لست أول ولا آخر من يري أن تسبق الانتخابات الرئاسية الانتخابات التشريعية، علي عكس ما تقرر حتي الآن. فقد قرأنا أن القيادة العليا للقوات المسلحة أعلنت أن الانتخابات البرلمانية ستجري في يونيو القادم، و بعدها الانتخابات الرئاسية في أكتوبر. التعديلات الدستورية المحدودة والأخيرة، نصت في مسوغات الترشيح لمنصب الرئيس أن يحصل علي تأييد30 نائباً علي الأقل في مجلس الشعب. والمجلس الحالي تم حله، وبالتالي يُحرم المرشحون من هذا المسوّغ الدستوري الذي يرونه مهماً ويسهل الحصول عليه أكثر من المسوّغ الثاني الذي يتطلب الحصول علي تأييد ما لايقل عن 30 ألف صوت من بين سكان 15محافظة، والحل في رأي هؤلاء أن تتم انتخابات مجلس الشعب أولاً ليختار النواب كل حسب رأيه من يرونهم الأفضل من بين المرشحين للانتخابات الرئاسية. وقد نتفق علي أن مرشح أي مرشح لأعلي منصب في الدولة، لا يستطيع الحصول علي تأييد مالا يقل عن 30ألفا من مواطني 15محافظة، فهذا يعني قلة شعبيته، وبالتالي تتقلص فرص فوزه في الانتخابات أمام منافس أو أكثر حظي بأكثر من هذا العدد. وجهة نظر مقبولة لأن شهرة وشعبية المرشح للرئاسة مطلوبة علي رأس مبررات انتخابه بدليل أن هناك من الدول الديمقراطية التي تحدد ضعف أو أضعاف هذا العدد 30 ألف صوت قبل الموافقة علي الترشيح. ورغم أهمية هذا الشرط ، وتفضيله علي الشرط الآخر الذي يسمح بالترشيح للمنصب الأعلي لكل من يحصل علي تأييد 30 نائباً في مجلس الشعب إلاّ أن هناك من يري تقليص هذا الرقم أو حتي إلغاءه بالنسبة للمرشحين المستقلين مادامت التعديلات الدستورية الأخيرة منحت الفرصة أمام كل حزب من أحزابنا السياسية لترشيح أحد قادته في الانتخابات الرئاسية بشرط أن يكون الحزب ممثلاً بنائب واحد تحت قبة مجلس الشعب، فلماذا التسهيل بالنسبة لمرشحي الأحزاب، والتعقيد بالنسبة لغير الحزبيين؟! المطالبة باستباق الانتخابات الرئاسية وتأجيل الانتخابات التشريعية لا تحظي بأغلبية الآراء. فهناك مطالبة من كثيرين بالإبقاء علي الترتيب المطروح حالياً من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وإن كنت قرأت أمس في »المصري اليوم« أن مصدرا مسئولا صرح لمندوبها الزميل منصور كامل بأن »هناك اتجاها لدي الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية في ضوء مطالب العديد من القوي السياسية«. ولأن المتحدث باسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة أعلن ترحيب المجلس بتلقي تعليقات المواطنين المعنيين بالتعديلات الدستورية الأخيرة، فأتصوّر أن الآراء والتعليقات تنهال الآن علي المجلس، و ينشر بعضها في الصحف اليومية، وتعلن بألسنة أصحابها علي شاشة التليفزيون في بعض برامجها الحوارية، وتجمع بين مؤيدي البدء بالانتخابات الرئاسية وبين مؤيدي السبق بالانتخابات البرلمانية. ولكلا الرأيين مبرراته وأسبابه، ومخاوفه المشروعة .. أيضاً. ليس من المستبعد في حال استباق الانتخابات الرئاسية، ألاّ يُعجّل الرئيس القادم بتكليف لجنة تضم فقهاء القانون وشخصيات عامة مقبولة من غالبية الشعب لإعداد الدستور الجديد الذي لا مفر منه مادمنا ننتظر تغييراً شاملاً في الدستور الحالي نتخلص فيه من كل مواده أو من معظمها علي الأقل ونأتي بدستور حقيقي ويا حبذا لو نقلناه »نقل مسطرة«.. كما يقولون من أحد دساتير الدول العريقة في ديمقراطيتها. التخوف من إرجاء إعداد الدستور قائم. مثله مثل التخوف من الدعوة إلي انتخابات مجلس الشعب طبقاً للدستور الحالي والقوانين التنفيذية له، والتخوف الثالث من احتمال رفض الرئيس الجديد الموافقة علي تغيير النظام الحالي لنظام رئاسي برلماني يتخلي فيه عن العديد من الاختصاصات والصلاحيات التنفيذية... إلي آخر المخاوف المعلنة والتي تطرح في الجلسات واللقاءات والاجتماعات.. التي لا تتوقف في هذه الأيام. و وسط هذا كله.. يستمر الخلاف محتدماً حول: »من يسبق الآخر: الانتخابات الرئاسية أم الانتخابات التشريعية؟!«.