أيقظتكِ أصابع يمني وهي تجذب شعركِ بعناد، الساعة لم تتجاوز السادسة، يا من غارق في نومه بعينيه المفتوحتين نصف فتحة، اعتقدتِ أنه سيتأخر عن المدرسة ثم تذكرتِ أنه يوم الجمعة، «ماما.. كوكي» عندما ضغطتِ علي جبينكِ، أدركت أن الصداع مازال يرتع في جمجمتكِ الصغيرة كثيفة الشعر، «ماما.. كوكي» يمني تريد مشاهدة قناتها المفضلة كوكي، مشطتِ شعركِ وفتحتِ التليفزيون، أعرف أنكِ تفضلين بدء يومكِ بسماع القرآن الكريم لكن لا شيء مما نفضله يتحقق، غسلتِ وجهكِ ووجهها، كانت نسخة صغيرة منكِ، كان شادي نائمًا في غرفة الأطفال بعد حربه مع جسدكِ الضعيف، يزعجه بكاء يمني في منتصف الليل، الجمعة الفائت تناولتِ طعامهما مفتقد المذاق، يعجبني نشاطكِ في الأمس قمت بتجهيز خلطة محشي الكرنب الذي تسلقينه في يوم الشراء وتقطعينه، يمني تأكل الأرز غير الناضج وتخافين علي صحتها من صعوبة مضغه وهضمه بمعدتها الصغيرة، تعطينها ثمرة الطماطم التي سرعان ما عصيرها يوازي كل خطواتها العجلي، أسمع نداء معدتكِ لكن من يقهر عاداته، منذ كنتِ طفلة لا تأكلين إلا بعد تمام واجباتكِ، جاء يامن وداعب أخته التي بكت عندما بدل القناة، استيقظ علي شجارهما شادي ألقي التحية بعبوس، عليكِ إعداد الفطور والقهوة، دب النشاط في أجسادهم الخاملة، انفضوا من حولكِ، تجمعين ما تبقي من طعام وتطوي البطاطين وتضبطين وضع الملاءات، المهام لا تنتهي، الكنس والمسح والتلميع، عادت يمني باكية وخلفها ابنة عمها تلهو بعروسة يمني، تلاها أخوتها وصار منزلكِ نزهة لهم، شكواهم لا تنقطع، أخرج يامن طبق الحلويات فرغ في لحظتها، الأيادي الرقيقة المتسخة لم ترفق بمعدتكِ التي اكتفت بالتذوق في الأمس، طلبتِ منهم اللعب أمام الشقة في التعريشة التي رفعها شادي مؤخرًا، ركضوا كقطيع من صغار البهائم محملين بألعاب أطفالكِ التي تغضبين عند تكسيرها، يعجبني رأيكِ أن اللعبة تحمل جزءا من نقاء الطفل، كلما ضاعت قطعة فقد نقاءه، تشفقين علي من لا يملكون ألعابًا أو ذكريات محددة لطفولتهم، استكملتِ تحضير طعام الغداء فهذا الجمعة عليكِ، تحسدين زوجتيّ شقيق زوجك ضرتين بينهما قطيعة عندما تطبخ إحداهما تأكل من طعامها فقط وتشاركهما أنتِ وزوجكِ وحماتكِ وطفلاك محدودا الشهية، أما في دوركِ تجتمع العائلة بأكملها وتجلسين عند الطرف، لا تبدين رأيكِ حتي لا يتهمكِ زوجكِ بالبخل، تمسك حماتكِ بقطع اللحم تمزقها بأصابعها التي يشر الزيت من بينها وتلوك الكثير منها وتناولكِ قدرًا ضئيلاً، لم تنسِ نظرة يامن عندما نفدت الرقائق المحشوة باللحم المفروم والجبن التي طلبتِ منه الانتظار حتي تأكلوها معًا، لم يحصل إلا علي شريحة صغيرة جدًا وضعها علي حافة الصينية وأمسك بكوب الماء بعد أن شرب وجد جانب فم ابن عمه منتفخًا وعليه ابتسامة شامتة، التهم قطعته، لمعت الدموع بعينيه ولم يتكلم، يصر زوجكِ علي جلب كل الطعام من أجل العائلة، تفرغ الثلاجة إلا من الجبن والعسل والملوخية والبطاطس وأشياء لا تحرك الشهية ولا يفضلها أطفالكِ، عاد من الصلاة وعاونكِ علي وضع الطعام تتوسطه صينية الكوسة بالبشاميل ذات رائحة مغرية، ومحشي الكرنب والفرخة المشوية، ركض الأطفال أمامكِ وجلسوا في منزل الجدة الذي يجاور منزلكِ، نادي كل طفل علي أمه والباقي شمروا سواعدهم استعدادًا إلي المعركة، أفسحوا المكان إلي الجدة التي بسملت وصلت علي النبي وأمسكت الفرخة التي في المنتصف.