"اخترت الطريق الصعب".. بهذه الكلمات وصفت السيدة جيهان السادات نفسها فى أحد لقاءاتها الصحفية، فقد كانت أول سيدة أولى في تاريخ الجمهورية تخرج إلى دائرة العمل العام، وكان لها مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية متعددة، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري في ذلك الوقت، مما جعل البعض يطلقون عليها لقب "المرأة الحديدية". أم بدرجة دكتوراه وكنا في موضوع سابق قد تناولنا شخصية السيدة تحية زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتي اختارت أن تكون بعيدة عن الحياة السياسية لزوجها مفضلة لقب حرم الرئيس فنالت حب المصريين واحترامهم، واليوم نعرض تقريرا عن السيدة جيهان التى تميزت بحيويتها وشخصيتها الجذابة وطموحها السياسي بالإضافة إلى أناقتها وحضورها الأخاذ الذي ظهر فى المناسبات والفعاليات المختلفة، ولم تكتف على العكس من سابقتها بحضور الحفلات الرسمية ومشاركة الرئيس فى المراسم والبروتوكولات، بل لعبت دوراً محورياً في العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمجتمع المصري. ولدت جيهان صفوت رؤوف بمدينة القاهرة فى حى الروضة في 29 أغسطس 1933، كأول طفلة بعد ولدين للجراح صفوت رؤوف من زوجته مدرسة الموسيقى الإنجليزية گلاديس كترل Gladys Cotterill ، ابنة تشارلز كترل مأمور شرطة مدينة شفيلد بإنجلترا. ورغم نشأتها مع أم إنجليزية إلا أنها أكدت في معظم أحاديثها أن والدتها كانت وراء توهج وطنيتها، لأنها كانت تحب بلدها بإخلاص شديد وهو ما زرع فيها حب مصر بنفس الدرجة، دون أن تجد في ذلك أي تناقض من أن «العدو» في مصر كان البريطانيين. وفي سن الخامسة عشر، تعلمت جيهان اللغة الإنجليزية وأجادتها بسبب سيطرة الاحتلال البريطاني على التعليم في مصر، إلا أنها ابتعدت في المرحلة الثانوية عن التعليم الذي يؤهلها لدخول الجامعة ويركز على دراسة الهندسة واللغة الفرنسية والآداب والعلوم، واختارت الاتجاه الخاص بالبنات الذي يركز على موضوعات مثل الفن والموسيقى وتصميم الملابس والخياطة والطبخ. حصلت على شهادة GCE قبل أن يتولى الرئيس السادات منصب نائب رئيس الجمهورية، ولكنها لم تلتحق بكلية الآداب على حد قولها إلا عندما وجدت الوقت الكافي للدراسة بعد أن كبر أولادها لأنها كانت تؤجل هذا القرار حتى لا تنتقص الدراسة من دورها كأم، ثم نالت درجة الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة القاهرة تحت إشراف الدكتورة سهير القلماوي. امرأة حديدية وكانت جيهان قد تزوجت من محمد أنور السادات عندما كان ضابطا صغيرا قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. وأنجبت منه ثلاث بنات وولدا " لبنى ونهي وجيهان وجمال"، علما بأنه كان متزوجا من سيدة أخرى (إقبال ماضي) وأنجب منها ثلاث بنات قبل أن ينفصلا وهن راوية ورقية وكاميليا. وكانت أول سيدة أولى في تاريخ الجمهورية تخرج إلى دائرة العمل العام. حيث كان لها مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية متعددة، وفى هذا السياق أسست جمعية الوفاء والأمل، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري في ذلك الوقت، مما جعل البعض يطلقون عليها لقب "المرأة الحديدية". وقد بدأت مشاركتها في العمل الاجتماعي العام منذ أن كانت طفلة، حيث حرصت وهى تلميذة بالمدارس الابتدائية على جمع التبرعات وإرسالها إلى جماعة الإخوان المسلمين، الذين كانوا ينفقون من أموال التبرعات على بعض المشروعات الخيرية كبناء ملاجئ للأيتام وإنشاء مدارس وغيرها من أوجه البر. ولم تخف إعجابها بالجماعة التي وصفتها بأنها تدعو إلى المثل العليا والدين والأخلاق. وفى الفترة التي تولى فيها السادات بعض المناصب القيادية وتحديدا عقب اختياره عضوا بمجلس قيادة الثورة وتعيينه وزير دولة في 1954، لم تنقطع عن الانخراط بين صفوف الجماهير، وأثناء حرب يونية 1967 بدأت ملامح عملها الاجتماعي العام تتبلور عقب النكسة من خلال مداومتها على زيارة جرحى ومصابي الحرب ومواساة أسر الشهداء . قانون جيهان ومع اختيار عبد الناصر للسادات ليكون نائبه الأول، أخذ الدور الاجتماعي للسيدة جيهان يزداد تألقا، وعقب وفاة 'عبد الناصر' وتولى السادات رئاسة الجمهورية في أكتوبر 1970 قدمت اهتمامها بقضايا المجتمع المصرى وبخاصة الأسرة والطفل على كل اهتمام آخر، وذلك من خلال اهتمامها ومتابعتها لتعديل قانون الأحوال الشخصية. كما سعت لتحريك الرأى العام نحو طرح قضايا المرأة للمناقشة والبحث عن حلول لها، وكللت الدولة جهودها بالموافقة على مناقشة قانون