراغبة في التغيير. نحن محتاجون لزعماء حقيقيين يؤمنون بالسلام ويضعون مصلحة مواطنيهم نصب أعينهم. السلام الذي تتحدثين عنه له ثمن علي الأرض وفي الناس التي تضطر لترك منازلها؟ أيضا الناس في غزة يعيشون بلا منازل بسبب الصراع. لاتنسوا أن الفلسطينيين عاشوا هناك طيلة حياتهم. ولو تحقق السلام سيستطيع كل فرد ان يعيش في بيته وفي جيرة طيبة مع الطرف الآخر. لكني لست ساذجة وأعرف ان الواقع علي الأرض صعب وليس بسيطا. هناك حروب وإرهاب وحكومات تسقط واقتصاد ينهار. انت تري مايحدث حولنا في العالم.لكن الناس يميلون لدفن رؤوسهم في الرمال وأحيانا يكون قبول الواقع اسهل من التطلع نحو ما هو افضل". من السهل جدا الاقتناع بعدم وجود حل للصراع . في مثل تلك الأوقات يجب ان نتذكر زعماء مثل السادات ومانديلا وهؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورة في مصر الآن. الأشخاص العاديون الذين يتمتعون بقدرات غير عادية هم الذين يمكن ان يقودوا للتغيير. وبالسلام يمكن التغلب حتي علي العناصر الإرهابية. مع وجود السلام ويشعر الناس ان حياتهم تغيرت للأفضل لن يتقبلوا الإرهاب. انا مقتنعة بأنني سأشهد في حياتي توقيع اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حين زرت اسرائيل مع السادات قرروا ان نزور حيفا لكنني لم ازر القدس. واتوق جدا للذهاب الي هناك. واتمني ان اذهب للاحتفال باتفاق سلام بين اسرائيل وفلسطين. ليس هناك مكان افضل من هناك للاحتفال بمثل هذا الحدث. مليون دولار من ايميلدا عن ذكرياتها وأهم المواقف واطرفها تحكي السيدة جيهان السادات عن لقائها مع سيدة أولي أخري هي ايميلدا ماركوس فتقول: حين جاءت السيدة ماركوس للقاهرة قررت ان اصحبها في زيارة للاثار. وصلنا هناك عند مقبرة أحدي الاميرات من بنات الملك رمسيس الثاني. كانت المقبرة متصدعة وتفتقر للصيانة المعتادة. حين ولجنا الي الداخل نظرت ايميلدا الي التابوت وقالت: هذه أنا! نظرت اليها وقلت: كلا ياسيدتي انها الأميرة المصرية. لكن ايميلدا أصرت وقالت لا انها انا. نظرت مليا الي التابوت وحاولت العثور علي صورة لزوجين من الأحذية لكني لم اجد. عندما خرجنا أظهرت ايميلدا دفتر الشيكات الخاص بها ووقعت علي شيك بمبلغ مليون دولار من اجل ترميم المقبرة . ذهلت ونظرت للشيك وانا غير مصدقة وقلت لها: انت محقة انها انت. وتسترسل السيدة جيهان السادات مع ذكرياتها امام مراسل يديعوت احرونوت وتقول:كان السادات مقتنعا دائما بالسلام مع الآخر، وحين ضغط عليه الزعماء العرب كيلا يعترف بإسرائيل أعلن رسالة سلام واعتراف بالشعب الآخر وهي الخطوة الجريئة التي حطمت كثيرا من الحواجز. لا تتصور ان ذلك كان سهلا عليه لكن السادات قابل بيجين عندما كان امله ان ينهي حياته بتحقيق السلام مع اسرائيل. لم يكن يرغب في ان يموت ابناؤنا في الحروب.لقد ضجر من الحروب وأراد وضع حد لهه السلسلة التي لا تتوقف وأن يستقر الاقتصاد المصري. لكن السلام الذي تتحدثين عنه بارد جدا؟ السلام البارد افضل من لا شيئ. المصريون يشاهدون الفلسطينيين يقتلون في غزة ويقول الكثيرون منهم " اين السلام؟" لقد اقمنا سلاما مع اسرائيل ولا يبدو انها تتصرف علي هذا الأساس مع الفلسطينيين. مايحدث في غزة يحطم قلب اي انسان وليس فقط الناس بمصر ولهذا فإن السلام بارد، حين يكون هناك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيصبح السلام دافئا بين الجميع. تذكر السيدة جيهان زيارة مناحم بيجين وزوجته عليزه للقاهرة. وقتها كانت ترأس جمعية الوفاء والأمل لتأهيل المحاربين المعاقين بسبب الحرب. وقررت اصطحاب عليزه الي هناك. في الطريق تذكرت وقالت يا إلهي لعل كل المقاتلين المصابين الذين خططنا لتواجدهم في استقبالنا من مصابي الحروب مع اسرائيل. خشيت ان يقوم أحدهم ويتحدث بشكل قاس في وجهها. لكننا كنا في الطريق بالفعل ولم يكن ممكنا التراجع. لدهشتي الغامرة استقبل المصابون السيدة عليزه بمودة بالغة وقالوا لها: مدام بيجين سترين انه لن تعود هناك حروب بين مصر واسرائيل، ودمعت عيناي. حين فاز زوجها بجائزة نوبل للسلام وبمبلغ مالي ضخم نشب بينهم نقاش حاد. " السادات قرر التبرع بمبلغ الجائزة لقريته التي نشأ بها. قلت له: انور يجب ان تتناقش معي في مثل هذه الأمور. لدينا اربع ابناء ولا يملكون شيئا. اعتقد السادات انني امزح معه لكنني صممت وقلت له: اترك لهم شيئا إذن من الجائزة. قال: لها اصمتي لا تقلقي لن اترك لك أو لأحد من الأبناء شيئا افضل من الأصدقاء. سألته وحين احتاج لكتابة شيك لأحد اين اوجهه؟ لبنك الصداقة؟ اليوم انا مقتنعة انه كان محقا. المال يأتي ويروح لكن الأصدقاء الذين اكتسبتهم بفضله مازالوا معي ويفتحون ابوابهم أمامي حتي الآن. وتواصل السيدة جيهان :في السنوات الأولي بعد مقتله كنت اجلس بالمنزل وأتألم. طيلة الوقت كانت تدور بذهني افكار من قبيل ماذا لو؟ ماذا لو كنت اكثر قربا منه ساعتها؟ ماذا لو تأخر الموكب الرئاسي لكنت نجحت في إنقاذه . لكن بعد بضعة سنوات نجحت في التخلص من هذه الأفكار وأيقنت ان هذا هو قدره وهي مشيئة الله.