»الدهان« هو »الطلاء«، و»الدوكو« هو المادة التي تستخدم في طلاء السيارات، و»اللغز« يكمن في تلك المقولة الشعبية »إحنا اللي دهنا الهوا دوكو«. في هذا »اللغز« يختبيء، أحد أهم اسرار تركيبة شعب مصر، لان »المقولة« لها وجهان، احدهما ابيض وناصع، والثاني اسود ومهبب، اما الابيض الناصع، فهو ان المصريين »دهنوا« الهوا »دوكو«، أي انهم قاموا بطلاء الهواء الذي لا يمكن رؤيته أو الامساك به، وهذا معناه في »التراث الشعبي« انهم فعلوا »المعجزة«، في اشارة واضحة الي قدرتهم الجبارة علي »فعل« اي حاجة في أي حد. المصريون هنا، هم »الفاعل«، هم »المحرك« و»صاحب السطوة«، هم الذين قرروا أن »يدهنوا« الهوا »دوكو«، فامتثل »الهوا« لاوامر »الدهان« العليا الصادرة له من بر مصر، والهوا هنا »مفعول به«، غلبان.. لا حول له ولا قوة وبالتالي »اتفعل به«، ما يحلو لشعب مصر أن يفعله. هذا عن الوجه الابيض الناصع للمقولة، اما الوجه الثاني، الذي هو -والعياذ بالله- اسود ومهبب، فتنقلب فيه »الآية«، ويتحول »الفاعل« -الذي هو احنا - الي »مفعول به«، المصريون هنا، هم الذين »دهنهم« الهوا »دوكو«، هم الذين هبت عليهم »زعابيب« الزمن ورياحه، لتطلي وجوههم بلون »التراب« الاسود. من فرط »الهوان« استسلموا لكل أنواع »العبث«، و»اتفعل بهم« كل شيء، حتي فقدوا القدرة علي مجرد رفع الذراعين الي أعلي، لهش الهوا الطاير، انقلبت »المقولة« علي وجهها الاخر، ليتجسد »الانكسار« في ابلغ معانيه وابسطها، وتنبت السخرية من أرض الوجع. طبعا وأكيد وبلا جدال، الفرق بين »الأبيض الناصع«، و»الاسود المهبب«، هو نفسه الفرق بين أهل مصر بعد »ميدان التحرير« وأهلها قبل الميدان، وهو نفسه الفرق بين »المارد« و»الجثة«، بين »العزة« و»الهوان«، بين ان تكون أو لا تكون، وبالقطع أي مقولة حتي لو كانت »احنا اللي دهنا الهوا دوكو«، لم يعد لها الان سوي وجه واحد مالوش تاني »أبيض ناصع«، تماما مثل مقولات ما »بعد الميدان« ومنها، »احنا اللي اسقطنا النظام«.. »احنا اللي خوفنا المولوتوف«.. و»احنا اللي زلزلنا الزلزال«، نحن الان »فاعلون«، وكل ما عدانا »مفعول به«. شعب مصر الذي »اسقط النظام«، و»زلزل الزلزال« و»خض المولوتوف«، يستطيع ان يواصل المسيرة ويفعل أي شيء في هذا الكون، وكلي ثقة انه قادر علي اسقاط الفوضي بالنظام، واسقاط البلطجية بالتلاحم. من أكل »الذئب« لابد ان ترتعد منه »الفراخ«، فما بالنا بشعب »ابتلع الوحش« في »ميدان التحرير«، مثل هذا الشعب -بعون الله- يفتك بكل من يضمر له الشر ويهدد أمنه وسلامه، الشعب الذي ابتلع »الوحش« لابد ان ترتعد منه »الفئران«، لانها اذا لم ترتعد وترتدع -لا قدر الله- ستفعل بنا ما لا يحلو لنا، ويعود »اللغز« ليسكن مقولة »احنا اللي بلعنا الوحش«، وبالتالي يصبح لها وجهان، الأول »أبيض وناصع« والثاني - بعد الشر علينا - »أسود ومهبب«.