الأحوال الشخصية في مجلس الشعب في عام 1979 . وفي نفس العام صدقت الحكومة على كافة التعديلات التي أقرها علماء الأزهر ووافق عليها البرلمان فنشأت بذلك قاعدة قانونية لإنصاف المرأة، وهو ما أحاطها بالعديد من الأقاويل بسبب تلك الزلزلة التى أحدثها تعديل قوانين الأحوال الشخصية حتى إن البعض أطلق عليه فى حينه " قانون جيهان "، إلا أنه قد حُكم فيما بعد بعدم دستوريته في مايو 1985، حيث صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا ببطلان القانون رقم 44 لسنة 1979 لأنه صدر بقرار جمهوري خلال عطلة مجلس الشعب ولم يعرض بعد الانعقاد للتصديق عليه طبقاً للدستور. تعديل الهوانم وإيمانا منها بضرورة الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه زوجة الرئيس بعيداً عن الدور التقليدي لزوجات الرؤساء، والذي يتركز فى حضور الحفلات الرسمية و مشاركة الرئيس فى المراسم والبروتوكولات، استعدت السيدة جيهان السادات لتلعب دوراً محورياً في العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمجتمع المصري. وعلى الرغم من زعم البعض أنها هى التى شجعت زوجها على زيارة القدس، فقد كشفت أنها لم تكن تعرف بموعد الزيارة إلا حين طلب منها زوجها أن تجهز حقيبته الخاصة التي اعتاد أن يصطحبها معه حين يعتزم المبيت خارج المنزل. وهذا يؤكد ماكشف عنه د. محمود جامع ،الذي كان صديقا ملازما للرئيس الراحل أنور السادات طوال فترة حكمه, في كتابه "عرفت السادات" أنه لم يكن يطلع زوجته السيدة جيهان على قراراته المهمة وأسرار الدولة. لكنه أضاف في كتابه الذي أثار جدلا أنها كانت تتجسس علي السادات بمعرفة فوزي عبدالحافظ سكرتيره الخاص، وتسببت في تقديم نائبه حسني مبارك لاستقالته احتجاجا على صلاحيات منحت لمنصور حسن وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية على حسابه. وقال جامع في حوار أجرته معه العربية ،تعليقا على حوار مثير أجراه معها الصحافي المصري جمال عنايت في قناة "أوربت" الفضائية، :"إن تغيير المادة 77 من الدستور بجعل فترة الحكم مفتوحة وليست مدتين فقط كان باقتراح من السيدة فايدة كامل زوجة وزير الداخلية الأسبق عندما كانت عضوا في مجلس الشعب، مع مجموعة من "الستات" بالمجلس بإيحاء من السيدة جيهان وقد عرف بتعديل "الهوانم"، لكن السادات كان مصمما على ترك الحكم فعلا بعد انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء، وقد أخبرني بذلك شخصيا، ولم يكن يريد تغيير تلك المادة". وقد سارعت جيهان بنفي ماذكر في الكتاب قائلة في حديثها للمصرى اليوم فى العدد 993 ، إن الرئيس السادات قد أخطأ في تعديل المادة 77 من الدستور والخاصة بمدة الرئاسة، وقالت إنه كان بشرا يخطىء ويصيب، وناشدت المسئولين تغيير هذه المادة، مؤكدة ما قاله جامع بأن الرئيس السادات كان ينوى أن يترك الحكم بعد عودة سيناء كاملة أو بعد اتمام فترتين من الرئاسة، وأنه كان ينوى ترشيح مبارك ليحل محله. ووجهت الدعوة بتأسيس حزب سياسى لإحياء مبادىء وأفكار الرئيس السادات التى وصفتها بأنها سابقة لعصره وجيله، ورشحت الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس الأهرام الاستراتيجى لرئاسة الحزب. عقب الرحيل وبعد حادث المنصة ورحيل الرئيس السادات واصلت السيدة جيهان نشاطها في مجال الدفاع عن حقوق المرأة من خلال قيامها بتدريس محاضرات عن المرأة العربية بجامعة ميرلاند الأمريكية، واستمرت إقامتها بمنزل الجيزة الذي أعلنت مرارا أنه مؤجر للدولة، معلنة أنها تعيش على معاش زوجها الراحل وهو ثلاثة آلاف جنيه فقط لا غير، بالإضافة إلى دخلها من عملها فى إلقاء المحاضرات. وفى السياق ذاته أكد أحمد فرغلى ،الصحفى بمجلة الأهرام العربى، وكاتب مذكرات السيدة الراحلة إقبال ماضي ،الزوجة الأولى، أن الرئيس السادات لم يكن فى حسابه فى بنك مصر عند وفاته سوى ألف جنيه.. وأن تركته لا تتعدى7 أفدنة جزء منها بإسم جمال السادات وجزء آخر باسم السيدة جيهان، وهو ما أكده أيضا عبدالخالق فاروق ،الخبير الاقتصادي الاستراتيجي، فى حديث سابق لإحدى الصحف، الأمر الذي دعاها أن تقول في سخرية ،فى مداخلة مع الإعلامى عمرو أديب معلقة على الأحداث الأخيرة، إنها "خابت هى والسادات لأنها لم تجمع مليارات مثل ماحدث مع مبارك ". وفى النهاية لا يجب أن نقول إلا أن الأقدار هى التى رسمت للسيدة جيهان ملامح طريقها فى الحياة، وأنها لم تكن تتصور أن يصبح زوجها في يوم ما رئيساً للجمهورية بعد أن كان كل أملها في يوم من الأيام أن يحصل على وظيفة وتكوين أسرة مستقلة تعيش حياة طبيعية وهادئة.